الاثنين، 12 يوليو 2010

نوعان من الشعر

هناك نوعان من الشعر: شعر اللغة و شعر اللالغة. الاول هو الشعر الموجود في اللغة من كلام و كتابة، و الثاني هو الشعر الموجود خارج نطاق اللغة: في اللوحات الفنية، في الحركات المسرحية، في الموسيقى، في منظر طبيعي، في مشاهدة فلم جيد، في اكلة فول مدمس في مطعم فلافل الجحش الشهير في القاهرة او لي شرب الشاي بشارع حلب بالموصل بصحبة اصدقاء تعود صداقتهم الى اواسط الخمسينات. هناك كذلك شعر الصمت، كما في الوقفات التي تتخلل سيمفونيات بيتهوفن و التي كان يتمنى صموئيل بيكت ان يجعل لها معادلا رديفا في مسرحياته و كذلك هارولد بنتر من بعده، و كذلك صمت الموناليزا. كما و هناك صمت الجبال كما في كليمنجارو حيث –بحسب ارنست همكواي في قصته "ثلوج كليماجارو—توجد جثة فهد ما من احد حتى همنكواي نفسه—استطاع ان يفسر سر وجود الفهد بتلك الاعالي نظرا لان الفهود من المستحيل ان تتسلق الجبال. و هناك صمت الوديان الذي –بحسب مسرحية وليام شكسبير—احبه تيمون الاثيني و حيث مات في كنفه بعيدا عن الحشد الاجتماعي. و هناك صمت الكهف حيث عاش اوديب الملك اواخر سنوات عمره بهدوء و سكون بعيدا عن وطنه و رنة التاج و الصولجان بحسب مسرحية سوفوكليز "اوديب في كولونوس" و هناك صمت الموت الذي يتطلع اليه بلهفة سدني كارتون بطل رواية جارلز دكنز "قصة مدينتين. و هكذا فشعر اللغة هو آفل بين ليلة ظهور الانسان و ضحى زواله، بينما شعر اللالغة هو دائم من الآن و الى الابدان شعر اللغة هو آفل بين ليلة ظهور الانسان و ضحى اختفائه، بينما شعر اللالغة هو دائم من الازل و حتى الابد، سواء بوجود او عدم وجود الانسان، و سواء بوجود او عدم وجود اللغة.


اليس هناك ما يكفي من شعر في الحركات و رحلات و دورانات الكواكب و النجوم و الشموس و الاقمار و المجرات! اليست هناك سيمفونية كافية في صوت صمت الكون! في "القرآن" اربع آيات تصف الجنة بانها جنة بسبب "عدم" وجود لغة هناك، نظرا لوجود شعر اللالغة و ليس شعر "اللغة". و لعل احد الاسباب الاخرى في نبذ القرآن للشعراء هو لانهم يتعاطون شعر "اللغة"، و هو الشعر المضاد لشعر اللالغة في الجنة.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق