الثلاثاء، 27 يوليو 2010

من دنحا كوركيس




Subject: Fw: من د. دنحا
Date: Sunday, 2 August, 2009, 7:46 PM
.

ربما سمعت بالاستاذ صديق بكر توفيق، احد اساتذة الادب الانكليزي الذين يشار اليهم بالبنان , و الذي كان يدرس مادة الادب الانكليزي في الجامعة المستنصرية بمرتبة استاذ مساعد.  عاصرت صديق لمدة عقدين من الزمان قبل انتقاله الى المستنصرية. وإن كان يحمل شهادة الماجستير من جامعة ليدز في بريطانيا، فهو أكفأ من الكثيرين ممن يحملون الدكتوراه في نفس التخصص، ناهيك عن كونه مترجما من الطراز الأول، بل ومفكرا إن جاز التعبير










لم يبق الا




دعني احيا حياتي بالذكريات و ليس الواقع الحالي فانا الآن كتلة ذكريات و لا يربطني للواقع الحالي الا 83 كيلو لحم و البقية هيام في عالم الذكريات. ليست السعادة ان تعيش الشيئ لكن ان تحلم به , اذ لم يبق الا الحلم . مهما كانت ذكريات الايام حزينة و صعبة و قاسية , تبقى الذكريات حبيبة و هي الوقود الذي يديم حركة الحياة. كان الاديب المسرحي سترندبرك يرى ان الحياة المثالية هي ان يكون المرء مثل البرهمي الذي حين يبلغ العشرين يتزوج و ينجب ولدا واحدا ثم يذهب الى البرية لوحده و في خلوته التي يعيش فيها طول عمره يجلس يتأمل وجوده

و كان المخرج المسرحي الفرنسي انطوان ارتو يدعو اللاما ان يبعده عن العالم الخارجي و يدخله الى عالم اللاما الداخلي الذي وقوده الذكريات و التأمل

الاثنين، 19 يوليو 2010

من طلال عبد الرحمن

أستاذي القدير

مبروك على هذه المدونة الجميلة والعنوان الجميل

تمتعت بقراءة نتف منها، لكنني سوف أقرأ محتوياتها تباعاً وسوف اشارك فيها حتماً
تهانينا

طلال

من باسم توفيق

مواضيع باسم توفيق المتشعبة


استاذي الكريم لكم أجزلت في أطرائي حتى ظننت أن الجبال سوف تقبل هامتي ووضعت بشهد كلماتك أكليل من الغار فوق هامتى فأي نصر عظيم هذا الذي ينتظره اي كاتب خير من أن يطرى من من قبل عالم له تلك الصولات والجولات في دنيا الثقافه والفكر مثل سيادتكم وأنا حينما تقابلنا بالجريده وقمت بأهدائي تلكم الكتابين شعرت أن هذا تقدير ليس فوقه تقدير وأطراء ليس فوقه أطراء وها أنت الآن يا استاذي الكبير تزيدنى من فيض أطرائك وكما استذدت من فيض علمك ومحبتك ... فأذا كان في بعض مما أشرت في أطرائك فلأنني أسير في ضوء مصباح أضأته أنت وجيلك العظيم .... أدام الله فيض عطائك يا أستاذي الكريم ومتعني بعلمك وبأطرائك ونصحك ...

باسم توفيق

في خضم حديث حميم

في خضم حديثنا الحميم عن اليونان و تاريخهم , اوردت اسم مسرحية "الفرس" للاديب المسرحي اسخيل , فاجئني باسم توفيق بمعلومة هي بان الاخ الاكبر للاديب المسرحي الكبير اسخيل اشترك في المعركة الشهيرة التي دارت رحاها بين اليونانيين و الفرس , و من اخيه استقى اسخيل تفاصيل المعركة التي استخدمها في كتابة مسرحيته . من جانبي , تذكرت قرائتي لهذه المسرحية و نحن نعد الايام نترقب الهجوم علينا بالموصل و سائر العراق عشية حرب بوش الاب في 1991, و كيف ان الحس بالتربص بشان هجوم وشيك قادم كان اسخيل قد وصفه في مسرحيته التي كتبها قبل 2500 سنة و كانه كان بيننا 

مواضيع باسم توفيق المتشعبة

بمواضيع باسم توفيق يزداد وزن رصانة الصفحة الثقافية الاسبوعية  بجريدة "الراية" و يزدان رونقها .  يكتب باسم توفيق بمواضيع اصبحت نادرة بندرة المياه في الربع الخالي , و قد لا تتفق معه في كل افكاره وآراءه , لكنك لا تملك الا الاعجاب بطروحاته و اسلوبه , و بالكم الغزير من معرفته لدرجة تسال متى جلس هذا الشاب و غرف كل هذا العلم. و يعجبك اكثر ما يعجبك  و يدهشك اكثر ما يدهشك سعة اطلاعه و قربته الحميمية من الدراسات الكلاسيكية لليونان و الرومان , فهو يكتب عن سقراط و كأن سقراط يمشي بيننا و يقيم بين ظهرانينا , و الأهم , فان باسم توفيق يربط البعيد الغابر السحيق بالمعاصر الحالي  , بأن يجد في مواضيع اليونان و الرومان وشائج تربط يومنا هذا بايامهم تلك , و هكذا فهو بالتالي يفسر الاسطورة في مختبرات العلم و التكنولوجيا , و يسمو بالعلم و التكنولوجيا الى مصاف الاسطورة. في تخصصه بالكلاسيكيات فاني اقول ان باسم توفيق هو الوريث الطبيعي لجهابذة الدراسات الكلاسيكية في الخمسينات و الستينات: محمد صقر خفاجة و دريني خشبة , و في سعة اطلاعه و موسوعيته سيتبوأ باسم توفيق مركز انيس منصور و ابراهيم العريس , وسيكون بذلك بديلا للورود التي تختفي عن الانظار في الشتاء     

من باسم توفيق

"الذكريات و الخلود":




ما أجمل ما ترمي اليه استاذي العزيز فنحن جميعا مسكونون بالأمكنه ومحوطون بسياج من الذكريات من يدلف اليه حقا يستطيع أن يخترق عالمنا الخفي والملغز والذي تسكنه كل الضديات كما يقول إليوت في قصيدته خليط من كل شيء غير نقي .... هكذا اصبحنا بعد فراقنا للاماكن جسديا فقط ..... باسم توفيق



مع باسم توفيق

مساء اول امس في مقهى ستاربكس مقابل مكتبة جرير في الطابق العلوي في ركن منزو يحمل روح المكان التي كان الروائي د ه لورنس ينشدها , و مثل عندليب الشاعر كيتس الذي اثار في الشاعر ذكريات عزيزة ومثل هزار الشاعر شيلي الذي هز الشاعر طربا , كذلك احاديث باسم توفيق عملت عملها في , اذ ذكر لي اسماء من ارشيف الثقافة ايام عزها في الخمسينات و الستينات و على رأس القائمة والده المرحوم الاستاذ بجامعة القاهرة  توفيق عبد العزيز حامل درجة الدكتوراه في اللغة الانكليزية و كان مشرفا تربويا في لجنة تنسيق تدريس اللغة الانكليزية في الجامعات العربية , و من الاسماء الأخرى  لويس عوض اخصائي الترجمة و شكسبير , رشاد رشدي اخصائي الادب المسرحي الحديث , مثلي خريج جامعة ليدز , سمير سرحان الذي اثرى المكتبة المسرحية العربية منذ كان طالبا بجامعة نيويورك بمطلع الستينات , و صافيناز كاظم التي خطفتها دور العبادة من دور المسرح , و لو ان , بالنسبة لبرنارد شو , لدور العبادة و لدور المسرح هدف واحد مشترك الا وهو الموعظة الاخلاقية و الدعوة للسلوك الحميد    

قراءات معينة من دون غيرها

اقرأ يوميا ما يربو على 100 صفحة , تستوقفني قراءات معينة من دون غيرها لاسباب لا استطيع ان اعقلنها كلها , فمثلا يوم اول امس قرأت عن الممثلة السينمائية الستينية المتقاعدة لبنى عبد العزيز ما يلي:

كشفت لبنى عبد العزيز انها غير راضية عن اعمالها السينمائية مؤكدة انها طوال مشوارها الطويل لم تشاهد افلامها , وانها محظوظة لانها تتمتع بالصحة , وهي تتمنى ان لا يمر عليها يوم و هي مريضة او فاقدة البصر , و انها تفضل ان تكون في سنها الحالي 75 سنة على ان تعود الى الشباب , و قالت انها ليست معجبة بنفسها. وهي سعيدة بان لديها الصحة و الحماسة و الذكاء وتامل ان تكون فعالة منتجة و ليس عالة مقعدة , و ليس لها اعتراض على الزمن لان لكل زمان جماله

المادة التي منها يصنع الأدب

تصادفني بوتيرة يومية تقريبا مواقف تصلح مادتها لكتابة مقام مثل هذا. يصنع الكتاب كتاباتهم من المواد الخام للحياة اليومية الواقعية , فهم بذلك شانهم شان مستخرجي الذهب من اتربة الجبال و الوديان. في لجة حديث حميم مع الصحفي و المترجم الفذ المنقطع النظير باسم توفيق , امطرني باسم بمزن من شآبيب علمه الغزير و اطلاعه الواسع و معرفته المعمقة , مزن انعشت بستاني الثقافي مثل , بحسب الشاعر القروسطي جوسر ,  مزن امطار نيسان/ابريل التي انعشت الجذور التي يبسها صقيع آذار/مارس , و بحسب الشاعر الرومانتيكي ويردزويرث اعادت للعشب روعته و للوردة نضارتها , وبحسب السياب اورقت الكروم.  ذكر لي من جملة ما ذكر ان آخر عمل ادبي مهم في ساحة الثقافة العربية هو رواية تاليف يوسف زيدان اسمها "عزازيل". سالته عن اسمها الغريب , وضح ان عزازيل هو الشيطان في اللغة السريانية . انا اتحدث اللغة السريانية العامية , لكني لم افلح في معرفة هذا الاسم , و هذا ما جعلني استعين فورا بصديقي السرياني المهندس سالم يوسف جدو الذي معه قاموس اللغة السريانية. ارتبط بسالم بصداقة تعود الى 1954 حينما كنا تلاميذا في مدرسة العرفان الابتدائية في تلكيف. بالسلام والتحيات باللغة السريانية بدأت المكالمة على الهاتف الجوال مع ابي نادر , و سألته عن كلمة عزازيل , فقال لي انها من السريانية الفصحى و عليه ان يبحث عنها في القاموس , و ذهب الى القاموس و اخذ يقلب اوراقه لحين ان وصل الى نتيجة ان عزازيل هي تحريف لكلمة عصائيل المركبة من كلمتي عصا و ئيل , تعني عصا العاصي  و ئيل هو الله , و هكذا فالكلمة تعني عاصي الله , اي الشيطان.   

الأحد، 18 يوليو 2010

تعليق

غير معرف اترك تعليقًا جديدًا على رسالتك "الفاشل الاكبر":

احييك على هذه الخاطرة، فكشف هنات النفس للآخرين مؤشر على كثير من السمات الجيدة: التواضع، الشفافية، نكران الذات، الانفتاح على الاخرين،، الخ،

احييك على ذلك

كمال الدليمي



شكرا للاستاذ الاخ كمال الدليمي المحترم

شكرا جزيلا على التعليقين اللذين ينمان عن قراءة ثاقبة للمواضيع و عن ذائقة قرائية فذة , والى المزيد

من كمال الدليمي

السلام عليكم استاذي العزيز
اطلعت على مدونتك، وكتبت تعليقين على خاطرتين منها
جهد قيم، الى امام

تحياتي
كمال الدليمي

الخميس، 15 يوليو 2010

اسوأ من سليم بصل

انا --وهنا انا لا اعوذ من كلمة انا انما اؤكدها و اثبتها و اشدد عليها--اخجل من سليم بصل--سليم بصل كناية شعبية عن اسوأ شخص في العالم--و اكثر تقوقعا من القوقعة نفسها و اشد حياء من العذراء في خدرها و مع ذلك لا آسف على ما انا عليه , اذ لكل شخص شخصيته و نفسيته الخاصة به كطبعات الاصابع و بصمة العيون

الفاشل الاكبر

حية آدم , حمامة نوح , ناقة صالح , بقرة بني اسرائيل , خروف ابراهيم , ذئب يوسف الافتراضي , افعى موسى , فيل ابرهة , حصان طروادة , اسد مترو كولدوين ماير , حمار توفيق الحكيم , كلاب نجيب محفوظ , خنازير جورج اورويل , خراتيت يونيسكو , ذباب سارتر , صرصار كافكا عندهم ثقه بانفسهم اكثر مما لدي , و مع ذلك انا لا اكترث لدرجة اني اعمل لنفسي اختبارات و اخرج ببيانات , فهذا من ديدن الساعين للنجاح , وانا امرؤ فاشل أؤلف الأناشيد عن فشلي , اتغنى بفشلي , ادبك دبكة الفشل على مزامير اخطائي و طبول شطحاتي و عزيف خساراتي 

العمل و الكسل

مهما ادعت نقابات العمال بالدول الحزبية , بملتي و اعتقادي يبقى الكسل الذ من العمل. الكسل عسل و العمل بصل. من ميزات جنات النعيم اها لا يوجد فيها عمل , فالعمل هو عقاب لآدم على الارض , و لهذا يميل الانسان بطبيعته للكسل و ان العمل هو مناقض لطبيعته و هو مناقض لوجوده في الجنة. وهنا يجب ان نتذكر مقولة اليوناني هراقلطيز :"كل من يناقض سنن الطبيعة يهلك."ء

في قصيدة دانتي العصماء "الكوميديا المقدسة" هناك شخص اسمه بيلاكوا تراه متكأ في ظل شجرة و هو يتأمل جنات النعيم. . وبيلاكوا هذا جعله صموئيل بيكت رمزا له في حياته , و هكذا عاش بيكت حياة حافلة بأطايب الكسل , فكان يبقى ممدا لساعات وهو ينظر الى الحائط , فكانت زوجته سوزان تقول له :"والآن استدر و انظر الى الحائط الآخر لان هذا الحائط قد تعب".ء

بيلي وايتلو

الممثلة المسرحية البريطانية بيلي وايتلو التي بلغت الثمانين متخصصة بتمثيل الادوار الرئيسية في مسرحيات صموئيل بيكت , و كانت الممثلة المفضلة لديه و كثيرا ما كان يكتب ادوارا خاصة لها في مسرحياته. في مقابلة صحفية مؤخرا , قالت وايتلو :"انا قليلة القراءة , وحينما بدأت في سنة 1964 امثل في مسرحيات بيكت , كنت جاهلة تماما , و ما زلت , --سواء قراءة ام مشاهدة--بمسرحيات بيكت السابقة و خاصة مسرحيتيه الكبريين "في انتظار كودو" و "لعبة النهاية". مرة و احدة و بالصدفة شاهدت "كودو" باللغة الالمانية الت لا اجيد منها كلمة واحدة. انا نادرا ما كنت--منذ صغري و لحد الآن --اذهب لمشاهدة المسرحيات المعروضة في المسارح , و انا نادرا ما ازور دور المسرح , وحين اذهب هناك و هذا يكون حينما يكون لدي دور امثله في المسرحية المعروضة , ادخل من الباب المؤدي الى خشبة المسرح لامثل دوري ثم اتسلل خارجة راجعة الى البيت. عندي ميل للخلوة لو انني راجعت محللا نفسيا بشانه سيلقى عندي العجب العجاب من تفاصيل حبي للخلوة و العزلة و الانسحاب.وانا لا احب المسرح و لا الادب و لا العمل , انما انا مجبرة على مهنة التمثيل لكسب قوتي اليومي واعالة ابني المعاق"ء

الادب و الساسة

في الاسبوع الماضي اثناء زيارة احد الاصدقاء بمستشفى الامل في الدوحة قرات في الصفحة الاخيرة من جريدة "القاهرة الاسبوعية" مقالا يطعن فيه كاتبه بثقافة الرئيس المصري حسني مبارك و ذلك باسلوب الغمز و اللمز بان الرئيس مبارك لا يمكن ان تتسع قراءاته لتشمل مسرحية صموئيل بيكت "في انتظار كودو". اقول لا تثريب على حسني مبارك انه لم يقرا "كودو" لان اختصاصه العسكري و وقته لادارة 80 مليون نسمة لا يفسحان المجال له لقراءة "كودو" , لكن العتب هو على من اختصاصه الادب و الترجمة و لم يقرأ  "كودو"ْ.  والله اعلم , اية كتب اخرى مصيرها مثل "كودو" في المقابر الجماعية للكتب. و الرئيس السابق صدام حسين تعاطى التاليف فهو مؤلف العديد من الروايات. بعد 9 نيسان 2003 لام طارق عزيز صدام حسين لانه في السنوات الاخيرة انشغل بالادب و اهمل السياسة و هذا مما اسهم في تقريب و تعجيل قدوم النهاية في 9 نيسان. و العارفون ببواطن الامور يقولون ان صداما وهو في سجنه كان منكبا على الكتابة و التاليف على شاكلة الماركيز دي ساد الذي ابان سنوات سجنه في الباستيل لمدة 28 سنة كتب العديد من الروايات و المسرحيات و المقالات و الرسائل .ء

بعض الساسة المتسمين بالحدة تشفع لهم ميولهم الادبية . فحينما زار ابن خلدون تيمورلنك في خيمته قرب دمشق , تحاور المؤرخ الكبير مع الخان الرهيب في شتى امور السياسة و التاريخ و الحضارة , و بالاخير قرع الخان الصنج فدخل الحاجب وجلب العشاء المتكون من الرشتة.  دون ابن خلدون تلك الدردشة الشيقة مع تيمورلنك و تلك الرشتة اللذيذة التي اشتركا معا باكلها على ارضية الخيمة. كاسترو الذي بدا حياته في موانئ نيويورك حمالا هو قارئ نهم و صديق للكتاب و الادباء من ضمنهم ارنست همنكواي , تينيسي وليامز و الكولومبي كبرييل كارسيا ماركيز. احد الايام حين استقبل بمكتبه كل من تينيسي وليامز و الناقد كينيث تاينان رحب الدكتاتور المتأدب بهما بانه حينما راى وليامز صرخ عليه بالاسبانية :"آه , اكويا كاتو" , بمعنى "آه , تلك القطة" (البزوني , البزوني), بالاشارة الى مسرحية وليامز "قطة على سطح صحيف ساخن"ء ومرة وهو يلف ذراعه على كتف كبرييل كارسيا ماركيز في مشية حميمية في ممشى القصر الرئاسي الكوبي , قال كاسترو لماركيز :"كنت اتمنى ان اولد اديبا."ء

نكسة حزيران الثقافية

في 1970 انعقد مهرجان شعري للشباب في بغداد , و كانت الايام ما تزال فيها رائحة دخاخين نكسة حزيران في مناخيرنا , و انعكس تاثير الدخاخين هذه على انكسارية الروح مما حدى باحد الشعراء في ذلك المهرجان ان يلقي قصيدة جاء فيها مما جاء :"فسألتها: اين التواليت يا مدام؟"   قبل فترة في سنة 2005 في المؤسسة التي اعمل فيها جائني موظف كبير مرت عليه سنتان يعمل في مؤسستنا التي لا يزيد حجم مبناها عن ثلاثة طوابق و فيها مكتبة تحتل حيزا كبيرا في الطابق الاول , وسألني -- في البدء , ظننت انها نكتة نيسان , لكن في الاخير تبين انها من نتاج نكسة حزيران , سألني :" اين المكتبة يا استاذ؟"ْ

نحن نعيش نكسة ثقافية تبدو فيها نكسة حزيران كنزهة في قارب , مقارنة , على حد تعبير الالماني نيتجه , ب "محيط من الزبل" على ايقاع اغنية عبد الوهاب :"في جحيم من القبل"ء

آرتور رامبو

الشاعر الفرنسي آرتور رامبو (1854-1891) هو من افضل الامثلة على العبقري الذي لا يكترث بعبقريته. ألف رامبو اروع القصائد وعلى رأسها "الزورق المنتشي" و "فصل في الجحيم" , و هما القصيدتان اللتان , برأي الشاعر و الناقد بول فاليري , تسويان نصف الشعر الفرنسي قاطبة. توقف رامبو عن نظم الشعر و هو لما يبلغ التاسعة عشرة من عمره. بعدها , حينما كان يستوقفه البعض لمناقشة قصائده , كان رامبو يطرق ساهما ثم يسأل سائله :"اية قصائد تعني , فانا لا اعرف عما تتحدث."ء

غادر رامبو منزله في باريس حيث كان يعيش مع والدته و اخته و سافر سيرا على الاقدام قاطعا جبال الالب حتى وصل شواطئ البحر المتوسط , و من هناك استقل باخرة اوصلته الى ميناء عدن جنوبي اليمن . ما زالت ذكرى رامبو حية في عدن اذ في سنة 1991 اقيم هناك مهرجان تكريمي بمناسبة مئوية وفاة رامبو , و كان التكريم برعاية الحكومة اليمنية بالتعاون مع منظمة اليونيسكو

اندمج لرامبو بالمجتمع اليمني و راقت له الحياة مع اليمنيين و تعلم اللغة العربية و احب فتاة كان يسميها "ام عيون البنفسج" و حينما عاد ليموت في باريس كان يتمتم و هو يحتضر بكلمات و عبارات من جملتها : "الله كريم"ء

درنفيس

معروف عن الدرنفيس انه عدة تحل المشاكل المستعصية في الحاجات المنزلية و لدى الفيترية و مصلحي الادوات المنزلية. و هو بالتالي يقترن بالمهارة و الدقة في انجاز العمل. المخرج ايليا كازان , بناء على مهارته و سعة حيله بمجال الاخراج السينماي أكتسب صفة الدرنفيس و بالتالي اخذ من حوله يلقبونه بالدرنفيس , و شاع هذا اللقب عنه مع انه كان هو يتضايق منه. عند اخراج مشهد مهم في فلم "على الميناء" و هو مشهد يعرف بين الاوساط السينمائية بمشهد التاكسي اذ يدور المشهد بين مارلون براندو و رود ستايكر و هما جالسان يتحدثان في تاكسي . يروي الممثل رود ستايكر الحدوتة التالية:  كانت هنالك مشكلة تصوير خلفية المشهد اذ يجب ان تكون في نيويورك بينما كان التمثيل جاريا في هوليوود على مبعدة الآف الكيلومترات . بعد ان احتار الجميع , قرر كازان السفر مع الممثلين و المصورين الى نيويورك لانجاز المشهد . حين سمع سام سبيكل منتج الفلم بذلك لم يستسغ القرار لان ذلك سيكلفه مبالغ كثيرة .  فجاء الى كازان و خاطبه قائلا: "حبيبي درنفيس , انت شاطر ,  فلا بد و انك بشطارتك ستحل الموقف." وهنا طرأت على بال كازان فكرة تصوير المشهد بانزال الستارة المعدنية التي هي في مؤخرة السيارة و بذلك لا حاجة لاظهار خلفية للمشهد الذي تم تصويره في هيكل سيارة مثبت في احد ستودوهات شركة كولومبيا   

الثلاثاء، 13 يوليو 2010

الكتابة اللذيذة و القراءة العذبة


لتكن كتاباتك ثرية باللغة العذبة الموحية و الروح الفياضة و عمق التجربة ولتحتشد بلغة مكثفة و رؤية عميقة لتكون عملا ابداعيا حقا. غادر عالمك الخارجي وأوي الى نفسك , فالوحدة هي الشيء الجوهري الوحيد في الحياة. او لم يكن آدم وحيدا اصلا في الجنة قبل سقوطه.؟ اذن الكتابة هي طريق العودة الى الجنة. تقول الاديبة فرجينيا وولف ان في يوم القيامة سوف تؤخر الملائكة الادباء من دخول الجنة و ذلك لان الادباء كانوا يعيشون في جنة ارضية بكتاباتهم. على الشاعر ان يخلق وحدته اي جنته. افصح عن الافكار التي ترد على خاطرك , قلها بصراحة محادثية حميمية و كانما انت في لجة حديث مع صديق قديم و انتما جالسان تشربان الشاي في شارع حلب بمدينة الموصل , ويكون الشاي مخدرعلى الفحم و يصبه الشايجي—"يهزه المجذاف" حسب ايقاعات بدر شاكر السياب—على كتل سكر كلا و لونه فاحم وحين تمسك بالاستكان لترشف منه تلتصق رؤوس اصابعك (تتدبق) بآثار السكر الذي اسقطه الشايجي من الكيلة حول محيط الاستكان حينما وضع السكر في الاستكان. ليكن لديك في مخيلتك ستوديو تطبع فيه صور شعرية تستخدمها في كتاباتك , وافتتح لك كذلك في مخيلتك حدادخانة لتعدين ديباجاتك لتصنع منك كلامك (المكتوب منه على الصفحات و المنطوق منه في احاديثك و دردشاتك), واسس لك في مخيلتك مكتبة تحفظ بها قاعدة بيانات ذكرياتك. اياك ان تستدعي في كتاباتك و احاديثك و دردشاتك الصور و الديباجات ذات الطنة و الرنة , انما دع قلمك و لسانك ينسابان تلقائيا بمداد و مادة اليومي و العادي. تذكر ان 99% من النتاج الادبي و الكتابي العالمي لا يصلح للقراءة انما يصلح اكثر ما يصلح وقودا للمنقل كي نشوي عليه الكباب وذلك لان الادباء و الكتاب يهرعون الى الكلام ذي الطنة و الرنة و لا يكتبون الا في المواضيع ذات الاحداث الجسام و لا يؤلفون الا عن الابطال العظام. حذاري ان تكون طهرانيا في طروحاتك , تذكر انك بشر تكتب لبشر , و لا تدعي المثالية فانت ابن آدم و آدم من تراب. لا شيء حقير او شخص فقير امام المبدع و ليست هنالك امكنة لا دلالة لها حتى لو كانت في السجون. افلا تبقى لديك دائما سنوات صباك و ماضيك الجميل و ذكرياتك العذبة؟ استعد هذا الثراء القاروني من الذكريات فالذكريات هي التي تجعل وحدتك مأهولة و ملاذا تأوي اليه من عواصف الواقع المزعج. انها العودة الى الذات , الى الغوص في الداخل , الى مملكة تحت بحر الواقع المتلاطم الامواج المليء بالقمامة. حين وضع نيرون الفيلسوف سينيكا في السجن بعد ان صادر كل امواله و ممتلكاته , اشار سينيكا الى راسه قائلا لنيرون :"ليس بامكانك ان تصادر ما في هذا الراس من معارف و افكار و مشاعر". في ليلة اعدام روبسبيير بالمقصلة ابان الثورة الفرنسية , جاءه صديق ليودعه فامسك به روبسبيير من ذراعه و اخذ يمشيه معه في الزنزتنة و قال للصديق المودع :"صباح يوم غد سوف يقطعون بالمقصلة راسي و يا ليتني كان بامكاني ان اهديك اياه لما فيه من افكار و معارف و ثقافة و معلومات موسوعية".



الاستاذ الدكتور باسل حاتم

الاستاذ الدكتور باسل حاتم الذي اعتز بصداقته منذ 1965 هو رئيس قسم اللغات و الترجمة بجامعة هاريوت ووط في ادنبرة في المملكة المتحدة , و يعمل حاليا استاذا بالجامعة الامريكية في الشارقة. يعد البروفيسور حاتم احد المنظرين في مرحلة ما بعد الحداثة وصاحب مدخل في علم الترجمة , و له مؤلفات تعتمدها اقسام اللغة الانكليزية في الجامعات العالمية. كانت احدى خريجاته في الاردن تشير الى نظريته في الترجمة ب "الميكادو" اي الشريعة باللغة اليابانية , و كنا كلما تخاصمنا بصدد مسألة لغوية او ادبية كانت تذكر اسم استاذها باسل حاتم ثم تضيف عبارة "صاحب الميكادو". علاوة على علم الدكتور باسل الغزير بمجال تحليل الخطاب و الترجمة , له كعب عال في الادب الانكليزي , و يعود الفضل له في انه كان اول من عرفني على الاديب المسرحي صموئيل بيكت و تحفته المسرحية "في انتظار كودو" و كان ذلك في صيف 1967 اي حوالي خمس سنوات قبل ان يتعرف جيمز نولسون على اعمال بيكت و من ثم يصادقه و يكتب سيرة حياته

الاثنين، 12 يوليو 2010

بهجة القراءة ومتعة الكتابة


هناك لوحة فنية لراهب يعقوبي إبان الحكم القيصري في روسيا وقد التف بجاجيم (لحاف صوفي) وهو يقرأ بليلة كانونية (ديسمبرية)  بصومعته في دير يبعد أكثر من ألف كيلومتر من أقرب قرية  او بلدة. أنه جالس القرفصاء وهومنكب يقرأويكتب ويقوم بتوليفات وترجمات وإنتحالات وإضافات من عندياته كما كان يفعل أناتول فرانس وهو يقيم في منزله لايكاد يؤدي عملا إلا قراءة الكتب وتقليد الكتب التي يقرأها وذلك بكتابة تلفيقات وتقليدات ومشبهات وسرقات ,يكتبها كرسائل إلى أصدقائه ,وكان يمتلك حضوربديهي عفوي للأقتباسات والإشارات إلى الأعمال الأدبية من هوميروس وإلى فكتورهيوكو,وكان يمزج هذه المرجعيات والأقتباسات الأدبية بعنديات من لدنه قوامها الأحاديث اليومية العادية الجارية ,كان يكتب هذه الرسائل إلى أصدقائه من دون أمل تلقي الردود عليها لأنه يدعو جماعة من الفقراء إلى مادية دسمة وهو يعلم إنهم غيرقادرين على رد دعوته إلى وليمة من عندهم نظرا لضيق ذات يدهم ورقة حالهم. ولعل في التوليف هناك إبداع إضافي على مافي الأصل أوقد بيز الأصل ,إذ عادة مايكون التوليف هو تنقية أوتحسين أوعلى تنويع بشكل أفضل مما في الأصل. في التوليف ,  بالأمكان حث التعابير المثلمة وبعث النشاط في العبارات الراكدة بواسط التلاعب الكلامي أوالحصافة في التعبير أوالإشارات الثقافية التي تلعب مثل الفاكهة في جسد يعاني سوء التغذية.

الفيلسوف نيتجه


هناك مجانين لاتملك إلا الأعجاب بهم سواء إتفقنا معهم أم إختلفنا. في مقدمتهم الفيلسوف الألماني البولوني الأصل نيتجه صاحب الكتاب "هكذا تكلم زارادشت ". أن مبادئ هذا الرجل تنطوي على الكثيرمن الحقائق الضرورية للحياة وهو بالمشاكل شديد العناية بالمشاكل الإنسانية ,ويؤكد على الثورة الروحية التي فيها كل الخصب والشعورالحاد بالوجود,بالنسبة له,الوحدة نوعان : الإنسحاب المريض من المجتمع والثاني الإنسحاب الأختياري الذي هووحدة المفكرين والفنانين حيث يحس المرء بذاته ونفسه بقوة ,فالوحدة عند هؤلاء هي الحصن المنيع الذي بداخله يحتمون. يقول نيتجة :"ليتخذالرجل العظيم من الوحدة وعدم إقبال الناس عليه وحبهم له من دليلا على سوء ومجالا للزهو والعظمة." يحس نيتجه بذاته بحدة ويعتد بنفسه بشدة. هوذا الإختيارالخارق الممتلئ شعورا بذاته والذي يجعل من وجوده مأساة هائلة رائعة بطلها شخص مفرد أحتملها لوحده فكانت الوحدة وطنه وفيه شيد قصره الشامخ المنيف حيث تمتع في أروقته الرحبة بالإستقلال المطلق والجرأة لحد الوقاحة ,فهناك أعتزل الناس وأخذ ينظرإليهم بالنظرة الدولية المعهودة عنه. وكأنما في نيته أن يورط العالم ,يقول نيتجه :"حذاري أن تقولوا أن الموت هومضاد للحياة. الإرادة هي الخطروالخطربوصفه صفة الوجود في خضم الخطر. عيشوافي خطر.أبنوامدنكم قرب بركان. أرسلوا سفنكم إلى بحارمجهولة لايعود منها مسافر."  ,للتاكيد على عدم اكتراثه بالعالم الخاجي ينصح قائلا:" كن كالبحر لاتهتم بالزبالة التى تلقى عليك."ْء."

حرية في السجون


أن أودعت في سجن ولم يبق لديك إلا الكلمات فأنت في عيشة راضية. ما أقبح العالم لولا كلمات هنا وهناك ,منها رسائل الشاعرالتركي ناظم حكمت التي كتبها من سجنه إلى صديق آخرفي السجن أيضا ,مخترقة أسوارالقهروالظلم وكأنها صادرة من عالم آخركله محبة وجمال وسعادة و—حرية ,تخاطبنا جميعا بكل أمل وفرح وتفاؤل وكأنها ترثي لفقرحالنا الروحي ونحن مطلقي الحرية مقارنة بثرائها الروحي وهي في السجن. صديق آخركان يكتب له ناظم حكمت الرسائل وكان ناظم في السجن وذالك الصديق حرا طليقا ,كتب هذا الصديق رسالة إلى ناظم بعد إستلامه منه إحدى رسائله العذبة المعهودة عنه يقول فيها لناظم :"على رسائلك الجميلة هذه يا ليتني بأمكاني أن أتبادل معك مكانك بالسجن وأنا لدي هذه العبقرية الشعرية في كتابة الرسائل."



حاول المساجين الكبارمنذ الماركيز دي ساد وحتى ناظم حكمت أن يبقوا على إتصال بالخارج بواسطة حبل جنيني مؤلف من الكلمات ,كلمات ليست مجرد حروف مرصوفة بل إنها معادلات لمشاعرإنسانية حين تتحرك تخلق الجنة ,والدليل على معجزاتها أنها وصلتنا منذ كلكامش وأننا نقرأها ,فهي تسلية وفائدة ولذة كالطعام والشراب والزواج.

وهناك سجين شهيرثالث مايزال يعيش ظهرانينا وهو في سجن الولاية في كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس إذهوفي السجن منذ1970 ولحد يومنا هذا. أنه جارلزمانسن مهندس مذبحة الممثلة شارون تيت زوجة المخرج العالمي رومان بولانسكي. لمانسن معجبون ومعجبات كأي ممثل هوليوودي فهو يتلقى بأستمرارالرسائل منهم وهم يصفونه بشتى كلمات وتعابير وعبارات الإطراء والمديح والإعجاب ,والقائمة طويلة يمكن إختصارها بجملة وجهتها إحدى المعجبات إلى مانسن قائلة :"أنت نوع من يسوع."

الذكريات و الخلود

لكي نحفظ بذور القلب ومن أجل الخلود ,يجب أن نعود إلى الماضي :إذن في الذكريات يكمن الخلود من عاد وثمود وذات الأخدود وصالح وهود ومدنهم والأمكنة التي جاسوها من فيافي وقفار وأودية ومقابر وكهوف ومغارات . هنالك بجنوب العراق بلدة أسمها مداين صالح وأخرى إسمها قلعة صالح ,ويقال في مكان مابجنوب غرب العراق ثم العثورعلى مغادرة فيها جثة النبي هود وقد كتب على رقعة أسمه ورسالته للناس . يقول الشاعرالعراقي سعدي يوسف بأن أمكنة الطفولة هي الكنزالذي لايمكن نهبه , فهي المشهد الأول ولاشئ يعدل المشهد الأول. ويدعي ذو صاد أنه من فرط حبه للأمكنة يحس أنه ليس هو الذي يسكن الأمكنة أنما هو مسكون بالأمكنة. وقبل كل شئ يجب أن نتذكرأن الجنة هي أساسا مكان, مكان نتوق للعودة إليه,ولحين يتم ذالك سوف نظل نحب الأمكنة. إذن الأمكنة هي بديل للجنة . يتعامل الشعرمع بدائل الجنة ومع جوهرالنفس البشرية وأن الأمكنة هومن بدائل الجنة ومن جوهرالنفس وهكذا لايكتمل الشعرإلا بحب الأمكنة والتغزل بها كما نفعل ذالك إزاء الجنة . أن من واجب الشاعرأن يدون في مذكراته وكراساته كيف يستطيع النفاذ إلى القلب بإنطباعاته المتكونه عن الأمكنة وبأن أتفه الأمكنة يمكن أن تهبه سرالأكوان إذاماتهيئت له رؤيتها بعيون الروح. أن المتنزه الذي يصفه مارسيل بروسيت في روايته الرائعة "البحث عن الزمن الضائع "الذي كان يجلس فيه للقراءة تحث التعريشة في حقول الريف حيث تجري من بعيد الثعالب والأرانب انما هوصورة مصغرة للأمكنة الرديفة للجنة. ان الصورة المثالية القصوى للانسان هي اوديب في كهفه في كواونوس.  وحب الأمكنة يشمل الخلوات المقفرة التي كان يجوسها الشعراء الصعاليك في الجزيرة العربية مابين نجد والسماوة جنوب غرب العراق حيث ذهب المتنبي ليتعلم الفصاحة من لسان البدو القاطنين هناك. هام أولئك الصعاليك بحب الأمكنة لدرجة فضلوا حياة الخلوة في الصحراء والعيش مع الضباع وأبناء آوى على الحياة في المجتمع البشري.كانوا فرسان الصحراء بلا حروب وأمجاد وبطولات. كانوا متمردين بكونهم ظرفاء متأدبين وعلماء كلام ,وأصبحت سيرهم وحيواتهم وأخبارهم مادة دسمة للأسماروالكتب وبالذات كتاب "الأغاني" الذي قضي فيه مؤلفة خمسين وهو يترجم سيرالشعراء والمغنين والندماء الملسونين. قال الناس عن أبي الفرج الأصفهاني مؤلف هذا الكتاب أنه أكذب الناس طرا وهوعاكف في بيته يسرق مايجد من أخباروينسبها إلى نفسه بعد أن ينسبها ويحورهاويصبها بقالب أسلوبه المتميز.مهما يكن من أمر,يعد"الأغاني "هو المرجع في الحياة الأدبية والإجتماعية والفكرية والحضارية للعرب. وبحسب طه حسين فإن أهم كتابين عند العرب هما "تاريخ الطبري " الذي هومرجع في تاريخ العرب السياسي و"الأغاني "المرجع في تاريخ العرب الأدبي والحضاري.

انطوان آرتو

انطوان آرتو – المخرج و المنظر المسرحي و الروحي لدرجة التصوف و العاشق الولهان بالحضارات القديمة خارج نطاق الحضارة الحديثة و الهائم بحب الثقافات الشرقية بعيدا عن اطار الثقافة الغربي، و المبشر بمذهب جديد في الفن المسرحي و المتعاطي للشعر باسلوب غير معهود، كان -- كم يقول فريد الاطرش – روحا "بلا شباب، بلا ربيع" – روحا هائمة بلا قرار لحين استقرت بكنف الموت سنة 1948. يقال إن آرتو هو أهم منظر مسرحي منذ أرسطو


أهلته سنين طويلة أمضاها في القراءة المتنوعة اضافة الى ميله للصوفية و السحر و الخوارق و الماورائيات ليتوصل الى الايمان الراسخ بأن حياة الانسان الداخلية هي الأسمى، و كانت عنده دعوة للروحانية و الوحدة و دعوة للحياة الداخلية. و حينما زار جزيرة بالي الاندنوسية كان يصلي الى اللاما: "ايها اللاما، أدخلنا الحياة الداخلية و اجعل لنا ارواحا تتجه الى العلا الاسمى حيث ننجو من الحياة الخارجية، هلم يا لاما و حطم عالمنا الخارجي."ْء"

ارتحل آرتو و حل في الجزر الاندنوسية، و كمبوديا والصين، ثم إلى المكسيك التي حضارتها هي أقرب للشرق في روحانيتها مما للغرب في ماديته. و في براري المكسيك و بصحبة السكان الأصليين من الهنود الحمر أحس آرتو أن روحه قد استقرت بمجلسها الذي طالما كانت ترنو اليه. و هناك ألف كتابه "المسرح و بديله" الذي فيه ينادي بمسرح جديد يعتمد على الصورة و ليس الصوت، على الحركات و ليس الكلمات، و هو كان ينشد من وراء ذلك العودة بوعي الانسان الحديث الى خبرات اللاوعي للانسان القديم اذ كان يؤمن ان بهذه الطريقة يمكن مساعدة الانسان من التخلص من التكلسات المادية التي تراكمت على روحه  و بالتالي ابعدته من فردوس الروح و قربته الى سعير المادة، و العياذ بالله.

نوعان من الناس


الفيلسوف هيردكر يميز بين نوعين من الوجود البشر: الاول هو خاص و حقيقي، و الثاني هو مبتذل و زائف. يحض الاول على الفردانية المميزة للذات عن الآخرين، بينما يحث الثاني على الاندماج مع الآخرين و الذوبان فيهم. الشعراء هم من النوع الأول، فهم يلجأون للعزلة و كل منهم يتدبر عزلته على نحو خاص به كي تكون بمثابة شرفته التي يطل منها على العالم، و التي منها يخلق التواصل مع الآخرين عن طريق الأدب الرفيع و الافكار السامية و اللغة الراقية، بعيدا عن السوقية و السوقة و بمنأى عن مضيعة الوقت في العلاقات الاجتماعية التافهة التي قوامها الهذر و الكلام الفارغ. يقول المسرحي الامريكي تينيسي ويليامز: "أحس بتواصل حميمي عن طريق الاختلاط الاجتماعي".

الشاعر هو من، بواسطة مطالعاته و ثقافته و استنباطه الشخصي، يتمكن من تخفيف الصدمات و يسعى دائما للقفز فوق احباطات المعيشة اليومية و يناضل بصددها ببطولة لا تقل عن نضال الابطال في الميدان. تصنع البطولة من اسلحة يتم صبها في مصانع القلوب . أو ليس، حسب الحديث النبوي، البطل الحقيقي هو من يجاهد الجهاد الاكبر بينما المحارب في ساحات الوغى يجاهد الجهاد الاصغر، و حسب هاملت شاكسبير، البطل الحقيقي هو من  يدرأ عنه آلاف الرماح التي تلقيها عليه الحياة اليومية، و حسب آرثر ملر عن طريق شخصية ويليي لومن في مسرحية "موت بائع متجول" هو البطل التراجيدي الحقيقي و ليس ابطال الملاحم و الأساطير، و حسب فرانز كافكا في قصة "المسخ" و قد قلبته شؤون الحياة، مثل كريكور سامسا، الى صرصار! انه يعرف ان عليه ان يعرف الحقيقة، بلا زيف و بلا تمويه و بلا تبريرات تؤدي الى الاحساس بتهنئة الذات، كي في الاخير تجعله الحقيقة ينال حريته.

شخصيات منتقاة


الطيور على اشكالها تقع: من عناصر كانتوات عزرا باوند هي شخصيات انتقاها من التاريخ فنراه يتناولها باعجاب في كانتواته. و كذلك شأن ذي صاد في مقاماته.

ابن الاثير صاحب "الكامل في التاريخ" و هو كتاب يزاحم بالمناكب كتاب "تاريخ الطبري" الذي هو أهم كتاب تاريخ عربي: -- ولد عز الدين (ابو العز) بن الاثير في جزيرة ابن عمر من قصبات مدينة الموصل الحدباء، و عاصر السلطان الاشهر صلاح الدين الايوبي و صادقه و قاسمه الخبز و الملح. كان ابو العز ذا ثقافة عالية و مواهب هائلة و لذا كان ينفر من السطحيين و الجهلة و كانوا هم انفسهم يبتعدون عنه، اذ ما ان يوشك ان يفتح فاهه للتحدث اليهم الا و يحسوا بالاستياء و الضيق نتيجة سطحيتهم مقارنة بعمقه الثقافي و الفكري و لشخصيته و دقته. و لقد تمادى في احتقاره لهم. و لم يقتصر في احقاره على العامة فقط، انما شمل احتقاره و ازدراءه المؤلفين من حوله و من قبله. و بقدر ما كان يبدي اعجابه بالمؤلفين الآخرين، كان لا يلبث ان يكشف عيوبهم و نواقصهم، و في الاخير لا يكتم اعجابه بنفسه و ثقته به، و كان كثير التبجح بنفسه و كان عارفا و مدركا لعبقريته. و الحق يقال، انه كان ذا ثقافة رفيعة عالية واسعة و ثرية، و هكذا فهو جدير بهذا التعالي. و من ناحية اخرى، فعلى الرغم من أنه كان ينتهج اسلوبا علميا تحليليا تعليليا، كان –نظرا لاعجابه بنفسه و تعاليه على الآخرين – يطلق آراءه و احكامه حسب هواه.

كان يؤمن بان الذوق السليم يأتي قبل الاكتساب و التعلم. و كان يؤمن بان الجمال و البيان لا نهاية لهما و لا يشبع منهما.

النويري -- 1


احمد عبد الوهاب النويري (1287-1343م) صاحب "نهاية الارب في فنون الادب" هو من مواليد قرية نويرة من اعمال بني سويف بمصر. يقع كتابه هذا في 30 مجلدا –اين انتم يا عرب اليوم؟-- و هو موسوعة، اضافة الى احتوائه على تلخيص ل30كتابا مهما. و هذا الكتاب الموسوعي هو سجل حافل—مثل كانتوات عزراباوند الشعرية و كانتوات صديق توفيق لنثرية—بمطالعات، قراءات، توريات و اقتباسات، علاوة على عمليات سطو، قرصنة، سلب و نهب تصل في كثير من الاحيان درجة "عيني عينك" في النقل من الكتب و النصوص. كانت طريقته هي ان يقع على كتاب كما يخر الباشق على عصفور ثم يعمل عمله في احشائه ثم يختار المقاطع الدسمة التي يستمرئها، فهو في امور التذوق الأدبي يعرف من اين تؤكل الكتف. و هكذا جمع في سجله الحافل كنوزا من الحكايات، الحدوتات، الحوادث، الأحاديث الشيقة، الاخبار، السير، اضافة مقتبسات، ملخصات و اشارات من عيون الادب و الشعر و الكر. و لقد جاء كتاب النويري هذا في موعده و في محله، فعند سقوط بغداد في 1258، لقيت الكتب نهاية و حشية على يد التتار، فمنها من اغرق بمياه دجلة و منها من احرق، و هكذا هرع النويري لجمع و تدوين و نقل ما امكن جمعه و حفظه لانقاذ ما تبقى من ذخائر الكتب و الادب و سائر المعرفة.

النويري -- 2


في البداية تم تعيين النويري بوظيفة ادارية في ديوان السلطان، لكن نفسه التواقة للادب سرعان ما جعلته يترك هذه الوظيفة الحكومية ذات الراتب الجيد، و اختط لنفسه عملا حرا و هو نسخ الكتب و بيعها، فعمد
أول ما عمد الى "صحيح البخاري" و نسخ منه ثماني نسخ و باع كل نسخة بآلف درهم. ظل الرجل يمارس هذه المهنة، مهنة الوراقة، و يا محلاها، فيقتات منها و يجد فيها لذة العمل لدرجة ينطبق على النويري تعريف برنارد شو للسعادة و هي ان المرء يقوم بعمل يحبه حبا جما يجعله ينسى نفسه، و كذلك تنطبق عليه مقولة السيدة فينابل في مسرحية تينيسي وليامز "فجأة في الصيف الماضي" (ترجمة صديق توفيق) حينما تقول السيدة فينابل للدكتور سوكروكوفيج بأن السعادة هي ان يكون عمل المرء هوايته و هوايته عمله. و لكن اراد النويري ان يسهم في الكتابة الادبية، فانخرط في مطالعة ما طاب له ان يطالع و يقرأ و من ثم –على طريقة ادباء عصر النهضة في اوروبا فيما بعد—يدون ما يطيب له من النصوص في دفتر ملاحظات ليكون له في الاخير سجلا يرجع اليه حين قيامه بالتاليف. فلما اجتمع لديه من منتخباته و اختياراته قدر كبير من المادة التي تميل اليها النفوس و تشتمل عليها الخواطر، ترنحت في ذهنه فكرة وضع كتاب مبسوط يحوي مختاراته و كانت الثمرةهي كتاب هذا "نهاية الارب في فنون الادب"



نوعان من الشعر

هناك نوعان من الشعر: شعر اللغة و شعر اللالغة. الاول هو الشعر الموجود في اللغة من كلام و كتابة، و الثاني هو الشعر الموجود خارج نطاق اللغة: في اللوحات الفنية، في الحركات المسرحية، في الموسيقى، في منظر طبيعي، في مشاهدة فلم جيد، في اكلة فول مدمس في مطعم فلافل الجحش الشهير في القاهرة او لي شرب الشاي بشارع حلب بالموصل بصحبة اصدقاء تعود صداقتهم الى اواسط الخمسينات. هناك كذلك شعر الصمت، كما في الوقفات التي تتخلل سيمفونيات بيتهوفن و التي كان يتمنى صموئيل بيكت ان يجعل لها معادلا رديفا في مسرحياته و كذلك هارولد بنتر من بعده، و كذلك صمت الموناليزا. كما و هناك صمت الجبال كما في كليمنجارو حيث –بحسب ارنست همكواي في قصته "ثلوج كليماجارو—توجد جثة فهد ما من احد حتى همنكواي نفسه—استطاع ان يفسر سر وجود الفهد بتلك الاعالي نظرا لان الفهود من المستحيل ان تتسلق الجبال. و هناك صمت الوديان الذي –بحسب مسرحية وليام شكسبير—احبه تيمون الاثيني و حيث مات في كنفه بعيدا عن الحشد الاجتماعي. و هناك صمت الكهف حيث عاش اوديب الملك اواخر سنوات عمره بهدوء و سكون بعيدا عن وطنه و رنة التاج و الصولجان بحسب مسرحية سوفوكليز "اوديب في كولونوس" و هناك صمت الموت الذي يتطلع اليه بلهفة سدني كارتون بطل رواية جارلز دكنز "قصة مدينتين. و هكذا فشعر اللغة هو آفل بين ليلة ظهور الانسان و ضحى زواله، بينما شعر اللالغة هو دائم من الآن و الى الابدان شعر اللغة هو آفل بين ليلة ظهور الانسان و ضحى اختفائه، بينما شعر اللالغة هو دائم من الازل و حتى الابد، سواء بوجود او عدم وجود الانسان، و سواء بوجود او عدم وجود اللغة.


اليس هناك ما يكفي من شعر في الحركات و رحلات و دورانات الكواكب و النجوم و الشموس و الاقمار و المجرات! اليست هناك سيمفونية كافية في صوت صمت الكون! في "القرآن" اربع آيات تصف الجنة بانها جنة بسبب "عدم" وجود لغة هناك، نظرا لوجود شعر اللالغة و ليس شعر "اللغة". و لعل احد الاسباب الاخرى في نبذ القرآن للشعراء هو لانهم يتعاطون شعر "اللغة"، و هو الشعر المضاد لشعر اللالغة في الجنة.







الأحد، 11 يوليو 2010

من باسل علي حاتم

والله ذكريات جميلة يا اخي صديق

اين انت يا رجل وشو اخبارك

انا في الشارقة طبعا في الجامعة الأمريكية ارجو ان اسمع منك تفاصيل صديقية قح

المشتاق دوما
باسل

شارع حلب

شارع حلب بالموصل عزيز على القلب لما يحتويه من رجال مختلفي المشارب متنوعي الطباع متعددي الاهواء، لا نستطع ان نمتدحهم و لا نذمهم، لانهم بشر مزيج من الاسود و الابيض.


ههنا احدهم وهو ذلك  الاكول الذواق المحدث الحميمي السمير الظريف الذي لا يشق له غبار و المعبأ بكم هائل من الذكريات، وهو نموذج الرجال النادرين , ينشد صفاء الذهن في صخب  المقاهي والهدوء في  المحلات المكتضة بالناس، و الالهام في تاكسي ديزوتو صنع 1954 ما تزال تجوب شوارع مدينة الموصل فتراه راكبا في المقعد الخلفي في التاكسي و هو يدخن السيكارة بنهم اذ هو في لجة تحسس شعري بالحياة اشاعه في قلبه الفسيح ثلاث عبوات فريدة  في احد المحلات. في الصخب و صياحات ارباب المحلات العامة على عمالهم يتجوهر الهدوء في مقاهي شارع حلب حيث اللمة و شرب الشاي تحت سحب دخان السكاير , سيما بفصل الشتاء حيث تتحرك سحب الدخان ببطء شديد نظرا لرطوبة الجو و هذا ما استغله جورج ستيفنز مخرج فلم "شين" حينما جاك بلانس يطلق النار على ايلايشا كوك في نهار شتوي فبعد اطلاق الرصاص نرى الدخان يتموج بلون حليبي في عدة لقطات مصورة بالوان تكنيكولور الطبيعية الزاهية . في لجة حميمية الاحاديث و شعرية التواصل في هذا الشارع وجدت مختبرا لقابلية منابع الشعر و قابليتها في التفجير اللغوي شعرا. ان هذا التفجير الشعري للكلمات و انت تشرب الشاي في مقهى بشارع حلب حيث اللمة و العشرة و التواصل الحشاشي لا تضاهيه جلسة بفندق خمس نجوم و انت بين الفينة و الاخرى تتحسس ربطة عنقك تحسبا للقيافة و انت بحضرة اناس جمعتك المصلحة المادية بهم على حساب حريتك و انطلاقك في الملبس و المأكل و المشرب و ---الكلام. ههنا بمقهى بشارع حلب ذلك الشعر الذي يلبي حاجة الفضاء الداخلي للانسان دون التطريب الخارجي فيصل الشعر الى الحشاشة من دون عكازات اللغة

يحس المرء بجلسة شرب شاي في شارع حلب انه في حضرة و جدانات مفتوحة تبدد الرتابة عبر اثارة بهجة الاستماع الى الاحاديث الآسرة و الحكايات المدهشة التي تلون رمادية رتابة اليوم. و كانت هناك مجموعة السميعة التي تحب الطرب من المقام العراقي و الدور المصري و الموال الشامي، و تسمع وتتذوق سماع عمالقة الطرب الكلاسيكيين، المحليين منهم و العرب، فمن هناك عملاق العمالقة الملا عثمان الموصلي، ثم سيد احمد الكفغ و سيد اسماعيل الفحام، و من بغداد الملا رشيد القندرجي، محمد الكبانجي و يوسف عمر، و من القاهرة سيد درويش، صالح عبد الحي، و من الشام ابو سلمو و صباح فخري. وكذلك كانت هذه المجموعة تمتلك ثقافة طرب فتراها مترعة بالأحاديث المسهبة عن تاريخ الاغاني و سير حيوات المطربين و الملحنين و المؤلفين اضافة الى تواريخ محلات الطرب.

الاولياء و الصديقون

الاولياء و الصديقون خير و ابقى من هوميروس، دانتي، المتنبي، شكسبير وعزراباوند و غيرهم من اصحاب الادب، و يعلموننا اكثر، و ان منتهى ما يريد اصحاب الادب تحقيقه هو السمو الى منزلة الاولياء و الصديقين. و نحن نفهم ونتعلم من سير الاولياء مع انهم لم يكتبوا بينما الادباء يكتبون الشعر و النثر، و هكذا فصمت الاولياء ارقى بلاغة و اعظم فصاحة من شعر الشعراء و نثر الادباء.


و حينما يتحدث الاولياء و الصديقون فهم يتحدثون عن فكر بلا مصادر و لا كتب و لا قراءات و انما من قلوبهم التي فيها العلم و المعرفة و الحميمية و المحادثة التي لا يحلم بها الادباء، و هكذا فاحاديث النبي الامي افضل من اعظم نظريات اينشتاين. و الاولياء حاضرون غائبون و غائبون حاضرون. فحينما نلتقي احدهم لا يلفت انتباهنا و هكذا كانما هو غائب، و حين يكون الولي غائبا نحس بحضور روحه فهو حاضر معنا و هو غائب، يفرز لنا الادباء الاخيار عن الاشرار لنحب الاخيار و نكره الاشرار. بينما الاولياء يباركون الذين يجمعون الحطب لاحراقهم. من ناحية اخرى، يحبب لدينا الادباء الحياة و العالم، بينما الاولياء يرفضون قيم هذا العالم لانهم يعيشون في عالم مختلف، و هكذا فهم يفهموننا بينما نحن لا نفهمهم

الباسطرمة و اطعمة موصلية اخرى

: الدولمة ، الباجة ، القوزي ,  طاوة تبسي (مسقعة)، باذنجان بلحم برزولة ، بامية عصاعيص مع ضلوع الخروف لحمة نخمي ، تشريب لحم زند ، علاوة على كبة الموصل المدورة بنصف قطر مسطرة , كبة حلب و هي كبة رز مدورة او مدببة. ناهيك عن الحلويات من البقلاوة، الزلابيا، زنود الست، الكاهي، الكنافة، و هناك بالذات بمدخل شارع حلب بالموصل محل حلويات لصاحبه ابو حمدو الحلبي منذ سنة 1940. من المطاعم الشهيرة بشارع حلب، مطعم السعدون بادارة عبد الله عقراوي الشهير بتقديم رؤوس خراف مشوية بالتنور، مطعم الفرات بادارة هرمز التكليفي و الذي يقدم انواع الرز و المرقة و المشويات، مطعم باجة لحم روست، لسان، مخ، كبة حلب، كبة بتيتة جاب بادارة احمد الديري.. اما شاي شارع حلب فبشهادة وزير التموين السيلاني قبل اكثر من ستين سنة فان اكثر دولتين في العالم اجمع تتذوقان، تحبان و تجيدان تخدير الشاي ثم تجلسان لشربه في اجواء محادثة حميمية هما بريطانيا و العراق، و لا ادل على حب البريطانيين لشرب الشاي من الروائي هنري جيمز في روايته ""صورة سيدة"" التي يفتتحها بشرح مسهب لمشهد افراد اسرة لندنية جالسين في حديقة المنزل يشربون الشاي، و لا ادل على حب العراقيين لشرب الشاي من ذي صاد في كانتواته النثرية المعنونة ""شرب الشاي في شارع حلب"ء".



المشهور عن الموصلي انه "حباب بطنه", فهو يخصص المبالغ الكثيرة لتناول احسن الاطعمة و الماكولات. هشام الصواف , محمد باسل قاسم العزاوي , حسيب الياس حديد , لازكين خدر الباراني و انا كنا  بقسم اللغة الانكليزية بجامعة الموصل، مر علينا حين من الدهر في شتوية العام الدراسي 1975/1976 كنا نذهب قبل شروق الشمس الى احد المطاعم لتناول وجبة الافطار و بحسب جدول باسماء المطاعم و اسم الزميل الذ سيدفع الفاتورة، و لقد اسمينا انفسنا جمعية الاكلات التراثية و انا من عندياتي اضفت كشعارات للجمعية عبارة بالالمانية هي Patcha Uber Alles أي ""الباجة فوق الجميع"" وهذا هو شعار المانيا النازية ""المانيا فوق الجميع"" deutchland Uber Alles و الشعار الاخر الذي اعطيته للجمعية هو Atta Der Grosse اي ""انه العظيم""و آتة هو اسم اشهر باجةجي بالموصل كنا ناكل الباجة عنده، وعبارة Der Grosse نشاتها من اسم مسرحية الكاتب السويسري دورينمارت Romulus Der Grosse "" روميليس العظيم"".من كثرة حب المواصلة للاكلات عندهم اسر استمدت اسماءها من اسماء الاكلات: كبابجي، القليةجي. كل هذه  دلائل تشير الى حب المواصلة  للاطعمة و الماكولات، و هذا امر ليس وليد الامس انما يعود الى فجر تاريخ المنطقة، حينما تضيق بيد كلكامش الحيل للحصول على الخلود تنصحه سيدوري  سيدة الحانة جملة من النصائح لتحقيق السعادة فتقول له من جملة ما تقول "و لتكن بطنك مملوءة على الدوام باطيب الطعام" كما و ان اعظم وليمة في العالم و في تاريخ هي تلك التي اقامها الامبراطور البابلي بلشزار و دعا اليها جميع حكام و شعوب الارض.

و الآن، هل اتاك حديث الباسطرمة؟


 يقول عميد الادب الانكليزي في القرن الثامن عشر الدكتور صموئيل جونسون (1709-1784) "الذي لا يهتم بالطعام لا يهتم بالحياة" كان جونسن اكولا نهما بحيث حينما يجلس الى المائدة لتناول الطعام مع جماعة كان ينهمك بماعونه و ينقطع اتصاله بالعالم الخارجي فتراه لا يتحدث ولا يتجاوب مع من يتحدث معه. لا تثريب على جونسن، اذ بملتي و اعتقادي، عملية الاكل هي حالة انقطاع ووجد صوفي، و هي بالاخير علامة من علامات مواصلة الحياة و دليل على التمتع بصحة جيدة. من تنتهي عنه الشهية للطعام يصاب بمرض نفسي-عضوي اسمه عياديا anorexia nervosa فترينه ينقطع عن تناول الطعام فيصيبه الهزال و المرض و في بعض الحالات الشديدة يكون الموت هو نهاية المطاف. انا سيدتي الفاضلة، مر علي حين من الدهر بمطلع السبعينات، وقعت في جحيم هذه الحالة ابان اوديسا انفعالية. الا انني وجدت في الاخير شاطئ النجاة على ضفاف لاكر البافارية. من الذين اصابتهم هذه الحالة الراحلة الاميرة ديانا. اشهر من اصابته هذه الحالة و في الاخر مات بسببها هو هيثكليف بطل رواية ايميلي برونتي ""مرتفعات ويذرنك"". الطعام هو كالشعر، احتفاء و احتفال بالحياة. احدى المرات، الممثلة الهوليودية اليزابت تايلر و زوجها حينئذ ريتشارد برتن سافرا من لندن الى روما من اجل تناول وجبة سباكيتي في احد المطاعم. من اشهر الاكالين في التاريخ هو تمورلنك الذي استخدم عنده امهر الطباخين و كانت اكلته المفضلة هي ديك رومي محشي بدراج محشي بالرز و ملحقات من اللوز و الكشمش و التوابل الفاخرة. ان "حب البطن" ملازم للانسان في طبيعته، فحينما نفخ الخالق الروح في ادم، راى ادم اول من راى، ليس حواء، انما فاكهة الجنة على الشجر حوله و من شدة كون آدم "حباب بطنه" نهض قبل ان تسري الروح في كامل جسده و هرع الى الثمار يأكلها بنهم، و لهذا تشير الاية ان الانسان خلق عجولا









35

 الكبة المشوية والسمنة تسيح منها مع عصير الرمان في مزرعة --- لعمري إنماهذاوصف من أوصاف فردوس النعيم وصف يضاهي لا بل ويبز وصف دانتي للفردوس في قصيدة الكبرى "الكوميديا المقدسة."وأن ذكرى ماعون باجة موصلية قد أججت لهيب شعلة مخيلتي ,كما يصف برنارد شو  يوليوس قيصر في مسرحية "قيصروكيليوبترة":"أتقدت مخيلته",  أضف من عندياتي وصفا تكميليا للفردوس الموصوف اعلاه. عروق تنور من التنورمع المخللات  وبصل أخضر وطاسة لبن بالماء المصقع والجلوس تحت تعريشة كما جلس بطل رواية ماغسيل بغوست "البحث عن الزمن الضائع "وتهب بين الفينة والأخرى هبة ربيع دافئة بعد زمهرير شتاء ولى حسب وصف الشاعرالرومانتيكي شيلي في قصيدته العصماء "ترنيمةإلى ريح غريبة ", ومن بعيد يأتي صوت طقطقة دوران الناعوركما في رواية سرفانتيس"دون كيشوت"ء "

مع صوت الجرس المتدلي من عنق الحمارالذي يديرالناعور كالحمار ينيامين في رواية جورج أورويل "مزرعة الحيواانات ",ومن ثم صوت تغريد قبرة في أعالي الشجر كما في قصيدة الشاعرالرومانتيكي جون كيتس "ترنيمة إلى قبرة ". لعمري هذا مشهد يعادل بلذته الإحساس الرومانسي بالوحدة العربية بين سورياوالعراق بحسب أغنية المغنية الحلبية دلال شمالي وهي تصدح بصوتها تغني عن الوحدة السورية – العراقية المحلوم بها:"من قاسيون أطل يا وطني , فأرى بغداد تعانق السحب"ءء"



حينما  كان بوش الأب يضربنا بقنابله وصواريخه ونحن بالموصل في كانون الاول 1991 ,أنقطعت, من جملة ماأنقطعت من أشياء أخرى ,الكهرباء في دياجير كانونية وزمهرير كانوني كما يصف توماس بيكت بمسرحية ت س اليوت "جريمة قتل في الكاتدرانية" الشتاء في لندن لرئيس أساقفة باريس الذي ينوي زيارة لندن,فيقول له محذرا :"أنت لست متعودا على كانوننا الإنكليزي" . نزلت للسوق بصحبة جاري أبوعماد وأشتريت صندويل باسطرمة. الباسطرمة هي عبارة صوصج هائل الحجم مستوي الشكل محشي بلحم عجل مضاف إليه نسبة معينة من سمن الخروف  وتعلق صندويلات الباسطرمة في المنزل في موقع بحيث يمرمن خلاله تيارهواء للحفاظ على صزاجة الباسطرة من التلف والعفن .  في الحقيقة , يتكون على صندويل الباسطرمة طبقة من العفن الحميد المسالم الصحي اللذيذ كما في حالة الإجبان,وهذا العفن يضفي على الباسطرمة نكهة لايعرفها إلا الذين يأكلونها. وأضافة للحم العجل و سمنة الخروف يتم حشي الباسطرمة بالثوم وبهارات من نوع خاص إسمها بهارات باسطرمة. والغرض من وضع نسبة من سمنة الخروف في حشوة الباسطرمة هولأنه حين قليها في المقلاة , لايوجد ثمة داع لإستعمال سمن الطعام,إنماالسمن سيسيح من الباسطرمة نفسها,وبعد ذلك تسري رائحة زاكية تصل بيت الجيران الذين تداهمهم مع الرائحة الزاكية نوبة حسد بصدد من سيأكل الباسطرمة بعد قليل,.الطريقة المثلى لأكل الباسطرمة هي قليها مع  البيض وبالنسبة للعارفين من اين تؤكل الكتف ,  تؤكل الباسطرمة وهي في الطاوة (المقلاة) من دون تفريغها في صحن او ماعون وذلك لتغميس الخبزفي أسفل الطاوة حيث اللذة تعادل لذة الثمالة. وفي دورة السرجخانة في السبعينات فتح محل قلي باسطرمة كان صاحبه يقدم للزبائن الطاوة من دون ان يصبها في ماعون لكي ياكل الزبون الباسطرمة مباشرة من الطاوة و ينال ملء حقه في التغميس, و كان لدى صاحب المطعم هذا ما ينيف على عشر طاوات

رائحة الباسطرمة المقلية والشحمة التي تزيد الكبة نكهة,وهناك روائح زاكية أخرى كثيرة ,أسوق منها أمثلة سريعة :رائحة عطورشانيل ,رائحة دخان سيكار كوبي أو سيكارة لكي سترايك , رائحة الوليد الجديد"طفل النفاس" الذي يعوض الله عن وجهه القبيح برائحة جسمه اللذيذة , رائحة شحمة خروف في طورالشواء على الفحم. كمايقول أبوفادي وديع الصافي بمطلع إحدى أغانيه :"كناصغار..." , أقول كنا صغار وكنا نأكل بالموصل وجبة إسمها سود وسمان التي هي قطع معلاق/كبدة الخروف (سود) وشحمه خروف (سمان) , وكان السيخ الشيش يتكون من ثلاث قطع سود بينهم قطعة سمان واحدة , ونلف اللقمة في خبزسوق السراي بعد أن نكون قد حشرنا الكرافس والبصل داخل اللفة , و حينما نشرع نلوك اللقمة ونتبع ذالك برشفات صغيرة متوالية من شربت الزبيب الذي بلونه يضاهي ,لابل يبز,لون ما موجود في أقبية بوغدو, كنا نحس بأننا أنتقلنا كمايحدث في قصص "الف ليلةوليلة" , من هذا العالم إلى عالم آخر بهيج جميل , و نحس أننا قد "تحولنا", كما في كتاب آوفيد "التحولات", من مخلوقات بشرية إلى كائنات أثيرية. مثاليا , فان أكلة السود وسمان تتكون من ثلاث قطع معلاق خروف وقطعة واحدة ليس من شحم خروف أنما "حليوايه", بالمصلاوي نقول : "حليوايي" , "وماهي الحليوايي؟"  إنها واحدة من عقد بيضاء يلفها الحجاب الحاجزالملتف حول الكبد المعلاق الاسود ,  ولكي تكتمل الأكلة في مثاليتها, يتم  تدثيرالسيخ  بقطعة حجاب حاجز لكي ينشوي بمعية قطع المعلاق الثلاث والحيلوايي.

حينماغادرت الموصل صباح 21/11/1995 تركت بعهدة أمي مكتبة تحتوي من جملة ما تحتوي على كتاب "الفيلسوف في المطبخ" لمؤلفه الفرنسي الذي كان طباخ البلاط لغاية عشية الثورة الفرنسية 1789,ومن ثم غادرباريس إلى موسكو. بين هذا المؤلف –الطباخ وبيني عدة أوجه متشابهة: فكلانا هاجر من مدينته, وكلانا ترك البلد بأوراق سفر مزودة ,وكلانا مفجوع بيوم 14تموزالأسود هوفي  1789وأنافي 1958,وكلانا "نحب بطننا". الكتاب هذا هوسفرلكل من يحب بطنه,وهومقسم ألى فصول ويقع في أكثرمن300صفحة من الحجم المتوسط من الكلمات التي تعلمتهاحين قرأته أول مرة وأنا أعمل ماجستيرأدب أنكليزي بجامعة ليدز,أنكلترا,سنة 1972وهي كلمة gourmet "كوغمي" التي تعني الاكول المتذوق جماليا للأكل ,و هناك كلمة أخرى قريبة اللفظ هي "كوغما" تعني الأكول الشره بشكل بشع. الفرنسيون أمة ذواقة في الأكل ,وكذلك العراقيون. مختصرالكلام أن المطابخ المتميزة هي حسب مسيرالشمس هي في ملتي وأعتقادي كمايلي: الصين , الهند , إيران , العراق , تركيا , سوريا , اليونان , إيطاليا , فرنسا. أما بقية آسيا وأوربا وكافة إفريقيا وكافة الأمريكيتين , فمطابخهم "حشو" بطن وليس ,"حب"بطن , كما في قائمة المطابخ موضوع غزلي الطعامي أعلاه.

تلكيف


تلكيف : تلكيف البلدة الواقعة حوالي عشرة كيلومترات شمال شرقي الموصل , وأنا أتذكرها, اتذكر ثلاث قصائد من عيون "الشعرالأنكليزي,فأتذكرقصيدة الشاعرالرومانتيكي شيلي "إلى قبرة" حيث يقول عن القبرة كلام ينطبق على شعوري تجاه تلكيف: "يسري في فؤادي إحساس سمائي " , وأتذكرقصيدة الشاعرأوليفر كولدسمث "القرية المهجورة" التي يتذكرعنها الشاعرصباه , وينطبق الكلام نفسه على تذكري صباي في تلكيف "أوبورن , ياأحلى قرية على السهول , يامحتدي وموطن صباي"  ,وكذلك أتذكرطيب الذكرشكسبير في إحدى سوناتاته وهويبكي الديارفيقول "هناك على الأيكة المهجورة غرد العندليب وشدا."   تلكيف ياأم العصافير,على إيقاع كلام شاعرنا الجواهري "ياأم البساتين". تشتهرتلكيف بالعصافيرالمشوية في سفافيد ويتم تناولها كمقبلات,أوبطريقة القلي على جبل من برغل تلكيف بمعية مواعين جانبية مساعدة من المقبلات المصاحبة وهي الطرشي والمخلات وبصل أخضر , ولكي تكتمل الطقوس مثاليا ,تكون طريقة الأكل بواسطة الأصابع.كما تشتهر تلكيف بأكلة الرزالأحمروعليه ضلوع غنم برزولة

مقلوبة في بريطانيا


بمطلع العام الدراسي 1964/1965 , باسل على حاتم وأنا تم قبولنا لدراسة اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة بغداد. التحق باسل  بمعهد اللغات العالي (كلية اللغات فيما بعد) والتحقت أنا بكلية الآداب. كنا بين فترة وأخرى نلتقي ونناقش أموراللغة والأدب, وكان هوميالا للغة وهكذا حصل على الدكتوراه في موضوع تحليل الخطاب من جامعة أكستر في 1982 وأناكنت ميالا للإدب وهكذا حوشت لي ماجستيرفي موضوع مسرح اللامعقول من جامعة ليدزسنة 1972 . بعد سنوات طوال التقينا في أكستر بجنوبي غرب انكلترة و دعاني الرجل إلى أكلة مسقعة بإذنجان مفعمة بلحم غنم منطقة ديفون جنوبي غرب أنكلترا مع رزالبسمتي الباكستاني. ومرالزمن وذهب باسل للعمل في جامعة هاريوت ووط في أدنبرة. بعد سنوات نزل باسل من أدنبرة ألى أكستر ليقضي ليلة رأس السنة.جاءني للبيت مساء وجلسنا حوالي ساعة وذهب للإيفاء ببعض الإلتزامات على أمل نلتقي أواخرالليل . خرجت أناومضيت وأحتفلت بالعام الجديد في محل إسمه تفاتي وبينما أنا أغادرالمحل حوالي الساعة3قبل الظهرإذا بباسل. "هل معك أحد؟"سألته,قال"لا"."ألست جوعانا؟",أجاب "بلى". سرنا إلى بيتي ودخلنا وجلسنا بالمطبخ. أثناء محادثة حميمة من القلب للقلب كنت أطبخ مقلوبة.بين تدخين ورشف وأحاديث مع باسل ,قمت بمايلي:(1)وضعت دجاجة وقطع من لحم غنم في القدرلغرض سلقهم,(2) قليت البادنجان,(3)سلقت الرزبالمعجون في قدرمنفصل,(4)قليت الدجاجة ولحم الغنم,(5)رصفت في أسفل القدرطبقة من بعض لحم الدجاج والغنم وبعض قطع البادنجان,(6) وضعت على هذه الطبقة طبقة من الرزالأحمر(7)أعقبتهابطبقة أخرى مما تبقى من لحم الدجاج والغنم والبادنجان(8)دثرت الجميع بطبقة مماتبقى من الرزالأحمر,ووضعت الغطاء على القدرووضعت القدرعلى نارهادئة. وأستمرينا باسل و انا في سمرناوسهرتنا. حينماأنتهت عملية الطبخ,فرشت صحيفة المنيوم على كامل مساحة مائدة الطعام. قلبت القدرعلى الألمنيوم. أمتدت محتويات القدرعلى مائدة الطعام . كان المشهد ككون يتكون لحظة الطقة الكبرى
إن وظيفة الأستاذ الجامعي هي مرموقة محترمة من طوكيو إلى سان فرانسيسكو عبرا بالشرق الأوسط,و بقيت مخلصا لها و ما ازال  ربع قرن في هذه المهنة وأناأقوم بتدريس  الأدب الانكليزي و العالمي ,لكني بقيت مخلصا لتخصصي الدقيق وهوالمسرحية الحديثة. كان من عادتي أن لا أكرر تدريس نفس النصوص,فكل عام أوفصل دراسي كنت أقررنصوص جديدة --- جديدة على الطلبة, و--- على أنا ,وهكذا تراني بعد ربع




قرن وأنا قمت بتدريس مادة المسرحية الحديثة من أبيها النرويجي أبسن وحتى حفيدها الإيرلندي بيكت,ومن المفارقات القدرية – والمفارقات القدرية هي من خردة محاضراتي على الطلبة – أن أبسن مات في نفس سنة ولادة بيكت – 1906يقول بوزو في مسرحية بيكت "في كودو":"أن دموع العالم هي بكمية ثابتة,فماأن يكف واحد عن البكاء حتى يبدأ ثاني." وإستنارة بهذه المقولة أقول أن الأعماربكمية ثابتة فما أن يولد واحد إلا وكان قبله قد مات.

الاستاذ يان كوت

يعجبني الاستاذ الحرك غير المتقوقع في برج عاج من الكتب والبحوث و الاوراق. حينما شد المخرج البريطاني الكبير بيتر بروك الرحال الى وارشو في بولندة للتعرف على الاستاذ يان كوت مؤلف كتاب "شكسبير معاصرنا"، لم يجد يان كوت بمكتبه بالجامعة. بعد ان استفسر عنه تبين انه في احد المراكز الحزبية ليفرج بكفالة عن طالب تفوه ببعض النقد الموجه للحزب و الدولة انذاك و كان ذلك في 1962

الاستاذ الجامعي

الاستاذ الجامعي عمل رصين مرموق لا يتمكن منه كل من هب و دب.جاء على حين من الدهر كنت استاذا جامعيا. بملتي واعتقادي و بضوء خبرتي، على الاستاذ الجامعي ان يكون ممثلا بارعا. فانا في محاضراتي كنت اتقمص حركات اجساد و تعابير وجوه و انفعالات و نبرات و تهدجات اصوات لورنس اوليفييه، ريتشارد برتن، مارلون ابراندو، رود ستايكر، و غيرهم من عمالقة الفن التمثيلي. و على الاستاذ الجامعي ان يسكب روحه في محاضراته، فاذا كنت محاضراتي اجد متنفسا لانفعالاتي و مكابداتي و انكساراتي الحياتية اسوة بالشخصيات التراجيدية التي كنت ادرسها على الطلبة، فكان يحصل لدي ما يسميه الناقد و الشاعر و الاديب المسرحي ت س اليوت بحالة "معادل موضوعي" بيني و بين هذه الشخصيات. وكذلك هذه حالة شبيهة بما حدث للاديب المسرحي تينيسي ويليامز الذي ابدع في تاليف روائع مسرحية جراء احزانه الشخصية، و كذلك كما حدث للاديب ريتشارد بوروز زعيم حركة البيتز الادبية الذي بعد مقتل زوجته على يده بحادث عارض تملكه شعور بانه كان لديه رغبة في اللاوعي لقتل زوجته، و هكذا على حد قوله، اخذ يكتب و يؤلف هربا من شبح هذا الشعور الذي كان يقض مضجعه. انا على سقطاتي و مباذل و سفاسفي و خزعبلاتي و شعوذاتي و كلاواتي، استطيع الادعاء باني وجدت لي كرسي استاذ جامعي في، حسب تعبير الشاعر الفكتوري العتيد الفريد لورد تينيسن، "قاعة عظمى" الاساتذة الجامعيين المرموقين الرصينين، و هكذا احس مثلهم، بحسب تعبير الشاعر توماس هاردي باني "سلطان كل ما يقع نظري عليه". فبعد احدى محاضراتي عن مسرحية "مكبث" لطيب الذكر شاكسبير، و كان موضوع المحاضرة مشهد قيام مكبث و احساسه بالاثم غداة قتله الملك، لحقتني طالبة و سألتني بصوت هامس: "هل سبق : و ان ارتكبت جريمة قتل؟" قلت لها: "لماذا تسألين؟" ردت: "في شرحك لانفعالات مكبث كان يبدو عليك انك تتحدث بصدق و واقعية عن خبرة شخصية حدثت لك." كان ذلك اعظم اطراء لي جعلني احس بعبقريتي كاستاذ جامعي.





هيو كينر استاذ جامعي مرموق بجامعة جورجيا. كتب عنه احد طلبته يتذكره:

هناك صورة واحدة لاستاذي هيو كينر تعود الي المرة تلو الاخرى حينما اتذكره. ههو جالس بمكتبه و هو غارق في التفكير و هو ياكل تفاحة. التقطت ذاكرتي هذه الصورة التي لن تنمحي، حينما مررت احد الايام من امام باب مكتبه. و انا مندهش لحد ما لماذا التصقت هذه الصورة في ذاكرتي، لكن من ناحية اخرى اتصور ان هناك ثمة امر له علاقة ببساطة و عفوية التفاحة التي هي بمثابة نقيض تام لسعة و رحابة و ثراء و تعقد افكار و معلومات الاستاذ الكبير. عرفت الاستاذ هيو كينر اول ما عرفته عن طريق كتابه "صموئيل بيكت" (1961) حينما كنت احضر اطروحتي الجامعية التي كان موضوعها رواية اللامعقول و التي فيها كنت احاول تطبيق اطروحات و افكار استاذ جامعي كبير اخر و هو مارتن ايسلن في كتابه الفذ "مسرح اللامعقول" (ايضا 1961).

كنت بوقتها اجابه صعوبة في فهم كاتب اسمه صموئيل بيكت، و هكذا تراني اتجهت لقراءة كتاب الاستاذ هيو كينر الذي يقول في مستهله انه الف هذا الكتاب ليس لشرح اعمال بيكت انما لمساعدة القارئ على التفكير بها."

بعد تخرجي من الجامعة، و قد اصبحت استاذا جامعيا بجامعة كاليفورنيا-لوس انجلس، ذهبت لزيارة استاذي القديم و الاول

هيو كينر بمكتبه بجامعة جورجيا و دارت المحادثة هكذا:

الطالب السابق: استاذي الجليل، انت ابن استاذ كبير في الرياضيات، ما جعلك تتخصص بالادب الحديث؟

كينر: وجدت علاقة وثيقة بين الرياضيات و كتابات صموئيل بيكت و هو احد اعمدة الادب الحديث. استطيع القول ان كتابات بيكت كانت تمهد لاختراع الكومبيوتر. حينما قرات جملة عند بيكت تقول: "ينبغي ان يكون هناك ثلاثة توزيعات اخرى للجوارب، و ان هذا التوزيع الذي استقر الراي عليه يمكن احالته الى العناصر و المسببات المتبعة لحد الان. يدركك الصمم و يتبعه البكم و انت في لجة عملية توزيع ثلاثة ازواج من الجوارب و قد تمزق معظمها و انت لما تطأ عتبة الدار" , "قلت يا الهي، يتوجب علي ان اذهب والتقيه." لم اكن اعرف بيكت سابقا سواء معرفة شخصية ام عن طريق مؤلفاته. في العطلة السنوية، شددت الرحال على شاكلة ابناء عصر النهضة في رحلتهم الكبرى من انكلترا الى اوروبا و التي احيانا تشمل القدس، و وصلت باريس لمقابلة صموئيل بيكت المقيم هناك بعد ان غادر مدينته دبلن بايرلندة. احتفى بي بيكت و كان مضيافا لطيف المعشر، وديع الكلام و بسيط الهندام. و طبعا لم اذكر أمامه كلمة "لا معقول" التي اقترنت باعماله الادبية، سيما اني لم اجد ما ينم عن جانب "لا معقول" في الرجل، فلقد كان منطقيا في افكاره و حلوا في محادثته. آخر مرة التقيت ببيكت كانت قبل وفاته ببضعة اشهر في 1989 و كنا على اتصال دائم وثيق طوال حياته، و اني مندهش بظهور ثلاث سير حياة عن بيكت و لا توجد اشارة واحدة الى في اي منها.

الطالب السابق: عماذا تحدثتما؟

كينر: عن امور عديدة، من حرب الجزائر، مرورا باضرابات الطلبة في فرنسا، ظاهرة جيفارا، و انتهاء بالحديث عن الدراجة الهوائية التي يملكها وات بطل رواية بيكت التي تحمل الاسم نفسه، و عرجنا على مسرحيته "لعبة النهاية" و بالذات عن صندوقي القمامة في المسرحية اللذين اصبحا من الرموز الملازمة لاعمال بيكت الادبية، مثل ساحرات مكبث و شبح هاملت و منديل عطيل لدى شكسبير. في لجة حديثي الحميم مع بيكت ولجت عالما بعيدا جدا عن عالمنا الارضي، لدرجة حين غادرت منزله فقدت سبيلي للخروج الى الشارع فقد اتجهت الى البوابة الخلفية للمنزل، و كانما هي اشارة قدرية – ماذا ارى هناك في الممشى الخلفي للمنزل؟ --صندوق قمامة منزل بيكت، و دراجة هوائية عاطلة تعثرت بها وانا اعود ادراجي متلمسا الطريق الى الشارع العام.
*                                    *                                              *
في اواخر الاربيعينات كان هيو كينز طالبا بجامعة تورونتو الكندية بعد اطروحته عن روايات جيمز جويس، لكنه حين سمع بقصائد عزرا باوند، تحول فورا من الروائي الايرلندي الى الشاعر الامريكي. كان باوند بتلك الفترة رهن الاعتقال في مصحة القديسة اليزابث للمجرمين المرضى عقليا بواشنطن العاصمة. ابان سني الحرب العالمية الثانية كان عزرا باوند يذيع من راديو روما البيانات المناوئة لبلده امريكا و للحلفاء، و كان قد اعتنق الفاشية و اصبح صديقا مقربا للزعيم الايطالي الفاشي موصليني، و كثيرا ما كانا يتناولان العشاء سوية على انغام الموسيقار الايطالي فيفالدي صاحب "الفصول الاربعة". و هكذا عندما سقطت روما و تم اعدام موصيليني، اصبح باوند في موقف رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد غداة سقوط بغداد في 14 تموز/يوليو 1958، و هو ينشد مسلكا للنجاة، و مثل نوري السعيد الذي لجأ عند بيت جماعة من اصدقائه طلبا للعون، توجه باوند الى بيت عائلة من اصدقائه الذين زودوه بمعطف و حذاء خشن و بضع بيضات مسلوقات في زمن كانت البيضة تسوي وزنها ذهبا. سار باوند باتجاه الحدود شمالا و قطع عدة ايام في السير و التخفي حتى ان اصابه الملل فذهب و اعلن عن هويته الى جندي امريكي مرابط في ايطاليا، و لم يعرف هذا الجندي ان المتحدث اليه هو الشخص الذي قد قال عنه الناقد الشهير ت س اليوت: "ان كان هناك اية عظمة في الشعر الانكليزي الحديث فالفضل يعود للسيد عزرا باوند". علاوة على ذلك كان اليوت ينظر الى باوند كاستاذه، و اليوت اهدى قصيدته العصماء "الارض الخراب" بهذه الكلمات " الى عزرا باوند، الاسطى الاعظم."



اساتذة و نقاد ادب

اقتباسا من نجيب محفوظ "ثرثرة على النيل" و من شاعر عصر النهضة ادموند سبنسر في قصيدته "اجري على مهلك يا نهر التيمز العزيز ريثما اكتب قصيدتي"، أقول انه في دردشة  جرت على ضفاف الخليج في الدوحة الوديعة ظهر الجمعة الماضية مع الدكتور حسام الخطيب و الدكتور فائز الكيلاني و الاستاذ عامر العظم و الاستاذة راوية سامي ، جاء ذكر ثلاثة اساتذة ادب و نقاد  كبار، ارى من الضروري هنا ان اتوسع في ايضاح هويتهم. فالاول هو ريني ويلك النمساوي الولادة و الذي مارس التدريس في ابرز الجامعات في الولايات المتحدة، صاحب الكتاب الشهير "نظرية الادب" الذي ترجمه للعربية الدكتور حسام الخطيب. الثاني هو كلبانث بروكس صاحب كتاب "الاناء جيد الصانع" , و هو الناقد الجمالي المعروف الذي شكل مع الن تيت مجموعة "الآبقون" و هم فئة من النقاد الذين آمنوا بان الحضارة التي اتت بعد سنة 1900 هي نقمة على الانسان والمجتمع البشري و لهذا مارسوا نمطا حياتيا قريب من حياة المجتمع الزراعي و بعيد عن المجتمع الصناعي. و الاستاذ الثالث هو جبرا ابراهيم جبرا من مواليد القدس و الذي عاش منذ 1948 و لحد وفاته في 1995 في بغداد و كان متزوجا من العراقية لمعان جعفر العسكري التي كانت طالبة ادب انكليزي بكلية الادايب بجامعة بغداد ابان الخمسينات. و كان جبرا و بمعية الروائي الانكليزي دزموند ستيوارت هو الذي اسس في سنة 1950قسم اللغة الانكليزية بكلية الاداب التي تأسست في سنة 1949، و لعب جبرا دورا كبيرا في تقريب بدر شاكر السياب وبولند الحيدري الى الشعر الانكليزي الحديث و ذلك بانه كان يسمع السياب و الحيدري اسطوانات يقرا فيها الشعراء الانكليز قصائدهم بنفسهم و كان من جملتهم ت س اليوت، ديلان توماس و ايدث ستويل و غيرهم

البروفيسور عبد الوهاب الوكيل


الاستاذ عبد الوهاب الوكيل (1928-1995) هو اول من ارضعني حليب الادب الانكليزي من ثدي بقرة الادب الانكليزي، و كان ذلك في تشرين الاول/اكتوبر 1964 حينما التحقت بجامعة بغداد. و هو حسب الحكمة الصينية "العمق يبدأ من اول خطوة"، بدأ معنا نحن معشر الطلبة الادب الانكليزي منذ تدريسه لنا اول عمل ادبي انكليزي معروف الا و هو قصيدة "بيوولف" مجهولة المؤلف و التي يعود تاريخها الى القرن السابع الميلادي اي بحوالي مائتي سنة بعد الشعر العربي الجاهلي. كان من عادة الاستاذ الوكيل في التدريس توخي الايجاز و التركيز و تجنب الاطناب و الاسهاب، فما كان ينجزه استاذ اخر في ساعة محاضرة او اكثر كان الوكيل ينجزه بدقائق، فهو مثل بيكاسو ينجز لوحة فنية توضع في المتاحف ببضع ضربات بالفرشاة.

و حين كان يدلي الوكيل برأي في الادب او في كتاب ادبي كان يقول ذلك بكلمات معدودات كنت احس بفعلها ان هناك ثمة منطقة في مخي قد تفتقت جراء وصول فكرة جديدة رائعة في مجال الادب الانكليزي.

65

الدكتور فخري قسطندي


الدكتور فخري قسطندي درسنا عنده مادة المسرحية الحديثة بجامعة بغداد في السنةالنهائية 1967/1968، و الفضل الكبر يعود له في تعريفنا على المسرحية العالمية الحديثة، و انا بسببه تخصصت بموضوع المسرحية الحديثة. فالدكتور قسطندي هو الذي افهمنا و حبب الينا مسرحيات ابسن النثرية التي كانت بديلا للشعر في كلامه الموزون المقفى، فبعد ان غمر لا بل اغرق مد الشعر روح الانسان توجه ابسن الى الحوار النثري و قطر منه اروع الشعر. و حبب قسطندي لدينا الاديب المسرحي الرقيق العذب جيخوف الذي اوضح لنا القسطندي كيف يعمل الشعر عمله الخفي في البنية التحتية للحوار عند جيخوف، و تعلمنا الفرق بين "الشعر في المسرح" كما عند شكسبير حيث الشعر واضح بطناته و رناته و "شعر المسرح" حيث الشعر كامن في التحسس الشعري الذي يثيره النثر الذي يبدو على السطح بانه عادي بينما في الداخل يحمل طاقة كامنة كما اليورانيوم المخصب –مع الاعتذار لمحمد البرادعي

تلكيف ام الدنيا


في مقال رائع يقول الأديب الأنكليزي توماس دي كوينسي واصفا مدينة دمشق: "دمشق – أم الدنيا....," وهو في مقالته المكتوبة باللغة الانكليزية يستخدم التعبير العربي باحرف انكليزية
Damascus---Omm-ul-dunya
  كذلك أنا أصف تلكيف وأقول:" تلكيف , تلكيف, يا أم الدنيا",  و الذين لا يعرفون تلكيف أقول إنها بلدة حولي 10 كيلومترات شمال شرق الموصل بشمال العراق , تشتهر بصنع الطحينة والبرغل وكبة البرغل الرقيقة المدورة المشهورة بكبة موصل , و كذلك تشتهر بالعصافير المشوية. إسمها بالعربية يعني تل الكيف اي الترفيه مثل كلمة "كيف" الواردة في مصطلح " حشيشة الكيف" . أصل إسم تلكيف هو تلكيبه بمعنى تل الحجارة, ولكن لقرب كلمة كيبه (حجارة باللغة السريانية المنحدرة عن الآرامية التي تحدث بها سيدنا إبراهيم و سيدنا عيسى) من كلمة كيف و لاقتران المنطقة بكونها محلا للترفيه , أطلق عليها أهل الموصل العرب تسمية تلكيف أي تل الكيف. ومن تلكيف في الخمسينات كنت أرسل الرسائل إلى ممثلي السينما في هوليوود وأستلم منهم صورهم الموقعة. أنا من الموصل , لكن والدي كان موظفا حكوميا كثيرالتنقل في الريف العراقي. في تلكيف حيث كان والدي مشتركا بجريدة "الزمان" البغدادية اليومية لصاحبها و محررها توفيق السمعاني التلكيفي الاصل والتي كانت تصل بالبريد ,  كنت أجمع إعلانات الأفلام المعروضة  بدور السينما في بغداد والمنشورة بجريدة "الزمان"  ,, وهكذا نشأ حبي للسينما ,وتبلور هذا الحب إلى حب للمسرح والأدب الإنكليزي , وهذا ماتراني عليه اليوم وأنا في السادسة والستين وانا أشاهد أفلام الخمسينات على الديفيدي. حينما أجلس الآن لمشاهدة أحد هذه الأفلام, لا أتمتع به كما أنا الآن بعمر 66 إنما أراه من منظور و أنا عمري أيام تلكيف في فترة صباي

المخرج بيلي وايلدر


المخرج السينمائي بيلي وايلدر

المخرج الهوليوودي النمساوي الاصل بيلي وايلدر الذي مات قبل اربع سنوات، يعرف مكامن الجحيم في الحياة اليومية، و بينما رحل دانتي في قصيدته العصماء "الكوميديا المقدسة" الى الجحيم و جاب في جنباته، بيلي وايدلر يقدم لنا في افلامه رحلات في جحيم الحياة اليومية في عالمنا الارضي الحالي. ففي فيلمه "الضمان الاكيد" يقدم لنا هشاشة الاسس التي يبنى عليها الناس سعادتهم، فالفلم هو عن عشيق و عشيقة يقومان بقتل زوج العشيقة و من ثم الحصول على ممتلكاته و التنعم بحياة رغد و سعد لحين انكشاف الجريمة على يد احد اصدقاء العشيق. في فيلم "معتقل 17" يبين لنا وايلدر هشاشة الصداقات الشللية و عدم ائتمان اقرب الناس. في فيلم "عطلة نهاية الاسبوع الضائعة" يقدم لنا وايلدر الجحيم بصورة زجاجة ويسكي تدمر حياة كاتب مثقف يعرف الادب الانكليزي في عصوره المختلفة. في فيلم "حكة السنوات السبع"، احد الازواج تسافر اسرته المتكونة من الزوجة و طفل بعمر عشر سنوات الى المصيف بينما يبقى الزوج لانه سوف يعمل في الصيف لجني بعض الاموال الاضافية التي تحتاجها الاسرة. تغادر الزوجة و الطفل بعد ان يكون قد اعطى الزوج العهد بانه لن يشرب و لن يدخن وانه سيحافظ على وفاء الحياة الزوجية. قبل انقضاء ربع ساعة على بدا الفيلم، يكون الزوج قد دخن و شرب و اقام علاقة لا شرعية مع بنت الجيران. اي انه يكون قد سقط من جنة الحياة التي امر بها الله الى جحيم الحياة التي هي من عمل الشيطان.

في فيلم "الشقة" يقدم لنا وايلدر الجحيم في صور حيوات فئة من الناس من اهالي نيويورك، في حياتهم اليومية في العمل، في المنزل، في الشارع. حينما مات بيلي وايلدر صرح الممثل توني كيرتس الذي مثل عنده فيلم "البعض يحبها ساخنة" قائلا: "لم ينخدع بشيء."ْء"


السبت، 10 يوليو 2010

افلام تلك الايام

 بفضل المخترعات الحديثة استجمعت معظم افلام الخمسينات التي هي المفضلة لدي من دون كافة الافلام , و الآن في جعبتي معظم افلام سينمات الموصل و بغداد من تلك الفترة . بكلام آخر بعدما ازال الزمن  مباني سينمات اصبح بمقدوري ان اشغل من الكمبيوتر الفلم عبر العارضة على الحائط كما في دور السينما و تطلع عندي الصورة بمساحة مترين و نصف في مترين و ربع وهذا ما يشدني اكثر الى اجواء مشاهدة الافلام في حينما عرضت في سينمات الموصل في سنوات العصر الذهبي في الخمسينات , و خاصة حينما اعرض الافلام في النهار حيث تتسلل بعض اشعة الشمس على الحائط عندي تذكرني بشعاع الشمس الذي كان يسقط على الشاشة في سينما الحدباء , ففي سينما الحدباء كانت يتسلل شعاع الشمس عبر الفتحات الجانبية للنافذتين الهائلتين في جهتي الصالة , و في سينما الحمراء/كامل كانت هنالك ثقوب صغيرة للتهوية في السقف المصنوع من الكونتبلاك او من خشب الفايبر تحت سقف الجملون المصنوع من التوتيا و عند انتصاف الظهيرة و تعامد الشمس تحصل حالة تسلل بعض من اشعة الشمس على الشاشة التي تستغرق دقائق تزول مع انحدار الشمس غربا. ان عروض الافلام على الحائط عندي تجعلني اعيش كما كنت قبل خمسين سنة تلك الفترة فترة صباي حينما كان العراق في خير عميم و امان و استقرار وافلام لا يجود علينا الزمن بمثلها , فترة المطاعم : مطعم الممتاز , مطعم النهرين , مطعم المركزي , مطعم السعدون , والاكلات في البيت من رز و انواع المرق من فاصوليا بيضاء و بطاطة في الشتاء و باميا و بادنجان و قرعية في الصيف
ما أجمل وصفك يا عزيزي صديق لأفلام الخمسينيات عشت وعاش ذوقك المرهف

ازهر العبيدي

الخميس، 8 يوليو 2010





هههه شعر لطيف لكن اخير كلمة....؟!يني لا يوجد لها بديل مثلا (مكتئب),(ملتهب) او (منتحب)...انت اديب رائع اذا لم تستطع كتابة الشعر بالعربي اكتبه بالانكليزي او اكتب قصة فقد تكون فلما في يوم من الايام....

الثلاثاء، 6 يوليو 2010

شعر

في نظم الشعر انا صفر على الشمال , لكن احيانا تحت وطأة الظروف تجود قريحتي ببعض الشعر كما هنا:

انت الحليب في قهوتي
انت الحبيب في مهجتي

من حبي له
سأكتفه و القيه
في جب قلبي

ان لم يحبني و لو بالكذب
سأعوي من ألمي مثل كلب

عراقيون اينما حلوا

في مشادة حادة جرت في الكنيست الاسرائيلي مؤخرا بين بنيامن اليعازر وزير التجارة و ايهودا باراك وزير الدفاع , انبرى اليعازر مخاطبا باراك بلهجة تهديد: "انا اصلي عراقي و سوف ترى كيف سأشويك على الجمر"ءءء

الاثنين، 5 يوليو 2010

صديق بكر توفيق












مدخل إلى كتابة السيرة

و



لمحات عن شخصيات شهيرة





















الطبعة الأولى

2010


الطبعة الأولى

حقوق الطبع محفوظة

2010

صديق بكر توفيق


أستاذ الأدب الانكليزي المساعد بالجامعة المستنصرية . من مواليد الموصل العراق سنة 1944 . حصل على البكالوريوس من جامعة بغداد وأكمل دراساته العليا في ليدز واكستر وحصل على الماجستير بالأدب الانكليزي من جامعة ليدز . قام بتدريس الأدب الانكليزي في جامعات الموصل ، المستنصرية ، بغداد ، الفاتح ، وآل البيت ، ومركز اللغات الحديثة في ليدز . أشرف على دراسات طلبة الماجستير والدكتوراه في أكاديمية الفنون الجميلة ، بغداد ودرّس في كلية بابل للفلسفة واللاهوت . عضو جمعية المترجمين العالميين ، نادي الأدباء العراقيين ، جمعية أساتذة اللغة الانكليزية وآدابها والترجمة في الجامعات العربية وجمعية المترجمين العرب الدولية (واتا) . مراسل أرشيف بيكت التابع لمؤسسة بيكت الدولية بجامعة ريدنك بانكلترة . يعمل حاليا بوظيفة مترجم في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الدوحة ، دولة قطر . متخصص بالمسرحية العالمية الحديثة وقام بترجمة العديد من مسرحيات جيخوف ، سترندبرك ، بيكت ، برناردشو والعديد من المقالات عن عزرا باوند ، الماركيز دي ساد ، جارلز مانسن ، راسبوتين ، ايليا كازان ، مارلين مونرو وآخرين . صدرت له مؤخرا ترجمة مسرحية تينيسي وليامز فجأة في الصيف الماضي وترجمته لكتاب ايريك بنتلي برتولت بريخت : دليل دراسي ، وهو بصدد تأليف كتاب شرب الشاي في شارع حلب : كتابات سيرة ذاتية . مهتم بأدب السيرة والمذكرات واليوميات والمقابلات والرسائل الشخصية ، وله مراسلات مع الناقد المسرحي أيريك بنتلي والناقدة المسرحية روبي كون المتخصصة الثقة في مسرحيات صموئيل بيكت ، والمخرجة العالمية الرائدة جوآن اكاليتيز ، كما صادق الناقد الشكسبيري الكبير ج. ولسن نايت (1897 – 1985) في فترة مطلع الثمانينات . يهتم صديق توفيق بشكل خاص بأفلام هوليوود في الخمسينات . العنوان الإلكتروني sbtawfeek@yahoo.com




المقدمة

أولا. مدخل إلى كتابة السيرة الذاتية

: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، وإن لم يستطع فبلسانه ، وإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ""  .

في الحياة ، في الأدب ، كل ما يقوم به المرء أو الشخص في العمل الأدبي هو أحد أو أثنين أو ثلاثة ( لا يوجد احتمال رابع ) من هذه الأمور ، وحينما قال أرسطو طاليس في دراسته الدراما في كتابه صناعة الشعر يُعرِّف الفعل الدرامي كما يلي : " هو محاكاة لفعل ... " ولم يذكر أرسطو طاليس حيثيات الفعل الدرامي نفهم وبإمكاننا أن نستنتج أن الفعل عند أرسطو طاليس لا يعني بالضرورة الفعل بالمفهوم البدني وحسب إنما يمتد ذلك ليشمل الفعل بالمفهوم الكلامي وكذلك الفعل بالمفهوم النفسي ، وما قاله الرسول بإيجاز وإيضاح ودلالة ، تجشم أرسطو طاليس عناء قوله في كتاب كامل ، وان أرسطو طاليس على الرغم من تمخضه العسير يحتاج إلى الإطناب في الإيضاح كي نفهم كلامه .

الأدب هو محاكاة للحياة لكن الأدب انتقائي في أحداثه وشخوصه ففي الحياة تحدث أمور كثيرة ولكل إنسان تحدث أمور كثيرة ، لكن القليل هو ما يصلح مادة أدبية أو مادة تستأهل التسجيل على الورق . احد الأيام طلبت إحدى دور النشر في بوسطن إلى الروائي هنري جيمز إن يكتب سيرة حياة زميله وصديقه جيمز رسل لويل ، لكن هنري جيمز رفض المشروع قائلا : " أن عاش المرء حياة هادئة لكنه امتلك عقلا عظيما إذن بالإمكان الكتابة عنه ، وكذلك لو أن المرء كان عنده فكر قليل لكن عنده مغامرات عظيمة ، لكن حينما يفتقر للاثنين : لا مغامرات ولا تاريخ فكري أو روحي أو أي نوع من تاريخ داخلي ، إذن كتابة سيرة حياة هكذا شخص يبات أمرا صعبا ".

قال الرسول كذلك : " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ". لست بصدد تمحيص هذا الحديث الشريف والتغلغل إلى تفسيره ومراميه ، لكني – وهذا المهم بالأمر – أقول بأننا في المجتمع العربي الإسلامي فهمنا الحديث وطبقناه في حياتنا على أساس أن لا نحدَّث أحد أو نبوح لأحد بمشاكلنا دع عنك أسرارنا ، وان المفضوح منا يقع ضحيتنا ويصبح هدف اضطهادنا ، مهما كان ذلك الشخص من أمين وصريح وصادق ، مثل قصة الواعظ في إحدى الحدوتات الشعبية ، حينما صدرت عنه فرقعة لم ينساها الناس حتى بعد خمسين سنة .

على أساس فهمنا لهذا الحديث ضَمُر عندنا أدب السيرة الذاتية وكذلك السيرة ، عدا حينما تكون السيرة تعبّر عن الجوانب الناصعة لبطل الموضوع بأن نمرر الموضوع على عدة مصفيات والنتيجة ماء مقطر لا طعم له ، ولكنا نستطيع أن نكتب سيرة حياة أو نترجم عن اللغات الأجنبية لأناس أجانب إذ لا تضيرنا سير حياتهم مهما كانت مفضوحة ولا نستطيع أن نطالهم ، ولكنها على الأكثر صريحة وأمثلة نوال السعداوي وغادة السمان مفيدة بهذا النقاش . ولا بد هنا من تثبيت الإعجاب بسهيل إدريس الذي في سيرته الذاتية ذكر بصراحة منقطعة النضير مثلية والده .

إذن إذا أراد الواحد منا أن يفتح – حسب تعبير جورج أورويل – خزانه الأسرة وأخرج للملأ أسراره إذن لرُجم وأول راجميه – كما يقول المسيح – آل بيته . سنة 1971 نشر الكاتب الموصلي عمر الطالب مجموعة قصصية بعنوان ضباب الأيام فيها بعض الأمور المكشوفة ليس عن حياته الشخصية أو أسرته إنما عن المجتمع العربي والموصلي بالذات . أثارت المجموعة ضجة وفي حينها وعمر وأنا في الحافلة من باب الطوب بمدينة الموصل إلى الجامعة أخبرني عمر بأنه نتيجة نشره هذا الكتاب قررت عشيرته البراءة منه ، وآل الطالب كما معروف عائلة كبيرة بالموصل وعمر الطالب أستاذ الأدب العربي الحديث أشهر من نار على علم في العراق .

وفي مقابلة تلفزيونية على قناة إن بي سي الذائعة الصيت في الولايات المتحدة الأمريكية ، سأل مقدم البرنامج تنيسي وليامز : " هل أنت حقا مِثليُّ ؟ " ، أجاب وليامز : " أنا لا أتستر على هذه الحقيقة " ، وبعدها كتب احد النقاد معلقاً على كلام وليامز: " إن وليامز بصراحته أثار إعجاب الأمة الأمريكية من الساحل إلى الساحل".

جرت مقابلة وليامز أعلاه في نهاية الستينات ، حيث أصبح البوح بالإسرار الشخصية من الأمور التي أخذت تدريجيا تصبح سمة من سمات المجتمع الغربي ، إذ قبل وليامز كان الروائي أي أم فورستر قد كتب مجموعتي قصص موريس والحياة القادمة ، وكان قد قفل عليهما وذكر في وصيته أن لا تفتحان ولا تنشران إلاّ بعد وفاته ، وهذا ما حدث فعلا بعدما مات فورستر سنة 1971 وكان الكتابان اعترافات صريحة بالمثلية التي مارسها فورستر منذ أيام المدرسة الداخلية وعمره 8 سنين وعبر حياته التي امتدت لأكثر من 90 سنة .

وفي القرن التاسع عشر ، كذلك استعان أدباء الغرب على قضاء حوائجهم بالكتمان ، وهكذا عبّروا عن مكنوناتهم وأسرارهم بشكل تمويهي تلميحي وكان من أبرزهم أوسكار وايلد الذي عبر عن مكنونات روحه المثلية يجعل سالومي بطلة مسرحيته بنفس الاسم تتحدث إلى رأس يوحنا المعمدان المقطوع بأجمل الغزل الذي يمكن أن يوجه إلى رجل ، وهنا كان أوسكار وايلد يعبر عن هذا الغزل المثلي لكنه اتخذ من سالومي قناعا لمكنوناته ودواخله .

وحتى أنت يا شكسبير! في مسرحيته عطيل يعبر شاعر انكلترا الأكبر عن ميوله وممارسته المثلية حين يجعل أياكو يتحدث إلى عطيل كيف انه كان نائما في نفس الغرفة مع كاسيو الذي على أساس هو عشيق ديدمونة زوجة عطيل ويصف أياكو المشهد بكل حماس وشغف فيقول : " إن كاسيو في نومه ومن دون وعي منه مَسَكني في جسمي وهو يمرر يده على جسمي ويتكلم بشبق على أساس إني ديدمونة ". إن شكسبير كما وايلد أراد أن جعل من أياكو قناعا لمثليته . والقائمة طويلة تصل حتى أفلاطون نفسه صاحب المثالية والجمال وفي الأساطير الإغريقية وجود للمثلية الذكورية والأنثوية وحتى بين الآلهة .

ثانيا. محاولات في تأليف سيرة ذاتية

سأم السومري وجوده فأخذ يلعب بالطين وبعد خربشات على ألواح الطين التي صنعها دفعاً للملل اكتشف لعبة مسلية هي الكتابة وتبعتها القراءة ، ومنذ ذلك الحين وعبر الأجيال ولحد الآن ما تزال لعبة السومري تحاول تطويق الأشياء وتعمل على مصالحة الإنسان المصدوم مع قدره . قبل عشر سنوات وقعت على رأسي مصيبة قالوا عني كما الناس عن زوربا " إنه سيجن " ، لكني تخطيتها بروح نيجوية – دستوييفسكية بأن كان في روحي جلجلة ضحكة نيجة وإصرار دستوييفسكي ، وفي الأخير قالوا عني " أنقذه الأدب". نعم مثلما هناك علاج بالأدوية وعلاج بالجراحة وعلاج بالكهرباء هناك علاج بالأدب ، انظر إلى الماركيز دي ساد كيف أنقذته الكتابة وهو في السجن 28 سنة وكان يكتب ويحس بالتواصل واستطاع تطويق الأشياء وهو لم يتصالح مع قدره بل إنما تحداه وهو يقول : " خذوا مني كل شيء : أموالي ، حريتي ، حياتي لكن لا تأخذوا مني أفكاري". وفيما يلي بعض مما ورد في إحدى رسائله إلى زوجته : " تقولين إن طريقة أفكاري لا تعجبك ، أتعتقدين إني اكترث ؟ فقط البلهاء هم الذين يفكرون كما يحلو للآخرين . إن طريقة تفكيري التي تعيبينني عليها هي سلوتي الوحيدة وهي التي تخفف عني عذاب السجن ، وهي التي تعوضني عن مباهج العالم خارج السجن ، وهي بالتالي اعز علي من الحياة نفسها . تخبريني أن المسؤولين على استعداد لإطلاق سراحي من السجن شريطة أن أتبرأ من مبادئي ، إذن والحالة هذه دعينا أنت وأنا نودع بعضنا البعض وداعا أبديا لأني بدلا من أن أتنازل عن مبادئي فإني على استعداد أن أضحى بألف حرية وألف حياة لو كانوا عندي . هذه المبادئ وهذه الميول في الذوق والسلوك أنا أتمسك بها اشد التمسك وكلما أمعن أعدائي في عقابي عليها كلما ازددت إصرارا عليها وتمسكا بها واني أعلن هاهنا أن لا داعي لان يحدثني احد عن الحرية أن كان ثمنها طريقة تفكيري". وبسبب حريته في التعبير مُنع دي ساد من الكتابة وحُرم منها ، فأخذ يكتب على شراشف سريره وحينما اكتشفوه اخذ يكتب على جسده وحين اكتشفوه اخذ يكتب على الحائط بالفضلات .

يعجبني الذين لديهم روح قط : 9 أرواح كلما ماتت واحدة انبعثت أخرى . بالنسبة للأديب المسرحي يوجين أونيل إن عظمة الإنسان هي في تراجيديته وان روعة الحياة هي في كونها ترفد الإنسان بالتراجيديا ، ولولا التراجيديا لما كان للحياة البشرية طعم : التراجيديا هي ملح الحياة التي من دونها لأصبحت الحياة من دون طعم . لا يصنع الأبطال والعظماء من النوم على وسائد الريش وأكل لحمة قوزي دوش وكوكا كولا مثلجة من الزجاجة ، إنما يصنعهم النعل المهبودة على رؤوسهم . قال القديس لورنس للقائمين على حرقه : " يا إخوان قلبوني إذ إني انشويت جيدا على هذا الجانب". وجدت في الكلمات تطويق للوجود وان في روحي ( ولو بجسدي لست كذلك ) قوة تطوق الحياة كما في لوحة وليم بليك " الملاك ميخائيل يطوق إبليس" واني أؤمن بالفاعلية العلاجية للأدب ليس للمصالحة مع القدر لأني أنا لا أريدها لكن لمواجهته . في الحديث عن الأدب العراقي القديم أود الإشارة إلى عزرا الذي لعب دورا مباشرا أو غير مباشر ، عن عمد أو عن غير عمد في التعتيم على الأدب العراقي القديم ، أضيف قائلا هنا انه بعد أن سمح الإمبراطور الاخميني كورش بعودة العبرانيين إلى فلسطين عاد القليل منهم ومن جملتهم عزرا الذي عاد من اجل تدوين الأدبيات العبرانية ثم ما لبث بعد أن تم ذلك أن عاد إلى منطقته ميسان ليموت ويدفن في قرية العزير ولعل اسمها مشتق من اسمه عزير : عزرا أو بالعكس ، كانت عاصمة المندائيين (الصابئة) هي ميسانو اسمها من لغتهم : مي بمعنى ماء وشان (التي بسبب عوامل التعرية اللغوية أصبحت سان ) بمعنى القصى والبعد لعله بسبب وجودها في منطقة نائية بالجنوب .

تقول إحدى الشخصيات في مسرحية شكسبير ترويلوس وكرسيدا وهي تصف كرسيدا : " انظر انظر : إن عينيها تتحدثان ، وجهها يتحدث حتى قدمها تتحدث "، واني أقول واصفا حضارات العراق : " انظر انظر : في مدينة العمارة حضارة ، في الناصرية حضارة ، في الحلة حضارة ، في الموصل حضارة " . في مدينة العمارة اخترع النبي إدريس الألف باء ومن ثم ظهر أول معجم لغوي في العالم هناك ؛ في الناصرية هناك سومر وأور وأكد وشريعة حمورابي أول نص قانوني في العالم ؛ في الحلة هناك جنائن بابل المعلقة ، وبالموصل مخطوطة ملحمة كلكامش كما وصلتنا ، علاوة على إنشاء أول مكتبة بالعالم كان العراقي يستعير منها الألواح الطينية لمطالعتها ، وكذلك النهضة العلمية في الفلك والرياضيات والطب والهندسة ، والأساطير العراقية أثرت تأثيرا مباشرا وعميقا بالتلمود والتوراة والإنجيل وفي الأساطير الإغريقية كذلك .

في الحقيقة أنا شبعت من التجوال والطواف والزيارات والخروج ولقد أصبحت شخصية بيتية وأنا سعيد بذلك وماعدا خروجي للعمل فأنا لا أخرج من البيت إلا لقضاء الشغلات الضرورية التي تتطلب حضوري وان هذا الاعتكاف اللذيذ الحلو يفسح لي المجال لمراجعة تاريخي الشخصي ومسيرة حياتي وأنا الآن في هذا الموقع استطيع أن احكم على الأشياء وأقّيمها بشكل هادئ موضوعي دقيق ، فعندما يكون المرء في خضم الإحداث ومعترك الحياة تكون أحكامه شخصية ذاتية مثل المدرسة التعبيرية أما حين ينسلخ عن الإحداث فهو يرى الأمور بشكل موضوعي مثل المدرسة الطبيعية ، ومن أسرار عظمة وخلد شكسبير أنه كان موضوعيا فيزياويا لا يتفاعل كيمياويا مع الأحداث والأشخاص بينما الشعراء الرومنتيكيين والمحدثين محدودي ومؤقتي العظمة مقارنة بشكسبير لأنهم يحكمون على الأمور بشكل ذاتي شخصي ويتفاعلون معها بشكل كيمياوي . وهكذا تراني قد تحولت من عيش الحياة كيمياويا إلى عيشها فيزياويا ، ومن الحقائق العلمية التي درسناها في الثانوية هي أن الفرق بين الكيمياء والفيزياء أن في الكيمياء تنصهر العناصر مع بعضها بشكل يستحيل إعادتها إلى حالتها قبل التفاعل ، بينما الفيزياء هي مزيج العناصر بشكل يمكن إعادتها إلى حالتها قبل المزج ، وبما انه لا توجد حقيقة مطلقة ثابتة فعليه تكون الفيزياء أفضل من الكيمياء . لا يعني هذا التذبذب في المواقف إنما يعني التأقلم والتكيف والتطور والتفتح وان من خلته عدو مبين إذ هو صديق حميم ، وكما يقول ايسايا برلين فيلسوف وأستاذ بجامعة أكسفورد " العظمة هي المقدرة على تحويل التناقض إلى انسجام ". وهاهنا هذا المثل التطبيقي ، بمسرحية ت.س. اليوت جريمة قتل في الكاتدرائية : يقوم ثلاثة من فرسان الملك هنري الثاني بقتل توماس بيكت كبير الرهبان فيأخذ الرهبان بالبكاء و النحيب إلاّ أن احدهم يطلع عليهم بتخريجة تقلب حزنهم إلى فرح إذ يقول لهم : " كفوا عن النحيب والحزن إذ بمقتل بيكت أهدانا الله قديسا جديدا ".

لو بقى آدم وحواء في الجنة ولم يسقطا منها لما تمتعا بحقيقة كونهما في الجنة لكن سقوطهما إلى الأرض هو الذي جعلهما يدركان معنى الجنة ، فهما كانا مثل المرتوي لا يحس بقيمة الماء أو مثل الشبعان لا يعرف لذة الأكل أو مثل النائم لا يعي بلذة الراحة . إذن غلطة وطرد آدم من الجنة إنما هي مسألة أن لم تكن قد حدثت لابد وان نفعلها ، أترى إلى أي درجة من التناغم يمكن أن نوجد ! واطمح أن أصل درجة التناغم لدى الفيلسوف الألماني نيتجه ( المولود قبلي بـ 99 سنة و 11 شهر في 15/10/1844) في كتابه هكذا تكلم زادشت حيث يعيش في كهف في انسجام تام : زرادشت مع أفعى ونسر فلا الأفعى تلدغ البشر ولا النسر يأكل الأفعى ، على العكس يأخذ النسر الأفعى في طيرانه وهي ملتفة حول عنقه التفاف الحبيب وفي كل فجر يستيقظ الثلاثة لاستقبال شروق الشمس ويقول زرادشت مخاطبا الشمس : " أيها الكوكب العظيم ، ما عسى أن تكون سعادتك لو لم يكن هناك من تشرق لأجلهم " . الله تعالى يسعد بوجودنا وهو خلقنا وخلق لخاطرنا مليار مليار نجمة فلا بد نحن مهمون .

يعيش الشخص المثقف الحياة بمفاهيم وتطلعات واهتمامات فيها الكثير من المتعة الذهنية والفكرية وكما يقول الشاعر ويردزويرث : " الشاعر هو إنسان يعيش معنا في الأرض بجسده لكنه بروحه هو في الجنة ". وتقول الكاتبة فرجينيا أن يوم القيامة لا تهتم ملائكة الجنة بالمثقفين إذ تقول الملائكة لهم : " أنتم بكتبكم عشتم حياة الجنة في الأرض". إن حبّابي الكتب يفضلون كتبهم على الأكل والشرب والتلفزيون والطلعات وكل شيء . حين سافرنا في سنة 1995 أودعت صندوق كبير (تنك) عند أمي فيه كتبي ، وأمّنتها قائلا : " إن صارت نهيبة وجاء النهّابة وخيروك أن تعطيهم إما الصندوق أو ابني علي ( الذي بقي في الموصل) أعطيهم علي ." وأحد طلبتي بجامعة الموصل سنة 1975 والذي حصل على الدكتوراه بالأدب الانكليزي من الولايات المتحدة عاد للموصل وأصبح زميلا في القسم ، قال ذات مرة : " الجنة ! هي أن تكون جالسا على كرسي سرح وبيدك كتاب تقرأه ".

كان الدكتور جونسن وهو أشهر أديب في القرن الثامن عشر محبا للكتب ولا يستطيع بدونها ، ذهب للخياط يفصِّل عنده معطف له جيبان يتسع كل منهما لكتاب بحجم قاموس وفعلا حين ذهب جونسن للخياط وحمل معه قاموسا قال للخياط أن يُفَصّل الجيوب حسب حجم القاموس . ومرة كان جونسن مدعوا إلى عشاء في بيت أصدقائه ، حين صبوا العشاء لم يكن جونسن هناك مع انه كان رجلا أكولا وبحثوا عنه فوجدوه في مكتبة البيت ( وهو في الواقع قصر لأحد الأثرياء ) وكان ممسكا بكتاب وقد قربه من عينيه ( لأنه كان ضعيف البصر ) ومن شدة قرب الكتاب من عينيه بدت أهداب عينيه كأنها فرشاة تمسح صفحات الكتاب .

يصيب نفسي التيبّس جراء البعد عن الأصدقاء والأحبة وهذه اللحظة عندي جلسة شرب شاي في مقهى شعبي بشارع حلب بالموصل تسوى البكادلي والشانزيليزيه وساحة الصديق باسل وسنترال بارك وأني أحس برعشة شعرية حين أتحدث إلى صديق قديم أكثر مما لو جلست أقرأ المتنبي وويردزويرث وملتن ومن لف لفهم ، ولكن السؤال هنا ما الشعر؟ في نظري الشعر هو من الشعور في اللغة العربية وهي أنقى وأصفى لغات العالم في الاشتقاق ومرجعية أصول المعاني ، والشعور هذا يثار بشكل لطيف جيد بعاملين (1) شعر القصائد : المتنبي شكسبير دانتي كوته ... الخ و(2) شعر اللاقصائد وهو الشعور الذي يحس به المرء في جلسة شرب شاي بشارع حلب مع الأحبة ، والشاعر ت س اليوت حين أراد إحياء شعر القصائد في مسرحياته لم ينجح كما نجح شو وبيكت وجيخوف في استخدامهم النثر العادي المحمل بشعر مخصَّب . عد واقرأ الحوار الطويل ( أطول خطاب في المسرحية ) في مسرحية برنارد شو القديسة جون وستجده ألذ واشعر من أي حوار في كاتدرائية اليوت ، ولو إنني بشكل شخصي عندي أروع قطعة حوار في هذه المسرحية هي خطاب المغري الرابع الذي حين يظهر لبيكت يقول له بيكت : " لم أكن أتوقعك " فيرد عليه المغري قائلا : " ولهذا أنا هنا ، إذ إني أتواجد حين لا احد يتوقع قدومي". وحتى اليوت قال فيما بعد : " حين كنت اكتب خطابات الفرسان آخر المسرحية كنت تحت تأثير شو في القديسة جون".

أعود وأقول إني أفضل الشعر خارج القصائد ، الشعر الذي أجده في حوارات شخصيات تينسي وليامز أكثر مما في مناجاة هاملت :" توبي أورنوت توبي" ...الخ . وحتى أني أجد الشعر في صمت وسكوت الغابات بينما القبرة تغرد . بكلام آخر أريد إن أقول ليس بالكلمات وحدها يوجد الشعر ، الله عادل في قسمته فهو حينما خلقنا أعطى لبعضنا شعر القصائد امرؤ ألقيس أبو العلاء شيلر بوشكين ماياكوفسكي حمزاتوف ناظم حكمت لاركن ... الخ ، إلا أنه أعطانا جميعا شعر اللاقصائد ، لان الله يعرف أن النفس البشرية لا يمكن أن تحيا من دون شعر فهو نَثَر الشعر اللاقصائدي على كل نفس : كيف تعتقد كانت ستعيش جدتي وجدتك وهن من دون شعر القصائد ؟ كن سيتيبسن ؟ على العكس ، بفضل شعر اللاقصائد عاشت هؤلاء العجائز اللاتي حتى لم يعرفن ما هو الشعر ، عشن حياة حافلة طويلة عريضة واستطيع القول سعيدة ، ونحن في القرن الحادي والعشرين في كافة أنحاء العالم محرمون من هكذا سعادة مع أننا غاطسون في شعر القصائد

الشخصيات


أولا : السياسيون

الزعيم تومون ( بدران)

الزعيم تومون (بدران) زعيم قبائل الشايان اشترك في معركة لتل بك هورن التاريخية الشهيرة في مونتانا عام 1876 ضد الجنرال المعروف كستر وهو يقود الفرقة السابعة للجيش في خطة لتطويق وإشغال الهنود الحمر تحت قيادة زعيم قبائل السو الزعيم الشهير ستنك بل ( الثور الجالس ) . يوم 25 تموز(يوليو) قامت قوات تابعة لكستر تحت إمرة المقدم رينو بعبور نهر لتل بك هورن وهاجمت المعسكر الهندي في الوادي لكنها أجبرت على الانسحاب ، وكستر نفسه الذي قاد سرية للهجوم على المعسكر من طريق آخر تفاجأ بهجوم عليه وعلى قواته وحوصر بأعداد هائلة من الهنود الذين قتلوا كستر وأفراد قواته عن بكرة أبيهم . وهناك روايات متواترة عن كيف مات كستر .

وهنا الزعيم بدران الذي كان شاهد عيان في هذه المعركة الفاصلة يروى القصة كاملة لهاملن كارلند . يقول كارلند : حينما اعتلينا الوادي الساخن اليابس أشار وولف فويس ( صوت الذئب ) وهو مترجمي الشاياني بأصبعه نحو كوخ طين وقال :" بيت بدران" وحينما اقتربنا رأينا بطانيتين منشورتين على الحبل وفلاحين يحصدان بالمنجل ومجموعة أطفال يلعبون وكان المنظر برمته يدل على الفقر . ونحن نهم بالدخول طلع علينا بدران وقد فتح ذراعيه مرحبا وبعدها سحب البطانيتين من علي الحبل ووضعهما على الأرض ودعانا للجلوس . لم يسبق لي بأن أحسست بان أحدا كان قد رحب بقومي بهكذا حرارة . وبعدا ن جلسنا قدم لنا التبغ والغلاوين .

على الرغم من أن الزعيم بدران كان قد بلغ من العمر عتيا ، كان منتصب القامة نشط الحركة وحاضر الذهن يمشي بانضباط وهمة عسكرية عريض المنكبين وبابتسامة عريضة وبأخلاق راقية . بينما هو يُعمِّر غليونه تحدثت إليه عبر المترجم صوت الذئب فقلت وكان صوت الذئب يترجم : " زعيم بدران ، لقد جئت اسمع منك قصة معركة كستر لأني سمعت انك اشتركت بها " . استجاب الزعيم بدران بكلمات : " آي ، آآه ، هووه " وهي تعني الموافقة بلغة السو ، تحدث الزعيم بدران قائلا : ذاك الربيع عام (1876) كنت معسكرا في منطقة نهر باودر مع 50 من أتباعي كان المكان هو الموقع الحالي لقلعة راكيني ، وفوجئنا صباح احد الأيام بهجوم يقوده أبو ثلاثة أصابع العقيد مكنزي ، وهربنا حتى نزلنا عند الزعيم كريزي هورس ( الحصان المجنون ) وكان سنتك بل معسكرا بالقرب من هناك ، قلت لكريزي هورس : " دعنا نحارب ، لقد قتلوا قومنا وسرقوا جيادنا وشردونا " . وافق الزعيم العظيم .

وفي أيار(مايو) بدأنا المعركة الأولى ضد الجنرال كروك وقتل الكثير من الجيش وعدد صغير من الهنود ، وبعد بضعة أيام جاءنا طارش من سنتك بل يقول : " اصبغوا وجوهكم واستعدوا لحرب كبرى". أعددنا العدة وتجمعنا مع فرسان قبائل السو وحسب الخطة تفرقنا وفي الأخير عملنا حلقة وهجمنا ، وأصلاً كانت المعركة قائمة بقيادة كريزي هورس وسنتك بل ، وكانت هناك لعلعة رصاص وحفيف سهام منطلقة وكنا نمتطي جيادنا بسرعة فائقة . لقد كان الموقف برمته وكأنه دبكة على أشدها على صوت الطبول والصياح ، وكان الجنود يسقطون وهناك فجأة ظهر فارس بينهم يصيح وهو على صهوة فرس بلون بني ضارب للحمرة . لم أتبين من كان هذا الفارس ، وبين الحابل والنابل والجنود يتساقطون موتى بالعشرات ، وكان من جملة من سقطوا هو أبو شعر الطويل كستر. وبعد المعركة أتينا إلى موقع سقوطه وكان جثة هامدة ، لم نسلخ فروة رأسه لأننا اعتبرناه رجلا شجاعا . أحصينا الجثث بأكملها وكان المجموع 388 من بينهم 39 من السو و7 شايان والبقية جماعة كستر .









كــــارل مــاركس

بدأ كارل ماركس (1818 – 1883) الفيلسوف السياسي والاجتماعي حياته المهنية كمحرر صحفي في مدينة كولون بألمانيا ، وحينما أغلقت صحيفته لأسباب سياسية ذهب إلى باريس حيث أسس صحيفة أخرى إلاّ أنها أُغلقت . وفي الأخير استقر في لندن حيث كتب أهم كتبه وعلى رأسها رأس المال سنة 1867 ، ولقد قابله في لندن مراسل صحيفة العالم في نيويورك ، ر. لاندور وجرت المقابلة بحضور زميل ماركس وهو أنجلز . لم ينم أسلوب معيشة ماركس ولا سلوكه العادي عن أي معتقد اشتراكي ويبدو انه كتب رأس المال لغرض تزجية وقت الفراغ ليس إلاّ ، ودعوة ماركس للشيوعية وهي دعوة حملها البعض محمل الجد كانت بالنسبة لماركس نوعا من الترف الفكري والفلسفي .

لاندور : نظرتك في حركة نقابة عالمية يكتنفها بعض الغموض ، وهي في ناحية أخرى مخيفة .

ماركس ( ضاحكا مليء شدقيه ) : لا يوجد هناك غموض على الإطلاق يا سيدي العزيز ، اللهم إلا الغموض الذي يكتنف غباء البشر في فهم أن الحركة هي عالمية ومعلنة الأهداف وهي مطبوعة ومنشورة وجاهزة للاطلاع عليها من قبل أي شخص في العالم .

لاندور : ما فحوى هذه الحركة ؟

ماركس : حسبك آن تنظر إلى الأفراد الذين تتألف منهم الحركة – عمال .

لاندور : نعم لكن الجندي بحاجة ليكون جزءاً من آلة الدولة ، أني اعرف بعض أعضاء حركتكم وهم على جانب كبير من الطيب وطبعا سر يشترك فيه مليون إنسان لا يعود يبقى سراً ، ولكن ماذا يحدث لو تسلم مقاليد الأمور مجلس إدارة سيء ؟

ماركس : هذا غير ممكن .

لاندور : ولكن حدث شيء من هذا القبيل في باريس .

ماركس : كانت هذه مؤامرة قامت بها الماسونية ، وان حركتنا هي ليست حكومة بالشكل التقليدي ، أنها اتحاد أكثر مما هي سلطة .

لاندور : اتحاد لأي غرض ؟

ماركس : التحرير الاقتصادي للطبقة العاملة عن طريق قهر السلطة السياسية ، وإحلال سلطة سياسية جديدة مختلفة تماما تحقق الأهداف الاجتماعية ، وهكذا من الضروري أن تكون أهدافنا شاملة لتشمل كل نوع من النشاط العمالي . فنحن نريد أن نخلق شخصية جديدة للطبقة العاملة وان نجعل لعمال العالم صوتا واحداً ، ومن ناحية أخرى فإن حركتنا لا تفرض شكل الأنشطة السياسية ، إنها وحسب تناصر الطبقة العمالية في تحقيق أهدافها وان ظروف العمال تختلف من بلد لآخر ، فمثلا حيثياّت وتفاصيل ظروف عمال مدينة نيوكاسل في انكلترة تختلف عن ظروف مدينة برشلونة في البرتغال ، والشيء نفسه يصدق على سائر المدن والبلدان وهكذا فإن حلول المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها هي بيد الطبقة العاملة في تلك المدينة أو ذلك البلد ، وإن حركتنا لا تملي على الآخرين قراراتها أنها فقط تتعاطف وتتعاون معهم وتساندهم ولأضرب لك مثالا على ذلك .

إن احد أساليب الحركة في التحرر الاقتصادي هو الإضراب . في السابق حينما كان يحدث إضراب عمالي كانت الدولة تجلب أيدي عاملة من الخارج . لقد قامت حركتنا بإيقاف هذه الممارسة تقريبا . تصل الحركة معلومات عن إضراب ما ثم تنشر الخبر بين صفوف العمال من أعضاءها ، ومن ثم تقوم الحركة بمناصرة الإضراب ، وفي حالة فشله وتعرض بعض العمال لعقوبة الطرد من وظائفهم فإن الحركة تقوم بمساعدتهم مالياً لحين أن يجدوا عملاً جديداً ، لكن من ناحية أخرى ، العديد من الإضرابات تنجح فمثلاً إضراب عمال السكاير في برشلونة نجح وحقق مطالبة .

دعني اختصر لك الموقف بجملة أو جملتين : تبقى الطبقة العاملة على حالها من الفاقة والعوز والحرمان بينما تزداد وتكبر ثروة أرباب العمل وبالتالي فإن العوز المادي لدى الطبقة العاملة يؤدي إلى إعاقتها من الناحية المادية والمعنوية كما وان الطبقة العاملة لا تعتمد على الآخرين في حل مشكلاتها وهكذا يصبح من الضروري أن تقوم هي بنفسها الحصول على حقوقها . عليها أن تعيد النظر في علاقتها مع أرباب العمل ومع المُلاّك والرأسماليين ، أي بكلام آخر عليها تغيير المجتمع . هو ذا الهدف العام لكل المنظمات العمالية والاتحادات الفلاحية والجمعيات التجارية والتعاونية . تهدف حركتنا لتحقيق التضامن مع هكذا مؤسسات وما بين هذه المؤسسات نفسها ، ولقد أخذت آثار هذا التضامن تتضح فهناك عدة صحف يومية تصدر في اسبانيا ، ا لنمسا ، هولندة ، بلجيكا وسويسرا وكلها تعبر عن توجهات عمالية . إن محور نشاطنا في الحاضر هو في أوروبا ولحد الآن لم ينفتح المجال لحركتنا أن تنشط في الولايات المتحدة ولكني أتوقع أنها سرعان ما ستنتشر هناك .

هتلــــــــر

ولد أدولف هتلر (1889 – 1945) الدكتاتور الألماني في النمسا وهو ابن موظف جمارك غيّر اسمه إلى هتلر من شكلكلوبر . كان لأدولف الشاب طموح مبكر في أن يصبح فناناً أو معمارياً لكن لم يتحقق طموحه لعدم كفاية مؤهلاته الدراسية . عاش بضع سنوات في فيينا واشتغل في عدة أعمال مختلفة وكان يكره اليهود وقيادات النقابات العمالية. انتقل إلى ميونخ عام 1913 كي لا يؤدي الخدمة العسكرية ولكن حين اندلعت الحرب في السنة التالية انخرط في صفوف الجيش البافاري .

بعد أن ترقى إلى رتبة نائب عريف أُنعم عليه بالوسام الحديدي ( من الدرجة الأولى ) على شجاعته كمراسل ، وعند نهاية الحرب كان قد أصيب بعدة جروح كما وانه أصيب بعمى مؤقت نتيجة تعرضه لقنابل الغاز. بإحساسه بالمرارة جراء اندحار بلده ، وهذه مسألة عزاها إلى اليهود والاشتراكيين ، انتمى إلى احد الأحزاب وسرعان ما أصبح رئيساً له وأعاد تسميته باسم حزب العمال الاشتراكي الألماني ( النازي ) . في سنة 1923 شارك في حادثة شغب حانات البيرة في ميونخ وكانت هذه الحادثة بمثابة محاولة انقلابية على الحكومة الجمهورية في بافاريا ، ولقد تصدت الشرطة بالأسلحة الرشاشة للمشاغبين النازيين والقي القبض على هتلر وأودع السجن لمدة تسعة أشهر ألف أثناءها كتابة الشهير كفاحي وهو سيرة حياته السياسية .

بعد إطلاق سراحه بدأ باستمالة الناس للانضمام إلى الحزب النازي ، وعلى خلفية الانهيار الاقتصادي في العالم ، استغل هتلر قابليته على فهم النفسية الجمعية للجماهير وعقده الخوف من اليهود ( الذي كان هو نفسه يعاني منها ) والبراعة في استخدام الدعاية ، استطاع أن يؤسس تحالفا يتكون من العمال والصناعيين والممولين . خسر في الانتخابات الرئاسية سنة 1932 إلا أن غريمه في السباق الانتخابي بول فون هندربرك جعله مستشارا في كانون الثاني (يناير) 1933 ، وفي غضون بضعة أسابيع من حكمه وقع حادث حريق رايخشتاك وأنحى باللائمة على الشيوعيين . في الانتخابات العامة التالية ارهب النازيون الأحزاب الأخرى مما أدى إلى فوزهم ، ومن تلك النقطة اخذ هتلر يصعد شيئاً فشيئاً لحين أصبح زعيماً مطلقاً مستخدماً حرسه الخاص في تصفية وتطهير المناوئين للنازية وكان ذلك سنة 1932 . ثم بدأ يعيد تسليح ألمانيا ويمارس سياسة خارجية تسلطية عدوانية واستعاد بذلك إقليم راينلد وضم النمسا إلى ألمانيا وغزا جيكوسلوفاكيا ، وأدى هجومه على بولندة إلى الحرب العالمية الثانية . انتحر هو وعشيقته ايفا براون (التي تزوجها في الساعة الأخيرة من حياتهما) سنة 1945 حينما كانت القوات الروسية في سبيلها إلى مخبئه.

قام الصحفي سلستر فايريك بمقابلة هتلر في تموز(يوليو) 1932 والحقيقة هي ليست مقابلة صحفية بقدر ما هي خطبة ألقاها هتلر هكذا :

" حين استلم مقاليد الحكم في ألمانيا سوف اقضي على الرأسمالية في الخارج وعلى الحركة البلشفية في الداخل " .

هكذا تكلم أدولف هتلر ثم أتى على آخر ما كان في قدحه وكأنما لم يكن يوجد في القدح شاي إنما دم بلشفي ، ثم استمر قائلا :

" البلشفية هي منبع الخطر بالنسبة لنا ، أقض علي البلشفية في ألمانيا وسوف تنقذ سبعين مليونا من الناس وتمنحهم القوة " .

حين أعلن هتلر برنامجه السياسي وهو باسم " الإمبراطورية الثالثة " كان يفوز بالانتخابات الواحد تلو الأخر وكان نفوذه يزداد . انتهت الإمبراطورية الألمانية الأولى حينما أجبر نابليون الإمبراطور النمساوي على تسليم تاجه الإمبراطوري وانتهت الإمبراطورية الثانية حينما لجأ فيلهلم الثاني إلى هولندا ، والآن جاء دور الإمبراطورية الثالثة على يد هتلر.

حين سألت هتلر " لماذا تطلق على حزبك تسمية الحزب الوطني الاشتراكي بينما أنت ضد البلشفية والشيوعية والاشتراكية ؟ " نظر إلى شزراً وقال : " الاشتراكية هي علم التعامل مع العامة والخير العام . ليست الشيوعية اشتراكية . وليست الماركسية اشتراكية . لقد سرق الماركسيون التعبير وشوهوا معناه ، سوف انتزع الاشتراكية من الاشتراكيين . إن الاشتراكية هي مؤسسة آرية جرمانية قديمة وكان لأسلافنا الجرمان أراضي مشتركة فيما بينهم وكانوا يعملون معاً بشكل جماعي للصالح العام وليس من حق الماركسية أن تتخفى وراء قناع الاشتراكية . بخلاف الماركسية ، لا تسلب الاشتراكية ممتلكات الناس ولا تلغي الشخصية الفردية وهي وطنية . كان من الممكن أن نطلق على أنفسنا تسمية حزب الأحرار لكن فضلنا تسمية الحزب الوطني الاشتراكي ، لأننا وطنيون قوميون ولسنا عالميون منفلتون واشتراكيتنا وطنية خاصة بوطننا ونحن نسعى لتقوم الدولة بتحقيق المطالب العادلة للطبقة المنتجة وعلى أساس تضامن الشعوب وبالنسبة لنا الدولة والشعب هما الشيء نفسه " .

سيخبرك من سبق له وان قابل هتلر بأن هتلر هو شخص بمنتهى الوداعة والود والتواضع . هذا صحيح ، لكن من ناحية أخرى ، لم يسبق لشخص بهدوئه ولطفه وان قاد سفينة البلد في مياه أكثر خطورة ، وما سبق لأحد أن قطع أعناق غرمائه السياسيين بشكل أبشع .

سألته : " ما هي أسس خطابك من على منبرك إلى العالم ؟ " أجابني : " نحن نؤمن بعقل سليم وجسم سليم ، وعليه فإن الصحة البدنية والصحة الأخلاقية هما شيء واحد". قلت له : " إن موسليني سبق له وان قال نفس الشيء ". وهنا التمع وجهه وقال : " إن السكن السيئ هو المسؤول عن تسعة أعشار مشكلة الحرمان وان الإدمان على الكحول هو المسؤول عن العُشر المتبقي . عمادنا الأساسي هو العمال ومن بعدهم الفلاحون . يجب أن نوفر للجميع سكناً صالحاً للمعيشة وأجواء صالحة للعمل . نحن أمة خرجت لتوها من الحرب وهي محترقة ، وعلينا أن نعيد بناءها قبل أن ينجذب الناس إلى أفكار وسلوكيات تؤدي بالأمة إلى الانهيار التام . لهذا السبب قام حزبنا ، لأبعاد الأمة عن الأفكار الدخيلة وعن الغرباء . كذلك لا مجال فيها للتبذير أو الاستغلال أو الكسل".

كان هتلر وهو يتحدث يسير بخطى عسكرية وصوته يملأ فضاء الغرفة . صدرت ثمة جلبة قرب الباب ، كان السبب بذلك أفراد حرسه الشخصي الذين كانوا يبقون قرب الباب . دخل احدهم ليذكر هتلر بأنه قد حان موعد إلقاء كلمة في احد الاجتماعات .

مـــوســـولينـــي

ولد بينيتو موسوليني (1883 – 1945) الدكتاتور الايطالي في إقليم روماجنا وهو ابن حداد . اسم أسرته مشتق من كلمة موزلين التي هي اللفظة الأوروبية لأسم مدينة الموصل بالعراق إذ كانت الموصل شهيرة بإنتاج قماش الموزلين وتصدره إلى دول العالم وكانت أسرة موسيليني تستورد هذا القماش وسميت اثر ذلك بموسليني ( بالأحرى يستوجب أن يكون لفظها : موصليني ) . بدأ بنيتو موسيليني ( موصلي ) حياته العملية كصحفي ومن ثم في سنة 1921 أسس الحزب الفاشي . في سنة 1928 صار لقبه " الدوجي" ، أي الزعيم ، وسرعان ما أصبح رئيساً للحكومة الايطالية . كانت سياسته الخارجية عدوانية وتوسعية وقام مع هتلر بتأسيس المحور بالاشتراك مع فرانكو رئيس اسبانيا . وفي إثناء الحرب العالمية الثانية كانت ايطاليا تحارب جنباً إلى جنب مع ألمانيا ضد الحلفاء . في 1845 سقطت ايطاليا ودخل على مكتب موسوليني رجال المقاومة الايطالية الذين قاموا بإعدامه رمياً بالرصاص فيما بعد .

جرت الأحاديث التالية في قصر فينيسيا في العاصمة الايطالية روما في الفترة الواقعة بين 23 آذار(مارس)–4 نيسان(ابريل) 1932 ومن المصادفة أن موسوليني نفسه كان صحفياً قام بإجراء العديد من المقابلات مع السياسيين .

كان السؤال الأول في المقابلة " هل قرأت كتاب ميكافيلي الأمير في فترة مبكرة من عمرك ؟ " أجاب موسوليني " كان والدي يقرأ الكتاب في المساء بصوت عال بينما كنا صغاراً ندفئ أجسادنا تحت اللحاف والبطانيات ولقد ترك الكتاب أثراً عميقاً في نفسي وحينما أعدت قراءته وأنا في سن الأربعين تجدد التأثير وأصبح أكثر عمقاً " .

" ما رأيك بنابليون وهل تعتقد أنه كان ميكافيليا ؟ " أجاب موسوليني : " ليس نابليون مثالاً اقتدى به ، على العكس ، كانت أعماله تناقض ما أؤمن به فهو أخمد ثورة بينما أنا أدعو إلى ثورة ولقد أرتكب عدة أخطاء فهو كان ديكتاتوراً وناهض البابا كما وانه كان جاهلاً في الأمور المالية والاقتصادية ولم يهتم إلا بانتصاراته وأمجاده ".

" يقال أن انكلترة هي التي كسرته ، يقال أنه تحطم على صخرة الشاطئ الانكليزي" ، أجاب موسوليني : " هراء ، لقد سقط بسبب أخطاءه وهذه الأخطاء هي السبب في سقوط كل الرجال ومن أخطاءه كان طموحه إذ نصب نفسه إمبراطورا ، و حتى بتهوفن نفسه امتعض من هذا الإجراء فقام وسحب إهداء السيمفونية الثالثة المسماة البطولة إذ كان قد ألفها وأهداها إلى نابليون . قارن نابليون مع اوليفر كرومويل قائد الثورة الانكليزية في القرن السابع عشر ، كان كرومويل ناجحاً لأنه آمن بالقوة المطلقة للدولة من دون حروب ، إن قوة أي دولة إنما هي نتيجة عوامل عديدة ليس بالضرورة أن يكون أي منها عامل عسكري ".

" قُلتَ ذات مرة : " نحن أقوياء لأننا بدون أصدقاء ". " لم يجب موسوليني على السؤال ولكن بدا على محياه شيء غريباً ، شيء ينم عن الكثير من الطفولة ، ويبدو أن السؤال أثاره في أعماقه ، ثم أجاب بهدوء لكن تحت هذا الهدوء كان الكثير من المرارة ، قال : " لا استطيع مصادقة احد ، لا يوجد لدى أصدقاء ، السبب الأول هو مزاجي ، وثانيا بسبب نظرتي للناس ، ولهذا فأنا أتفادى العلاقات الحميمة مع الآخرين ، وكذلك التحدث إليهم وان صادف وزارني صديق قديم يضايقنا الحديث وهكذا ننتفض عن بعضنا بسرعة ، وهكذا فحين أريد سماع أخبار أصدقائي القدامى فاني افعل ذلك عن بعد ".

" ماذا تفعل لو أن احد أصدقائك انقلب ضدك وأصبح عدوك ؟ "

" إن فعل ذلك بيني وبينه فاني أهمله إلا انه لو جهر بآرائه على الملأ فاني أحاربه ، فعلى سبيل المثال حين شَهَّر بي احدهم من أني قمت بسرقة الخزينة فإن هذا الأمر أزعجني جدا وانقلبت إلى كاره للبشر. إن اعز أصدقائي مكانهم في أعماق قلبي ولكن على العموم أبقيهم على بعد عني . وهم لا يسيئون لي علنا وكذلك فهم لا يبغون منفعة أو مصلحة شخصية مني ويقومون بزيارتي في مناسبات نادرة ولمجرد إلقاء التحية والسؤال عن الصحة والحال ليس إلا . دعني أقول لك أني أعاني من الوحدة وبنفس الدرجة حينما كنت في السجن . هذا هو قدري أن أكون وحيدا ، وأنا محروم من الاختلاط بالناس على سجيتي . لكن من ناحية أخرى أنا منسجم مع وحدتي وعزلتي . لا أتوقع الكثير من وضعي الحالي لكن أملي هو بالمستقبل ".

ستـــــاليــــن

ظهرت هذه المقابلة تحت عنوان " محادثة بين ستالين وويلز". قام الأديب الروائي الانكليزي هـ .ج ويلز بزيارة ستالين في سفرته الثانية لروسيا. يعطي ويلز الانطباع بأن ستالين كان شديد التعصب والتمركز على ذاته في أفكاره وهذا ما أثار حفيظة برنارد شو الذي كتب في احد الصحف قائلاً : " يصغي ستالين إلى ويلز بانتباه وجد ، بينما ويلز لا يصغى إلى ستالين ، إذ هو متلهف فقط لبدء الحديث حين يتوقف ستالين عن الكلام ". ويستمر برنارد شو قائلاً بأنه سبق له وان زار ستالين ووجده انه " مستمع من الدرجة الأولى بينما ويلز هو أسوأ مستمع في العالم ".

ويلز : إني بغاية الامتنان بأنك سمحت لي بمقابلتك يا سيد ستالين . كنت في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً ولقد أجريت محادثة طويلة مع الرئيس روزفلت الذي اخبرني عن خططه المستقبلة والآن أنا معك كي تخبرني عن خططك في تغيير العالم.

ستالين : ليس عندي الكثير منها .

ويلز : إني أطوف العالم وكفرد عادي ألاحظ ما يجرى حولي .

ستالين : إن أناس شهيرين مثل حضرتك هم ليسوا مجرد أفراد عاديين فأنت كونك كاتب وأديب لا ترى الأمور بمنظار عادي .

ويلز : أنا لا أدعي التواضع لكن المرحوم السيد لينين قال ذات مرة : " ينبغي علينا القيام بالعمل التجاري ، ينبغي علينا أن نتعلم من الرأسماليين " فما الذي تقومون به حالياً ؟

ستالين : تسعى الولايات المتحدة وراء هدف مغاير لما نقوم به . يسعى الأمريكان لمعالجة مشكلة نجمت عن الانهيار الاقتصادي . هم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه جراء كارثة حلت بالنظام الرأسمالي . وحتى لو نجحوا في تخطي هذه الكارثة فهم لن يعالجوا المشكلة من جذورها . هكذا سيبقى الخطر محيق بهم ، بينما نحن هنا عالجنا المشكلة جذرياً ، نحن فعلنا هذا حسب تخطيط منهجي مضمون حتى النهاية .

نحن لا تتهددنا البطالة . إني أشيد بالسيد روزفلت كرئيس كبير وإداري عظيم ولقد علمت بأنه يحاول الاستنارة ببعض الأفكار التي تنم عن العدالة الاجتماعية والتي تحاول الاقتراب من الاشتراكية لكن دعني أخبرك بأن طريقته البطيئة في هذا المضمار ، طريقة الخطوة خطوة لن تجديه فتيلاً ، أنها الطريقة الانكلوسكسونية التقليدية . إن الدولة الرأسمالية لا تتعامل مع الاقتصاد بشكل حازم بات : وهكذا فان الدولة تبقى في قبضة الاقتصاد وليس العكس . هكذا اعتقد أن السيد روزفلت لن ينجح في خطته طالما الوضع الاقتصادي هو كما ذكرت لتوي .

ويلز : لربما أني أؤمن أكثر منك بالتفسير الاقتصادي للسياسة وعليه بإمكاني القول بأن الاشتراكية يجب أن لا تتناقض مع الحرية الفردية .

ستالين : أشاطرك الرأي ، يجب أن لا يكون هناك تناقض بين الفرد والاشتراكية ، بين الفرد والجماعة ، بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة . لقد نجح روزفلت في التوفيق بين المصالح لكن بشكل محدود ووجل وأنت تعرف الموقف في الولايات المتحدة أحسن مني لأنه لم يسبق لي زيارة البلد لكني أراقب الوضع حسبما يصلني من أدبيات واني استشف لو أن روزفلت حاول تلبية احتياجات الفقراء بأخذه الأموال من الأغنياء فإن الرأسماليين سينصّبوا رئيساً بدلاً منه وسيقولوا : رئيس يأتي ورئيس يذهب أما نحن فباقون للنهاية وان لم يحافظ هذا الرئيس على مصالحنا سوف نجد رئيساً آخر أو نضعه بدلاً منه .

ويلز : إني ارفض هذا التبسيط في تقسيم البشرية على طبقتين : فقراء وأغنياء .

ستالين: طبعاً ، هناك الطبقة الوسطى التي تتكون من الحرفيين والمهنيين والفنيين وهم أناس أخيار شرفاء بلا شك ولكن هناك بينهم الأشرار والمصلحيون والأنانيون والطماعون والمستغلون ، ولكن بشكل أساسي ، البشرية مقسمة إلى نوعين من الناس : المُلاّك والمعدمين ، المستغِّلين والمستغَّلين ، ويجب أن لا نتجاهل ولا ننكر الصراع بين الطبقتين الأساسيتين : الفقراء والأغنياء وهو صراع سيحسمه الفقراء لصالحهم .

ويلز : حينما أعود للولايات المتحدة سأثير هذه المسألة من أجل النقاش كما وسأناقشها هنا مع السيد ماكسيم كوركي كما وسأثير السلبيات الرأسمالية وقضية التعبير الحر .

ستالين : هذه المسألة نسميها نحن معشر البلاشفة بالنقد الذاتي وهي مطبقة على نطاق واسع في الاتحاد السوفيتي .

غــــــانــــــدي

ولد المهاتما مهندس كرماتشاند غاندي (1869 – 1948) في كوجارات غربي الهندي ، وفي مقتبل حياته المهنية عمل محامياً في لندن وبعد ذلك ذهب إلى جنوب أفريقيا حيث أصبح ناشطاً سياسياً وبعدها عاد لبلاده كزعيم سياسي يمارس سياسة المقاومة بطريقة اللاعنف . اغتاله أحد المتطرفين ، ولدى انتشار الخبر في العالم قال برنارد شو " هذا ما يحدث للناس الطيبين في عالمنا ". ألقى غاندي بهذا الحديث على مجلس الأمة ونشره مراسل صحيفة " هارجان " يوم 4 أبريل 1946 . يذكر هذا المراسل الذي اسمه هنري نويل بريلسفورد انه حينما كان في مدينة بونا كان غاندي مودعاً في سجنها المركزي ولم يُسمح له بمقابلته . كانت المدينة كئيبة بسبب الإضراب العام ، إما اليوم فالمدينة قد اكتست بحلة قشيبة بسبب احتفالات مهرجان الربيع وكان غاندي بدوره مبتهجاً سيما وان رئيس الوزارة البريطانية السيد آتلي كان قد مهد الطريق لتحرير الهند .

بعدها توجه غاندي لإلقاء كلمة في مجلس الأمة ، وقال : " انصح الانكليز أن يكونوا براهمة وليس بقالين كما وصفهم نابليون ، والبقال تاجر صغير يسعى وراء الربح المادي الصغير بينما البرهمي شخص يسعى وراء الإرباح الطائلة التي يجنيها من القيم المعنوية للحياة . لقد وصف احد الروائيين من مدينة كوجارات الانكليز بأنهم مزيج من الجنود والبراهمة . كان وصفاً لطيفاً لكنه ليس عين الصواب لأن على الانكليز أن يطوروا بداخلهم أكثر الروح البرهمية إذ أن الجندي الانكليزي ما يزال تفكيره تجاريا مثل تفكير أي بقال وهو بذلك يخفق في الوصول إلى أعلى مراتب الشجاعة . مع ذلك ما زلت آمل أن يتجاوب الانكليز مع روح اللاعنف في الهند وبصفتي مؤسس سياسة اللاعنف فاني خير من يعرف معنى هذه السياسة ومردودها الجيد على العالم جميعا . أن سياسة اللاعنف هي أجمل وأروع ما في الوجود واني أحس بأن المسؤولية تقع على عاتقي في أن الفت انتباه الانكليز كي يصبحوا براهمة وان يقلعوا عن عادة البقالة ، وان استطعنا نحن وهم في السمو إلى هذه المنزلة من القيم الأخلاقية الروحية وتعالينا على السفاسف المادية والتجارية فلن يهددنا ثمة خطر. إن الاستقلال في طريقه إلينا لا ريب ، سيأتي إلينا محمولاً على الهواء المتنقل بحرية وهكذا دعونا لا نزايد عليه كسلعة في السوق بل كمثل أعلى في ضمائرنا ".

وفي معرض إجابته على سؤال فيما إن كان بعد المصادقة على الاستقلال ستتم مناقشة مسألة الحلف الدفاعي حسب معاهدة ، أجاب غاندي : " أن أَحست الهند ببهجة الاستقلال فإنها لا شك ستدخل في هكذا معاهدة بمحض إرادتها وهكذا ستمتد الصداقة الهندية – البريطانية إلى القوى الأخرى حيث سيعم التوازن في العلاقات بين الأمم واني لكي أرى هذا الشيء يتحقق يتعين على أن أعيش 125 سنة ".

كما وأعرب عن أمله في قيام معاهدة تجارية تعود بالمصلحة على الطرفين : الهند وبريطانيا ، وحينما تحدثنا عن الباكستان قال غاندي بأنه إن لم تنجح المساعي لحل المشكلة فإنه على استعداد لعرض الأمر على التحكيم الدولي ، واختتم كلامه بالقول : " إن الشدائد هي التي تصنع الرجال ".

ولقد خرجت بإحساس باني كنت أتحدث إلى رجل شجاع يتحلى بالقدر الكافي من الشجاعة التي تؤهله للإيمان بان المجتمع الإنساني لا يقوم إلا على أساس المبادئ الأخلاقية وفي خضم تناحراتنا العسكرية يقف هو عاليا شامخا وهو يردد بأيمان راسخ بان من الممكن العيش بأمان فقط حينما يتعلم الناس التعامل فيما بينهم كأنهم أخوة ولا توجد طريقة غير هذه .



مــاو تســي تـــونــــك

ولد ماو تسي تونك (1893 – 1976) الرئيس المؤسس لجمهورية الصين الشعبية في إقليم هونان وهو ابن فلاح . تلقى ماو تعليمه في جامعة بكين حيث اكتشف ماركس . كان ماو من أوائل أعضاء الحزب الشيوعي في الصين وطبق الماركسية على الطبقة الفلاحية وخاض معارك المعارضة ضد الحكومة . في الأخير شكل ماو الجيش الأحمر الذي نجح في الاستيلاء على السلطة عام 1949 مما أدى إلى هرب زعيم البلاد جينج كاي شيك إلى الخارج . بدأ ماو تسي تونك برنامجه الاقتصادي في 1958 وفي نهاية الستينات أعلن الثورة الثقافية . بعد وفاته أصبحت الماوية حركة عالمية انجذب إليها الشباب خاصة في العالم الثالث . أجرى المقابلة الصحفية ادكار باركس سنة (1905 – 1971) وهو من مواليد مدينة كنساس بالولايات المتحدة وكان يعمل مراسلاً لصحيفة النجمة .

اخذ الزعيم ماو يتحدث عن مواضيع شملت على حد تعبيره " شان نان هاي بأي " أي : من جنوب الجبال إلى شمال البحر ، وعلى مدى رقعة مساحة الصين تمتد المزارع الغنية بمنتجاتها والمطاعم ذات الأسعار الزهيدة ومحلات الأجهزة الاستهلاكية والمعمرة بأسعار متهاودة إضافة إلى تطور علمي تمخض عنه قرقعة ذرية جعلت الزعيم السوفيتي خروشوف يفتح إذنه .

رحب بي المحارب ذو الاثنين وسبعين عاما في إحدى غرف قصر الشعب في بكين ووافق الزعيم على تصويرنا بالكاميرا السينمائية وبشكل غير رسمي وكانت هذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها على تصويره مع وسائل الإعلام الأجنبية بالكاميرا السينمائية . في الحقيقة ، كان قصده من وراء ذلك إثبات سلامة صحته بعد أن أشيع عنه انه مريض جدا . أثناء المحادثة كان بغاية الراحة والعافية والاسترخاء . هكذا تحدث الزعيم ماو : علمت أن رئيسكم السيد جون كيندي قد اطلع على مقالاتي في المقاومة الثورية والعمليات العسكرية الملازمة لها ، ولقد علمت من بعض الأصدقاء الجزائريين إبان صراعهم ضد فرنسا بأن الفرنسيين كانوا يقرأون مقالاتي ويطبقونها ضد الجزائريين . أخبرت رئيس الوزراء الجزائري عباس بأن كتاباتي كانت تعتمد على التجربة الصينية وهي تصلح للمقاومة ولا تصلح لقمع المقاومة حينما يتم الإعلان عن حروب تحرر الشعوب ضد المستعمرين وهي لا تصلح لشن الحرب على الشعوب الثائرة . وهكذا لم تسلم فرنسا من الهزيمة والاندحار في الجزائر ، كما وان جانك كاي شيك اندحر هو الآخر لأنه استخدم الأدبيات الشيوعية ضد المقاومة الشعبية .

وعلاوة على ذلك فنحن الصينيون قرأنا كتبا أمريكية عديدة ودعني أقول أن في جنوبي شرق آسيا وكذلك في الهند وبعض الدول الإفريقية وحتى في أمريكا اللاتينية يوجد هناك بعض الظروف الاجتماعية الشبيهة التي فجرت الثورة الصينية . لكل بلد مشاكله ، وهكذا فالحلول تتنوع حسب ظروف كل بلد ، لكن هذا لا يمنع أن تستفيد البلدان من تجارب البلدان الأخرى . كما وان هناك قاعدة ثابتة وهي انه متى ما كانت هناك ضغوط اقتصادية واجتماعية فلابد من الثورة .

إن الشباب الحالي ممن هم دون العشرين لم يخوضوا غمار حرب التحرير ولم يتعاملوا مع القوى الامبريالية والرأسمالية وهم لم يعيشوا في أيام النظام الاجتماعي السابق . إنهم يسمعون عن ذلك النظام من والديهم ولكن سماع التاريخ يختلف عن العيش فيه .

نحن منفتحون للاطلاع على الأنظمة الثورية في الدول الأخرى وأننا نبقى نتعاطف مع الثورة والثوار بغض النظر عن الأشخاص الذين ينحرفون عن الطريق السوي للثورة . فمثلا لم يكن خروشوف محبوبا في الصين لكن كتبه كانت تباع في مكتبات الصين بينما بعد سقوطه منعت كتبه من التداول في المكتبات الروسية ، واليوم بعد سقوط السيد خ . نحن في الصين نفتقده ، كمثال سلبي .





خــــروشـــوف

ولد نيكيتا سيرجيفج خروشوف (1894 – 1971) السياسي والزعيم السوفيتي في بلده كالينوفكا وعمل راعي غنم ثم حداد أقفال ومصلح مجاري وعامل في منجم فحم قبل أن ينضم للحزب الشيوعي عام 1918 . تسلم مقاليد حكم الاتحاد السوفيتي بعد وفاة ستالين في 1953 ومن حركاته التي وطئت التاريخ يوم خلع فردة حذاءه ودق بها على الطاولة في الأمم المتحدة . وفي احد الأيام عام 1964 وهو في إجازة استجمام في البحر الأسود قام كل من رفيقيه بريجينيف وكوسيجن بانقلاب عليه وقضى ما تبقى من عمره وهو رهن الإقامة الجبرية .

قام الصحفي البريطاني توم دريبرك بمقابلة خروشوف يوم 16/9/1956 ومن جملة ما دار في المقابلة ما يلي :

دريبرك : سمعت أن أفضل ندوات النقد الديمقراطي وأكثرها تأثيرا في الاتحاد السوفيتي هي الاجتماعات الحزبية العادية وكم تمنيت أن احضر احدها ولكني علمت انه لا يسمح بحضور غير أعضاء الحزب ، هل بإمكان حضرتكم مساعدتي في تحقيق أمنيتي ؟

خروشوف : أعدك باني سأتحدث بهذا الأمر مع المسؤولين ودعني أخبرك أن الاجتماعات الحزبية هي مهمة للغاية إذ يتم فيها مناقشة ما يستجد من مشاكل . لكن من ناحية أخرى ، كانت هذه الاجتماعات في السابق إجبارية ، لكنها في المدة الأخيرة أصبحت اختيارية . في نظرنا ، البيروقراطية هي جزء من الطبيعة البشرية وهي آفة العمل البناء ولأجل أن نحارب هذه الآفة فإن المبيد الذي يعالجها هو التصحيح الجماهيري لها . وهكذا هناك العديد من الأسئلة التي يتم طرحها في هذه الاجتماعات ، ولكن هناك نسبة عالية من الناس يسألون كثيرا ويطالبون بإجابات مستفيضة ولا يقنعون بسهولة . دعني اضرب لك مثلا على ذلك . في إحدى زياراتي إلى أوكرانيا اشتكت لي امرأة من أنها لم تتلقى إجابات مرضية على أسئلتها لحل مشاكلها . كانت هذه المرأة ثرثارة وجعلتها تنتهي من حديثها بشكل دبلوماسي لائق وإلا كان مصيري الإصابة بصداع حاد . ومع ذلك ، روت لي قصتها بأن القانون ينص علي أن المزارع الذي يتوقف عن العمل في مزرعته ، يخسرها . كان لهذه المرأة ابنان يعملان في المزرعة ولكنهما تركا العمل بالمزرعة وذهبا يعملان في مصنع بالمدينة . بطبيعة الحال خسرا الأرض وتريد هذه المرأة استرداد الأرض مع بقاء ابنيها يعملان في المصنع . حينما أخبرتها بأن هذا هو القانون لم تقتنع بكلامي . وهناك امرأة أخرى وهي زوجة مهندس يعمل في منجم . كان زوجها قد دخل السجن لثلاث سنوات لأن احد العمال سقط في المنجم ومات . أخبرتني المرأة أن الغلطة كانت غلطة العامل المتوفى لأنه لم يرتد حزام الأمان لكن زوجها كان متهما بالإهمال . في الأخير قلت لها أن النظر في هكذا أمور هو من مسؤولية المحاكم الاستئنافية .

إن هكذا مسائل والتي عادة تنشرها الصحف عندنا لربما تعطي الانطباع لأعدائنا بأننا مغمورون بالمشاكل . إن صحفنا ناقدة أحيانا بشدة وحتى أنا لا اسلم من هذا النقد . لم تجرؤ الصحف على نقد ستالين مطلقا وعلاوة على ذلك لم يقم ستالين بزيارات ميدانية للمواقع والأقاليم والجمهوريات . كذلك فإن تم توجيه نقد إلي فإني أتقبله بصفتي رئيس اللجنة المركزية للحزب واني اعمل بموجب توجيهات الحزب وهكذا فإن لم يكن عملي منسجما مع هذه التعليمات فحتما سيكون هناك نقد بشأني صادر من اللجنة المركزية والصحافة . على العموم فإن أي عضو في الحزب لا يعمل بموجب هذه التوجيهات يوجه له الإنذار وان لم يمتثل يوجه له النقد في الصحف ، وان لم يستجب يفصل من الحزب . هو ذا جوهر مبادئ حزبنا : إن الاسترسال في الغلط يفاقم المشكلة ويجعلها كبيرة بمرور الزمن فتصبح مثل قبور أوكرانيا وهي حينما يدفن ميت في أوكرانيا يلقي كل شخص حفنة تراب على القبر ، وحفنة على حفنة وإذا هناك قد تكون تل على القبر. والكلام ينطبق أكثر ما ينطبق على ستالين الذي تماديه في الأغلاط لم يؤد إلى تكوين تل بل جبل ونحن الآن في الحزب نعمل على إزالة هذا الجبل .



رونلــــد ريكـــــان

نشرت إحدى الجرائد علي صفحتها الأولى في بداية حزيران 2004 نبأ وفاة رونلد ريكان الرئيس والممثل السينمائي الأمريكي السابق وذكرت أن له ابنة اسمها مورين من زوجته نانسي . في الحقيقة أن مورين هي من زواجه الأول من الممثلة جين وايمن الحائزة على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم جوني بيلندا وكان آخر أدوارها في مسلسل دينستي التلفزيوني ، وفيما يلي بقية القصة .

أبان الأربعينات كان الزوجان روني وجين أكثر الناس ظهورا معاً في المجتمع الهوليوودي . كانت تبدو عليهما الثقة الزوجية وهي شيء نادر في تلك الأوساط ، ولم يكن يبدو عليهما آثار مناكدة زوجية بسبب من يطفئ الضوء الليلة السابقة . وهكذا فان طلاقهما سنة 1949 هز ركيزة ما تبقى من أخلاقيات مدينة نجوم السينما . بعد أن استرجع الناس أنفاسهم من هول صدمة الخبر اخذ يظهر للعيان بعض ما خفي من الأمور فلقد تبين أن الغيرة والاستياء المتبادل كانا وراء الحدث . في سنة 1948 اسر ريكان لصحفية هوليوود الكبرى هيدا هوبر قائلا لها : " إن انتهى أمرنا بالطلاق فاني أعزو السبب إلى فلم جوني بيلندا ، وكان هذا هو فلم سنة 1948 الذي مثلت فيه جين وايمن دور فتاة خرساء طرشاء حازت فيه على الأوسكار ، بينما كان روني يمثل أدوارا سينمائية تعوّد فيها على الاستدارة بشكل فني أمام الكاميرا كي تلتقط له صورا جيدة جميلة للبدلة التي كان يمثل دوره فيها . كان روني ممثلا مغمورا تدخَّل في السياسة فأصبح حاكما لولاية كاليفورنيا . في احد الأيام وهو جالس مع زوجته الثانية نانسي في مزرعته وكان مدعو عندهم للعشاء بعض الأصدقاء من جملتهم أحد أخوة نانسي الذي قال وهو يرشف شفطة من عصيره المفضل : " لماذا لا ترشح للرئاسة يا روني العزيز ؟ " وهكذا رشح للرئاسة وفاز وأعيد انتخابه . كان من جملة منجزاته مشروع الريكونومكس في الاقتصاد إلا أن أهم دور تاريخي له هو انه أول من مهد الطريق لسقوط النظام الشيوعي .

بعد أيام من حصول جين وايمن على الأوسكار خرج الزوجان لتناول العشاء في احد المطاعم . بعد الجلوس إلى الطاولة وقيام النادل بتسجيل طلبيات جين وايمن ، استدار إلى ريكان وقال له بمزيج من المزاح الماكر : " وماذا يطلب السيد وايمن ؟ " وكانت هذه هي بداية إحساس روني بالغيرة من زوجته بسبب حصولها على الأوسكار ومن ثم شهرتها بينما هو ممثل مغمور. كان أشهر دور مثله هو في فيلم " طابور الملوك " إخراج سام وود سنة 1942 ، يمثل فيه دور شخص يسقط أمام القطار ويفقد رجليه وحين يستفيق في المستشفى وينظر إلى جسمه ، يقول : " أين بقيتي ؟ " لقد أعجبه هذا الدور لدرجة انه احتفظ بنسخة من الفيلم في منزله وكان يفرج عليه الضيوف بعد كل حفلة عشاء لدرجة ضاقت جين ذرعا بهذا العمل . في المحكمة حينما سألها القاضي عن سبب الطلاق لم تذكر مسألة الفيلم بل ذكرت السبب هو انكباب زوجها على العمل السياسي .

وبعد الطلاق تم تعيين ريكان رئيساً لنقابة الممثلين . في إحدى المرات قامت نانسي (اسمها الأصلي آن فرانسس روبنز) بمراجعة النقابة فالتقيا وأحسا بالانسجام إلا أن من المفارقات الغريبة كانت نانسي مشبوهة على أساس أنها شيوعية بسبب التباس اسمها باسم امرأة أخرى . لكي يثبت ريكان أن هذه هي ليست المشبوهة الشيوعية ، اخذ يخرج معها إلى المطاعم والمحافل الاجتماعية وتزوجها في الأخير سنة 1953 . كانت نانسي قومية أصولية في آرائها ، رفعت لدى ريكان حدة تعصبه القومي كما وأنها كانت صارمة تجاه الشواذ وهي التي جعلت زوجها يطهر جهازه الإداري منهم فلقد قام بفصل اثنين منهما من الخدمة في مكتبه الخاص كحاكم لولاية كاليفورنيا . كانت نانسي قد ورثت هذا التعصب ضد الأقليات من زوج أمها . في احد المحافل التي حضرتها نانسي ابتهجت بمنظر الحاضرين لدرجة هرعت وتحدثت إلى زوجها بالهاتف وهي تقول : " تعال تفرج علي كل هؤلاء البيض الجميلين " .