الاثنين، 12 يوليو 2010

نوعان من الناس


الفيلسوف هيردكر يميز بين نوعين من الوجود البشر: الاول هو خاص و حقيقي، و الثاني هو مبتذل و زائف. يحض الاول على الفردانية المميزة للذات عن الآخرين، بينما يحث الثاني على الاندماج مع الآخرين و الذوبان فيهم. الشعراء هم من النوع الأول، فهم يلجأون للعزلة و كل منهم يتدبر عزلته على نحو خاص به كي تكون بمثابة شرفته التي يطل منها على العالم، و التي منها يخلق التواصل مع الآخرين عن طريق الأدب الرفيع و الافكار السامية و اللغة الراقية، بعيدا عن السوقية و السوقة و بمنأى عن مضيعة الوقت في العلاقات الاجتماعية التافهة التي قوامها الهذر و الكلام الفارغ. يقول المسرحي الامريكي تينيسي ويليامز: "أحس بتواصل حميمي عن طريق الاختلاط الاجتماعي".

الشاعر هو من، بواسطة مطالعاته و ثقافته و استنباطه الشخصي، يتمكن من تخفيف الصدمات و يسعى دائما للقفز فوق احباطات المعيشة اليومية و يناضل بصددها ببطولة لا تقل عن نضال الابطال في الميدان. تصنع البطولة من اسلحة يتم صبها في مصانع القلوب . أو ليس، حسب الحديث النبوي، البطل الحقيقي هو من يجاهد الجهاد الاكبر بينما المحارب في ساحات الوغى يجاهد الجهاد الاصغر، و حسب هاملت شاكسبير، البطل الحقيقي هو من  يدرأ عنه آلاف الرماح التي تلقيها عليه الحياة اليومية، و حسب آرثر ملر عن طريق شخصية ويليي لومن في مسرحية "موت بائع متجول" هو البطل التراجيدي الحقيقي و ليس ابطال الملاحم و الأساطير، و حسب فرانز كافكا في قصة "المسخ" و قد قلبته شؤون الحياة، مثل كريكور سامسا، الى صرصار! انه يعرف ان عليه ان يعرف الحقيقة، بلا زيف و بلا تمويه و بلا تبريرات تؤدي الى الاحساس بتهنئة الذات، كي في الاخير تجعله الحقيقة ينال حريته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق