الشخصيات
أولا : السياسيون
الزعيم تومون ( بدران)
الزعيم تومون (بدران) زعيم قبائل الشايان اشترك في معركة لتل بك هورن التاريخية الشهيرة في مونتانا عام 1876 ضد الجنرال المعروف كستر وهو يقود الفرقة السابعة للجيش في خطة لتطويق وإشغال الهنود الحمر تحت قيادة زعيم قبائل السو الزعيم الشهير ستنك بل ( الثور الجالس ) . يوم 25 تموز(يوليو) قامت قوات تابعة لكستر تحت إمرة المقدم رينو بعبور نهر لتل بك هورن وهاجمت المعسكر الهندي في الوادي لكنها أجبرت على الانسحاب ، وكستر نفسه الذي قاد سرية للهجوم على المعسكر من طريق آخر تفاجأ بهجوم عليه وعلى قواته وحوصر بأعداد هائلة من الهنود الذين قتلوا كستر وأفراد قواته عن بكرة أبيهم . وهناك روايات متواترة عن كيف مات كستر .
وهنا الزعيم بدران الذي كان شاهد عيان في هذه المعركة الفاصلة يروى القصة كاملة لهاملن كارلند . يقول كارلند : حينما اعتلينا الوادي الساخن اليابس أشار وولف فويس ( صوت الذئب ) وهو مترجمي الشاياني بأصبعه نحو كوخ طين وقال :" بيت بدران" وحينما اقتربنا رأينا بطانيتين منشورتين على الحبل وفلاحين يحصدان بالمنجل ومجموعة أطفال يلعبون وكان المنظر برمته يدل على الفقر . ونحن نهم بالدخول طلع علينا بدران وقد فتح ذراعيه مرحبا وبعدها سحب البطانيتين من علي الحبل ووضعهما على الأرض ودعانا للجلوس . لم يسبق لي بأن أحسست بان أحدا كان قد رحب بقومي بهكذا حرارة . وبعدا ن جلسنا قدم لنا التبغ والغلاوين .
على الرغم من أن الزعيم بدران كان قد بلغ من العمر عتيا ، كان منتصب القامة نشط الحركة وحاضر الذهن يمشي بانضباط وهمة عسكرية عريض المنكبين وبابتسامة عريضة وبأخلاق راقية . بينما هو يُعمِّر غليونه تحدثت إليه عبر المترجم صوت الذئب فقلت وكان صوت الذئب يترجم : " زعيم بدران ، لقد جئت اسمع منك قصة معركة كستر لأني سمعت انك اشتركت بها " . استجاب الزعيم بدران بكلمات : " آي ، آآه ، هووه " وهي تعني الموافقة بلغة السو ، تحدث الزعيم بدران قائلا : ذاك الربيع عام (1876) كنت معسكرا في منطقة نهر باودر مع 50 من أتباعي كان المكان هو الموقع الحالي لقلعة راكيني ، وفوجئنا صباح احد الأيام بهجوم يقوده أبو ثلاثة أصابع العقيد مكنزي ، وهربنا حتى نزلنا عند الزعيم كريزي هورس ( الحصان المجنون ) وكان سنتك بل معسكرا بالقرب من هناك ، قلت لكريزي هورس : " دعنا نحارب ، لقد قتلوا قومنا وسرقوا جيادنا وشردونا " . وافق الزعيم العظيم .
وفي أيار(مايو) بدأنا المعركة الأولى ضد الجنرال كروك وقتل الكثير من الجيش وعدد صغير من الهنود ، وبعد بضعة أيام جاءنا طارش من سنتك بل يقول : " اصبغوا وجوهكم واستعدوا لحرب كبرى". أعددنا العدة وتجمعنا مع فرسان قبائل السو وحسب الخطة تفرقنا وفي الأخير عملنا حلقة وهجمنا ، وأصلاً كانت المعركة قائمة بقيادة كريزي هورس وسنتك بل ، وكانت هناك لعلعة رصاص وحفيف سهام منطلقة وكنا نمتطي جيادنا بسرعة فائقة . لقد كان الموقف برمته وكأنه دبكة على أشدها على صوت الطبول والصياح ، وكان الجنود يسقطون وهناك فجأة ظهر فارس بينهم يصيح وهو على صهوة فرس بلون بني ضارب للحمرة . لم أتبين من كان هذا الفارس ، وبين الحابل والنابل والجنود يتساقطون موتى بالعشرات ، وكان من جملة من سقطوا هو أبو شعر الطويل كستر. وبعد المعركة أتينا إلى موقع سقوطه وكان جثة هامدة ، لم نسلخ فروة رأسه لأننا اعتبرناه رجلا شجاعا . أحصينا الجثث بأكملها وكان المجموع 388 من بينهم 39 من السو و7 شايان والبقية جماعة كستر .
كــــارل مــاركس
بدأ كارل ماركس (1818 – 1883) الفيلسوف السياسي والاجتماعي حياته المهنية كمحرر صحفي في مدينة كولون بألمانيا ، وحينما أغلقت صحيفته لأسباب سياسية ذهب إلى باريس حيث أسس صحيفة أخرى إلاّ أنها أُغلقت . وفي الأخير استقر في لندن حيث كتب أهم كتبه وعلى رأسها رأس المال سنة 1867 ، ولقد قابله في لندن مراسل صحيفة العالم في نيويورك ، ر. لاندور وجرت المقابلة بحضور زميل ماركس وهو أنجلز . لم ينم أسلوب معيشة ماركس ولا سلوكه العادي عن أي معتقد اشتراكي ويبدو انه كتب رأس المال لغرض تزجية وقت الفراغ ليس إلاّ ، ودعوة ماركس للشيوعية وهي دعوة حملها البعض محمل الجد كانت بالنسبة لماركس نوعا من الترف الفكري والفلسفي .
لاندور : نظرتك في حركة نقابة عالمية يكتنفها بعض الغموض ، وهي في ناحية أخرى مخيفة .
ماركس ( ضاحكا مليء شدقيه ) : لا يوجد هناك غموض على الإطلاق يا سيدي العزيز ، اللهم إلا الغموض الذي يكتنف غباء البشر في فهم أن الحركة هي عالمية ومعلنة الأهداف وهي مطبوعة ومنشورة وجاهزة للاطلاع عليها من قبل أي شخص في العالم .
لاندور : ما فحوى هذه الحركة ؟
ماركس : حسبك آن تنظر إلى الأفراد الذين تتألف منهم الحركة – عمال .
لاندور : نعم لكن الجندي بحاجة ليكون جزءاً من آلة الدولة ، أني اعرف بعض أعضاء حركتكم وهم على جانب كبير من الطيب وطبعا سر يشترك فيه مليون إنسان لا يعود يبقى سراً ، ولكن ماذا يحدث لو تسلم مقاليد الأمور مجلس إدارة سيء ؟
ماركس : هذا غير ممكن .
لاندور : ولكن حدث شيء من هذا القبيل في باريس .
ماركس : كانت هذه مؤامرة قامت بها الماسونية ، وان حركتنا هي ليست حكومة بالشكل التقليدي ، أنها اتحاد أكثر مما هي سلطة .
لاندور : اتحاد لأي غرض ؟
ماركس : التحرير الاقتصادي للطبقة العاملة عن طريق قهر السلطة السياسية ، وإحلال سلطة سياسية جديدة مختلفة تماما تحقق الأهداف الاجتماعية ، وهكذا من الضروري أن تكون أهدافنا شاملة لتشمل كل نوع من النشاط العمالي . فنحن نريد أن نخلق شخصية جديدة للطبقة العاملة وان نجعل لعمال العالم صوتا واحداً ، ومن ناحية أخرى فإن حركتنا لا تفرض شكل الأنشطة السياسية ، إنها وحسب تناصر الطبقة العمالية في تحقيق أهدافها وان ظروف العمال تختلف من بلد لآخر ، فمثلا حيثياّت وتفاصيل ظروف عمال مدينة نيوكاسل في انكلترة تختلف عن ظروف مدينة برشلونة في البرتغال ، والشيء نفسه يصدق على سائر المدن والبلدان وهكذا فإن حلول المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها هي بيد الطبقة العاملة في تلك المدينة أو ذلك البلد ، وإن حركتنا لا تملي على الآخرين قراراتها أنها فقط تتعاطف وتتعاون معهم وتساندهم ولأضرب لك مثالا على ذلك .
إن احد أساليب الحركة في التحرر الاقتصادي هو الإضراب . في السابق حينما كان يحدث إضراب عمالي كانت الدولة تجلب أيدي عاملة من الخارج . لقد قامت حركتنا بإيقاف هذه الممارسة تقريبا . تصل الحركة معلومات عن إضراب ما ثم تنشر الخبر بين صفوف العمال من أعضاءها ، ومن ثم تقوم الحركة بمناصرة الإضراب ، وفي حالة فشله وتعرض بعض العمال لعقوبة الطرد من وظائفهم فإن الحركة تقوم بمساعدتهم مالياً لحين أن يجدوا عملاً جديداً ، لكن من ناحية أخرى ، العديد من الإضرابات تنجح فمثلاً إضراب عمال السكاير في برشلونة نجح وحقق مطالبة .
دعني اختصر لك الموقف بجملة أو جملتين : تبقى الطبقة العاملة على حالها من الفاقة والعوز والحرمان بينما تزداد وتكبر ثروة أرباب العمل وبالتالي فإن العوز المادي لدى الطبقة العاملة يؤدي إلى إعاقتها من الناحية المادية والمعنوية كما وان الطبقة العاملة لا تعتمد على الآخرين في حل مشكلاتها وهكذا يصبح من الضروري أن تقوم هي بنفسها الحصول على حقوقها . عليها أن تعيد النظر في علاقتها مع أرباب العمل ومع المُلاّك والرأسماليين ، أي بكلام آخر عليها تغيير المجتمع . هو ذا الهدف العام لكل المنظمات العمالية والاتحادات الفلاحية والجمعيات التجارية والتعاونية . تهدف حركتنا لتحقيق التضامن مع هكذا مؤسسات وما بين هذه المؤسسات نفسها ، ولقد أخذت آثار هذا التضامن تتضح فهناك عدة صحف يومية تصدر في اسبانيا ، ا لنمسا ، هولندة ، بلجيكا وسويسرا وكلها تعبر عن توجهات عمالية . إن محور نشاطنا في الحاضر هو في أوروبا ولحد الآن لم ينفتح المجال لحركتنا أن تنشط في الولايات المتحدة ولكني أتوقع أنها سرعان ما ستنتشر هناك .
هتلــــــــر
ولد أدولف هتلر (1889 – 1945) الدكتاتور الألماني في النمسا وهو ابن موظف جمارك غيّر اسمه إلى هتلر من شكلكلوبر . كان لأدولف الشاب طموح مبكر في أن يصبح فناناً أو معمارياً لكن لم يتحقق طموحه لعدم كفاية مؤهلاته الدراسية . عاش بضع سنوات في فيينا واشتغل في عدة أعمال مختلفة وكان يكره اليهود وقيادات النقابات العمالية. انتقل إلى ميونخ عام 1913 كي لا يؤدي الخدمة العسكرية ولكن حين اندلعت الحرب في السنة التالية انخرط في صفوف الجيش البافاري .
بعد أن ترقى إلى رتبة نائب عريف أُنعم عليه بالوسام الحديدي ( من الدرجة الأولى ) على شجاعته كمراسل ، وعند نهاية الحرب كان قد أصيب بعدة جروح كما وانه أصيب بعمى مؤقت نتيجة تعرضه لقنابل الغاز. بإحساسه بالمرارة جراء اندحار بلده ، وهذه مسألة عزاها إلى اليهود والاشتراكيين ، انتمى إلى احد الأحزاب وسرعان ما أصبح رئيساً له وأعاد تسميته باسم حزب العمال الاشتراكي الألماني ( النازي ) . في سنة 1923 شارك في حادثة شغب حانات البيرة في ميونخ وكانت هذه الحادثة بمثابة محاولة انقلابية على الحكومة الجمهورية في بافاريا ، ولقد تصدت الشرطة بالأسلحة الرشاشة للمشاغبين النازيين والقي القبض على هتلر وأودع السجن لمدة تسعة أشهر ألف أثناءها كتابة الشهير كفاحي وهو سيرة حياته السياسية .
بعد إطلاق سراحه بدأ باستمالة الناس للانضمام إلى الحزب النازي ، وعلى خلفية الانهيار الاقتصادي في العالم ، استغل هتلر قابليته على فهم النفسية الجمعية للجماهير وعقده الخوف من اليهود ( الذي كان هو نفسه يعاني منها ) والبراعة في استخدام الدعاية ، استطاع أن يؤسس تحالفا يتكون من العمال والصناعيين والممولين . خسر في الانتخابات الرئاسية سنة 1932 إلا أن غريمه في السباق الانتخابي بول فون هندربرك جعله مستشارا في كانون الثاني (يناير) 1933 ، وفي غضون بضعة أسابيع من حكمه وقع حادث حريق رايخشتاك وأنحى باللائمة على الشيوعيين . في الانتخابات العامة التالية ارهب النازيون الأحزاب الأخرى مما أدى إلى فوزهم ، ومن تلك النقطة اخذ هتلر يصعد شيئاً فشيئاً لحين أصبح زعيماً مطلقاً مستخدماً حرسه الخاص في تصفية وتطهير المناوئين للنازية وكان ذلك سنة 1932 . ثم بدأ يعيد تسليح ألمانيا ويمارس سياسة خارجية تسلطية عدوانية واستعاد بذلك إقليم راينلد وضم النمسا إلى ألمانيا وغزا جيكوسلوفاكيا ، وأدى هجومه على بولندة إلى الحرب العالمية الثانية . انتحر هو وعشيقته ايفا براون (التي تزوجها في الساعة الأخيرة من حياتهما) سنة 1945 حينما كانت القوات الروسية في سبيلها إلى مخبئه.
قام الصحفي سلستر فايريك بمقابلة هتلر في تموز(يوليو) 1932 والحقيقة هي ليست مقابلة صحفية بقدر ما هي خطبة ألقاها هتلر هكذا :
" حين استلم مقاليد الحكم في ألمانيا سوف اقضي على الرأسمالية في الخارج وعلى الحركة البلشفية في الداخل " .
هكذا تكلم أدولف هتلر ثم أتى على آخر ما كان في قدحه وكأنما لم يكن يوجد في القدح شاي إنما دم بلشفي ، ثم استمر قائلا :
" البلشفية هي منبع الخطر بالنسبة لنا ، أقض علي البلشفية في ألمانيا وسوف تنقذ سبعين مليونا من الناس وتمنحهم القوة " .
حين أعلن هتلر برنامجه السياسي وهو باسم " الإمبراطورية الثالثة " كان يفوز بالانتخابات الواحد تلو الأخر وكان نفوذه يزداد . انتهت الإمبراطورية الألمانية الأولى حينما أجبر نابليون الإمبراطور النمساوي على تسليم تاجه الإمبراطوري وانتهت الإمبراطورية الثانية حينما لجأ فيلهلم الثاني إلى هولندا ، والآن جاء دور الإمبراطورية الثالثة على يد هتلر.
حين سألت هتلر " لماذا تطلق على حزبك تسمية الحزب الوطني الاشتراكي بينما أنت ضد البلشفية والشيوعية والاشتراكية ؟ " نظر إلى شزراً وقال : " الاشتراكية هي علم التعامل مع العامة والخير العام . ليست الشيوعية اشتراكية . وليست الماركسية اشتراكية . لقد سرق الماركسيون التعبير وشوهوا معناه ، سوف انتزع الاشتراكية من الاشتراكيين . إن الاشتراكية هي مؤسسة آرية جرمانية قديمة وكان لأسلافنا الجرمان أراضي مشتركة فيما بينهم وكانوا يعملون معاً بشكل جماعي للصالح العام وليس من حق الماركسية أن تتخفى وراء قناع الاشتراكية . بخلاف الماركسية ، لا تسلب الاشتراكية ممتلكات الناس ولا تلغي الشخصية الفردية وهي وطنية . كان من الممكن أن نطلق على أنفسنا تسمية حزب الأحرار لكن فضلنا تسمية الحزب الوطني الاشتراكي ، لأننا وطنيون قوميون ولسنا عالميون منفلتون واشتراكيتنا وطنية خاصة بوطننا ونحن نسعى لتقوم الدولة بتحقيق المطالب العادلة للطبقة المنتجة وعلى أساس تضامن الشعوب وبالنسبة لنا الدولة والشعب هما الشيء نفسه " .
سيخبرك من سبق له وان قابل هتلر بأن هتلر هو شخص بمنتهى الوداعة والود والتواضع . هذا صحيح ، لكن من ناحية أخرى ، لم يسبق لشخص بهدوئه ولطفه وان قاد سفينة البلد في مياه أكثر خطورة ، وما سبق لأحد أن قطع أعناق غرمائه السياسيين بشكل أبشع .
سألته : " ما هي أسس خطابك من على منبرك إلى العالم ؟ " أجابني : " نحن نؤمن بعقل سليم وجسم سليم ، وعليه فإن الصحة البدنية والصحة الأخلاقية هما شيء واحد". قلت له : " إن موسليني سبق له وان قال نفس الشيء ". وهنا التمع وجهه وقال : " إن السكن السيئ هو المسؤول عن تسعة أعشار مشكلة الحرمان وان الإدمان على الكحول هو المسؤول عن العُشر المتبقي . عمادنا الأساسي هو العمال ومن بعدهم الفلاحون . يجب أن نوفر للجميع سكناً صالحاً للمعيشة وأجواء صالحة للعمل . نحن أمة خرجت لتوها من الحرب وهي محترقة ، وعلينا أن نعيد بناءها قبل أن ينجذب الناس إلى أفكار وسلوكيات تؤدي بالأمة إلى الانهيار التام . لهذا السبب قام حزبنا ، لأبعاد الأمة عن الأفكار الدخيلة وعن الغرباء . كذلك لا مجال فيها للتبذير أو الاستغلال أو الكسل".
كان هتلر وهو يتحدث يسير بخطى عسكرية وصوته يملأ فضاء الغرفة . صدرت ثمة جلبة قرب الباب ، كان السبب بذلك أفراد حرسه الشخصي الذين كانوا يبقون قرب الباب . دخل احدهم ليذكر هتلر بأنه قد حان موعد إلقاء كلمة في احد الاجتماعات .
مـــوســـولينـــي
ولد بينيتو موسوليني (1883 – 1945) الدكتاتور الايطالي في إقليم روماجنا وهو ابن حداد . اسم أسرته مشتق من كلمة موزلين التي هي اللفظة الأوروبية لأسم مدينة الموصل بالعراق إذ كانت الموصل شهيرة بإنتاج قماش الموزلين وتصدره إلى دول العالم وكانت أسرة موسيليني تستورد هذا القماش وسميت اثر ذلك بموسليني ( بالأحرى يستوجب أن يكون لفظها : موصليني ) . بدأ بنيتو موسيليني ( موصلي ) حياته العملية كصحفي ومن ثم في سنة 1921 أسس الحزب الفاشي . في سنة 1928 صار لقبه " الدوجي" ، أي الزعيم ، وسرعان ما أصبح رئيساً للحكومة الايطالية . كانت سياسته الخارجية عدوانية وتوسعية وقام مع هتلر بتأسيس المحور بالاشتراك مع فرانكو رئيس اسبانيا . وفي إثناء الحرب العالمية الثانية كانت ايطاليا تحارب جنباً إلى جنب مع ألمانيا ضد الحلفاء . في 1845 سقطت ايطاليا ودخل على مكتب موسوليني رجال المقاومة الايطالية الذين قاموا بإعدامه رمياً بالرصاص فيما بعد .
جرت الأحاديث التالية في قصر فينيسيا في العاصمة الايطالية روما في الفترة الواقعة بين 23 آذار(مارس)–4 نيسان(ابريل) 1932 ومن المصادفة أن موسوليني نفسه كان صحفياً قام بإجراء العديد من المقابلات مع السياسيين .
كان السؤال الأول في المقابلة " هل قرأت كتاب ميكافيلي الأمير في فترة مبكرة من عمرك ؟ " أجاب موسوليني " كان والدي يقرأ الكتاب في المساء بصوت عال بينما كنا صغاراً ندفئ أجسادنا تحت اللحاف والبطانيات ولقد ترك الكتاب أثراً عميقاً في نفسي وحينما أعدت قراءته وأنا في سن الأربعين تجدد التأثير وأصبح أكثر عمقاً " .
" ما رأيك بنابليون وهل تعتقد أنه كان ميكافيليا ؟ " أجاب موسوليني : " ليس نابليون مثالاً اقتدى به ، على العكس ، كانت أعماله تناقض ما أؤمن به فهو أخمد ثورة بينما أنا أدعو إلى ثورة ولقد أرتكب عدة أخطاء فهو كان ديكتاتوراً وناهض البابا كما وانه كان جاهلاً في الأمور المالية والاقتصادية ولم يهتم إلا بانتصاراته وأمجاده ".
" يقال أن انكلترة هي التي كسرته ، يقال أنه تحطم على صخرة الشاطئ الانكليزي" ، أجاب موسوليني : " هراء ، لقد سقط بسبب أخطاءه وهذه الأخطاء هي السبب في سقوط كل الرجال ومن أخطاءه كان طموحه إذ نصب نفسه إمبراطورا ، و حتى بتهوفن نفسه امتعض من هذا الإجراء فقام وسحب إهداء السيمفونية الثالثة المسماة البطولة إذ كان قد ألفها وأهداها إلى نابليون . قارن نابليون مع اوليفر كرومويل قائد الثورة الانكليزية في القرن السابع عشر ، كان كرومويل ناجحاً لأنه آمن بالقوة المطلقة للدولة من دون حروب ، إن قوة أي دولة إنما هي نتيجة عوامل عديدة ليس بالضرورة أن يكون أي منها عامل عسكري ".
" قُلتَ ذات مرة : " نحن أقوياء لأننا بدون أصدقاء ". " لم يجب موسوليني على السؤال ولكن بدا على محياه شيء غريباً ، شيء ينم عن الكثير من الطفولة ، ويبدو أن السؤال أثاره في أعماقه ، ثم أجاب بهدوء لكن تحت هذا الهدوء كان الكثير من المرارة ، قال : " لا استطيع مصادقة احد ، لا يوجد لدى أصدقاء ، السبب الأول هو مزاجي ، وثانيا بسبب نظرتي للناس ، ولهذا فأنا أتفادى العلاقات الحميمة مع الآخرين ، وكذلك التحدث إليهم وان صادف وزارني صديق قديم يضايقنا الحديث وهكذا ننتفض عن بعضنا بسرعة ، وهكذا فحين أريد سماع أخبار أصدقائي القدامى فاني افعل ذلك عن بعد ".
" ماذا تفعل لو أن احد أصدقائك انقلب ضدك وأصبح عدوك ؟ "
" إن فعل ذلك بيني وبينه فاني أهمله إلا انه لو جهر بآرائه على الملأ فاني أحاربه ، فعلى سبيل المثال حين شَهَّر بي احدهم من أني قمت بسرقة الخزينة فإن هذا الأمر أزعجني جدا وانقلبت إلى كاره للبشر. إن اعز أصدقائي مكانهم في أعماق قلبي ولكن على العموم أبقيهم على بعد عني . وهم لا يسيئون لي علنا وكذلك فهم لا يبغون منفعة أو مصلحة شخصية مني ويقومون بزيارتي في مناسبات نادرة ولمجرد إلقاء التحية والسؤال عن الصحة والحال ليس إلا . دعني أقول لك أني أعاني من الوحدة وبنفس الدرجة حينما كنت في السجن . هذا هو قدري أن أكون وحيدا ، وأنا محروم من الاختلاط بالناس على سجيتي . لكن من ناحية أخرى أنا منسجم مع وحدتي وعزلتي . لا أتوقع الكثير من وضعي الحالي لكن أملي هو بالمستقبل ".
ستـــــاليــــن
ظهرت هذه المقابلة تحت عنوان " محادثة بين ستالين وويلز". قام الأديب الروائي الانكليزي هـ .ج ويلز بزيارة ستالين في سفرته الثانية لروسيا. يعطي ويلز الانطباع بأن ستالين كان شديد التعصب والتمركز على ذاته في أفكاره وهذا ما أثار حفيظة برنارد شو الذي كتب في احد الصحف قائلاً : " يصغي ستالين إلى ويلز بانتباه وجد ، بينما ويلز لا يصغى إلى ستالين ، إذ هو متلهف فقط لبدء الحديث حين يتوقف ستالين عن الكلام ". ويستمر برنارد شو قائلاً بأنه سبق له وان زار ستالين ووجده انه " مستمع من الدرجة الأولى بينما ويلز هو أسوأ مستمع في العالم ".
ويلز : إني بغاية الامتنان بأنك سمحت لي بمقابلتك يا سيد ستالين . كنت في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً ولقد أجريت محادثة طويلة مع الرئيس روزفلت الذي اخبرني عن خططه المستقبلة والآن أنا معك كي تخبرني عن خططك في تغيير العالم.
ستالين : ليس عندي الكثير منها .
ويلز : إني أطوف العالم وكفرد عادي ألاحظ ما يجرى حولي .
ستالين : إن أناس شهيرين مثل حضرتك هم ليسوا مجرد أفراد عاديين فأنت كونك كاتب وأديب لا ترى الأمور بمنظار عادي .
ويلز : أنا لا أدعي التواضع لكن المرحوم السيد لينين قال ذات مرة : " ينبغي علينا القيام بالعمل التجاري ، ينبغي علينا أن نتعلم من الرأسماليين " فما الذي تقومون به حالياً ؟
ستالين : تسعى الولايات المتحدة وراء هدف مغاير لما نقوم به . يسعى الأمريكان لمعالجة مشكلة نجمت عن الانهيار الاقتصادي . هم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه جراء كارثة حلت بالنظام الرأسمالي . وحتى لو نجحوا في تخطي هذه الكارثة فهم لن يعالجوا المشكلة من جذورها . هكذا سيبقى الخطر محيق بهم ، بينما نحن هنا عالجنا المشكلة جذرياً ، نحن فعلنا هذا حسب تخطيط منهجي مضمون حتى النهاية .
نحن لا تتهددنا البطالة . إني أشيد بالسيد روزفلت كرئيس كبير وإداري عظيم ولقد علمت بأنه يحاول الاستنارة ببعض الأفكار التي تنم عن العدالة الاجتماعية والتي تحاول الاقتراب من الاشتراكية لكن دعني أخبرك بأن طريقته البطيئة في هذا المضمار ، طريقة الخطوة خطوة لن تجديه فتيلاً ، أنها الطريقة الانكلوسكسونية التقليدية . إن الدولة الرأسمالية لا تتعامل مع الاقتصاد بشكل حازم بات : وهكذا فان الدولة تبقى في قبضة الاقتصاد وليس العكس . هكذا اعتقد أن السيد روزفلت لن ينجح في خطته طالما الوضع الاقتصادي هو كما ذكرت لتوي .
ويلز : لربما أني أؤمن أكثر منك بالتفسير الاقتصادي للسياسة وعليه بإمكاني القول بأن الاشتراكية يجب أن لا تتناقض مع الحرية الفردية .
ستالين : أشاطرك الرأي ، يجب أن لا يكون هناك تناقض بين الفرد والاشتراكية ، بين الفرد والجماعة ، بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة . لقد نجح روزفلت في التوفيق بين المصالح لكن بشكل محدود ووجل وأنت تعرف الموقف في الولايات المتحدة أحسن مني لأنه لم يسبق لي زيارة البلد لكني أراقب الوضع حسبما يصلني من أدبيات واني استشف لو أن روزفلت حاول تلبية احتياجات الفقراء بأخذه الأموال من الأغنياء فإن الرأسماليين سينصّبوا رئيساً بدلاً منه وسيقولوا : رئيس يأتي ورئيس يذهب أما نحن فباقون للنهاية وان لم يحافظ هذا الرئيس على مصالحنا سوف نجد رئيساً آخر أو نضعه بدلاً منه .
ويلز : إني ارفض هذا التبسيط في تقسيم البشرية على طبقتين : فقراء وأغنياء .
ستالين: طبعاً ، هناك الطبقة الوسطى التي تتكون من الحرفيين والمهنيين والفنيين وهم أناس أخيار شرفاء بلا شك ولكن هناك بينهم الأشرار والمصلحيون والأنانيون والطماعون والمستغلون ، ولكن بشكل أساسي ، البشرية مقسمة إلى نوعين من الناس : المُلاّك والمعدمين ، المستغِّلين والمستغَّلين ، ويجب أن لا نتجاهل ولا ننكر الصراع بين الطبقتين الأساسيتين : الفقراء والأغنياء وهو صراع سيحسمه الفقراء لصالحهم .
ويلز : حينما أعود للولايات المتحدة سأثير هذه المسألة من أجل النقاش كما وسأناقشها هنا مع السيد ماكسيم كوركي كما وسأثير السلبيات الرأسمالية وقضية التعبير الحر .
ستالين : هذه المسألة نسميها نحن معشر البلاشفة بالنقد الذاتي وهي مطبقة على نطاق واسع في الاتحاد السوفيتي .
غــــــانــــــدي
ولد المهاتما مهندس كرماتشاند غاندي (1869 – 1948) في كوجارات غربي الهندي ، وفي مقتبل حياته المهنية عمل محامياً في لندن وبعد ذلك ذهب إلى جنوب أفريقيا حيث أصبح ناشطاً سياسياً وبعدها عاد لبلاده كزعيم سياسي يمارس سياسة المقاومة بطريقة اللاعنف . اغتاله أحد المتطرفين ، ولدى انتشار الخبر في العالم قال برنارد شو " هذا ما يحدث للناس الطيبين في عالمنا ". ألقى غاندي بهذا الحديث على مجلس الأمة ونشره مراسل صحيفة " هارجان " يوم 4 أبريل 1946 . يذكر هذا المراسل الذي اسمه هنري نويل بريلسفورد انه حينما كان في مدينة بونا كان غاندي مودعاً في سجنها المركزي ولم يُسمح له بمقابلته . كانت المدينة كئيبة بسبب الإضراب العام ، إما اليوم فالمدينة قد اكتست بحلة قشيبة بسبب احتفالات مهرجان الربيع وكان غاندي بدوره مبتهجاً سيما وان رئيس الوزارة البريطانية السيد آتلي كان قد مهد الطريق لتحرير الهند .
بعدها توجه غاندي لإلقاء كلمة في مجلس الأمة ، وقال : " انصح الانكليز أن يكونوا براهمة وليس بقالين كما وصفهم نابليون ، والبقال تاجر صغير يسعى وراء الربح المادي الصغير بينما البرهمي شخص يسعى وراء الإرباح الطائلة التي يجنيها من القيم المعنوية للحياة . لقد وصف احد الروائيين من مدينة كوجارات الانكليز بأنهم مزيج من الجنود والبراهمة . كان وصفاً لطيفاً لكنه ليس عين الصواب لأن على الانكليز أن يطوروا بداخلهم أكثر الروح البرهمية إذ أن الجندي الانكليزي ما يزال تفكيره تجاريا مثل تفكير أي بقال وهو بذلك يخفق في الوصول إلى أعلى مراتب الشجاعة . مع ذلك ما زلت آمل أن يتجاوب الانكليز مع روح اللاعنف في الهند وبصفتي مؤسس سياسة اللاعنف فاني خير من يعرف معنى هذه السياسة ومردودها الجيد على العالم جميعا . أن سياسة اللاعنف هي أجمل وأروع ما في الوجود واني أحس بأن المسؤولية تقع على عاتقي في أن الفت انتباه الانكليز كي يصبحوا براهمة وان يقلعوا عن عادة البقالة ، وان استطعنا نحن وهم في السمو إلى هذه المنزلة من القيم الأخلاقية الروحية وتعالينا على السفاسف المادية والتجارية فلن يهددنا ثمة خطر. إن الاستقلال في طريقه إلينا لا ريب ، سيأتي إلينا محمولاً على الهواء المتنقل بحرية وهكذا دعونا لا نزايد عليه كسلعة في السوق بل كمثل أعلى في ضمائرنا ".
وفي معرض إجابته على سؤال فيما إن كان بعد المصادقة على الاستقلال ستتم مناقشة مسألة الحلف الدفاعي حسب معاهدة ، أجاب غاندي : " أن أَحست الهند ببهجة الاستقلال فإنها لا شك ستدخل في هكذا معاهدة بمحض إرادتها وهكذا ستمتد الصداقة الهندية – البريطانية إلى القوى الأخرى حيث سيعم التوازن في العلاقات بين الأمم واني لكي أرى هذا الشيء يتحقق يتعين على أن أعيش 125 سنة ".
كما وأعرب عن أمله في قيام معاهدة تجارية تعود بالمصلحة على الطرفين : الهند وبريطانيا ، وحينما تحدثنا عن الباكستان قال غاندي بأنه إن لم تنجح المساعي لحل المشكلة فإنه على استعداد لعرض الأمر على التحكيم الدولي ، واختتم كلامه بالقول : " إن الشدائد هي التي تصنع الرجال ".
ولقد خرجت بإحساس باني كنت أتحدث إلى رجل شجاع يتحلى بالقدر الكافي من الشجاعة التي تؤهله للإيمان بان المجتمع الإنساني لا يقوم إلا على أساس المبادئ الأخلاقية وفي خضم تناحراتنا العسكرية يقف هو عاليا شامخا وهو يردد بأيمان راسخ بان من الممكن العيش بأمان فقط حينما يتعلم الناس التعامل فيما بينهم كأنهم أخوة ولا توجد طريقة غير هذه .
مــاو تســي تـــونــــك
ولد ماو تسي تونك (1893 – 1976) الرئيس المؤسس لجمهورية الصين الشعبية في إقليم هونان وهو ابن فلاح . تلقى ماو تعليمه في جامعة بكين حيث اكتشف ماركس . كان ماو من أوائل أعضاء الحزب الشيوعي في الصين وطبق الماركسية على الطبقة الفلاحية وخاض معارك المعارضة ضد الحكومة . في الأخير شكل ماو الجيش الأحمر الذي نجح في الاستيلاء على السلطة عام 1949 مما أدى إلى هرب زعيم البلاد جينج كاي شيك إلى الخارج . بدأ ماو تسي تونك برنامجه الاقتصادي في 1958 وفي نهاية الستينات أعلن الثورة الثقافية . بعد وفاته أصبحت الماوية حركة عالمية انجذب إليها الشباب خاصة في العالم الثالث . أجرى المقابلة الصحفية ادكار باركس سنة (1905 – 1971) وهو من مواليد مدينة كنساس بالولايات المتحدة وكان يعمل مراسلاً لصحيفة النجمة .
اخذ الزعيم ماو يتحدث عن مواضيع شملت على حد تعبيره " شان نان هاي بأي " أي : من جنوب الجبال إلى شمال البحر ، وعلى مدى رقعة مساحة الصين تمتد المزارع الغنية بمنتجاتها والمطاعم ذات الأسعار الزهيدة ومحلات الأجهزة الاستهلاكية والمعمرة بأسعار متهاودة إضافة إلى تطور علمي تمخض عنه قرقعة ذرية جعلت الزعيم السوفيتي خروشوف يفتح إذنه .
رحب بي المحارب ذو الاثنين وسبعين عاما في إحدى غرف قصر الشعب في بكين ووافق الزعيم على تصويرنا بالكاميرا السينمائية وبشكل غير رسمي وكانت هذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها على تصويره مع وسائل الإعلام الأجنبية بالكاميرا السينمائية . في الحقيقة ، كان قصده من وراء ذلك إثبات سلامة صحته بعد أن أشيع عنه انه مريض جدا . أثناء المحادثة كان بغاية الراحة والعافية والاسترخاء . هكذا تحدث الزعيم ماو : علمت أن رئيسكم السيد جون كيندي قد اطلع على مقالاتي في المقاومة الثورية والعمليات العسكرية الملازمة لها ، ولقد علمت من بعض الأصدقاء الجزائريين إبان صراعهم ضد فرنسا بأن الفرنسيين كانوا يقرأون مقالاتي ويطبقونها ضد الجزائريين . أخبرت رئيس الوزراء الجزائري عباس بأن كتاباتي كانت تعتمد على التجربة الصينية وهي تصلح للمقاومة ولا تصلح لقمع المقاومة حينما يتم الإعلان عن حروب تحرر الشعوب ضد المستعمرين وهي لا تصلح لشن الحرب على الشعوب الثائرة . وهكذا لم تسلم فرنسا من الهزيمة والاندحار في الجزائر ، كما وان جانك كاي شيك اندحر هو الآخر لأنه استخدم الأدبيات الشيوعية ضد المقاومة الشعبية .
وعلاوة على ذلك فنحن الصينيون قرأنا كتبا أمريكية عديدة ودعني أقول أن في جنوبي شرق آسيا وكذلك في الهند وبعض الدول الإفريقية وحتى في أمريكا اللاتينية يوجد هناك بعض الظروف الاجتماعية الشبيهة التي فجرت الثورة الصينية . لكل بلد مشاكله ، وهكذا فالحلول تتنوع حسب ظروف كل بلد ، لكن هذا لا يمنع أن تستفيد البلدان من تجارب البلدان الأخرى . كما وان هناك قاعدة ثابتة وهي انه متى ما كانت هناك ضغوط اقتصادية واجتماعية فلابد من الثورة .
إن الشباب الحالي ممن هم دون العشرين لم يخوضوا غمار حرب التحرير ولم يتعاملوا مع القوى الامبريالية والرأسمالية وهم لم يعيشوا في أيام النظام الاجتماعي السابق . إنهم يسمعون عن ذلك النظام من والديهم ولكن سماع التاريخ يختلف عن العيش فيه .
نحن منفتحون للاطلاع على الأنظمة الثورية في الدول الأخرى وأننا نبقى نتعاطف مع الثورة والثوار بغض النظر عن الأشخاص الذين ينحرفون عن الطريق السوي للثورة . فمثلا لم يكن خروشوف محبوبا في الصين لكن كتبه كانت تباع في مكتبات الصين بينما بعد سقوطه منعت كتبه من التداول في المكتبات الروسية ، واليوم بعد سقوط السيد خ . نحن في الصين نفتقده ، كمثال سلبي .
خــــروشـــوف
ولد نيكيتا سيرجيفج خروشوف (1894 – 1971) السياسي والزعيم السوفيتي في بلده كالينوفكا وعمل راعي غنم ثم حداد أقفال ومصلح مجاري وعامل في منجم فحم قبل أن ينضم للحزب الشيوعي عام 1918 . تسلم مقاليد حكم الاتحاد السوفيتي بعد وفاة ستالين في 1953 ومن حركاته التي وطئت التاريخ يوم خلع فردة حذاءه ودق بها على الطاولة في الأمم المتحدة . وفي احد الأيام عام 1964 وهو في إجازة استجمام في البحر الأسود قام كل من رفيقيه بريجينيف وكوسيجن بانقلاب عليه وقضى ما تبقى من عمره وهو رهن الإقامة الجبرية .
قام الصحفي البريطاني توم دريبرك بمقابلة خروشوف يوم 16/9/1956 ومن جملة ما دار في المقابلة ما يلي :
دريبرك : سمعت أن أفضل ندوات النقد الديمقراطي وأكثرها تأثيرا في الاتحاد السوفيتي هي الاجتماعات الحزبية العادية وكم تمنيت أن احضر احدها ولكني علمت انه لا يسمح بحضور غير أعضاء الحزب ، هل بإمكان حضرتكم مساعدتي في تحقيق أمنيتي ؟
خروشوف : أعدك باني سأتحدث بهذا الأمر مع المسؤولين ودعني أخبرك أن الاجتماعات الحزبية هي مهمة للغاية إذ يتم فيها مناقشة ما يستجد من مشاكل . لكن من ناحية أخرى ، كانت هذه الاجتماعات في السابق إجبارية ، لكنها في المدة الأخيرة أصبحت اختيارية . في نظرنا ، البيروقراطية هي جزء من الطبيعة البشرية وهي آفة العمل البناء ولأجل أن نحارب هذه الآفة فإن المبيد الذي يعالجها هو التصحيح الجماهيري لها . وهكذا هناك العديد من الأسئلة التي يتم طرحها في هذه الاجتماعات ، ولكن هناك نسبة عالية من الناس يسألون كثيرا ويطالبون بإجابات مستفيضة ولا يقنعون بسهولة . دعني اضرب لك مثلا على ذلك . في إحدى زياراتي إلى أوكرانيا اشتكت لي امرأة من أنها لم تتلقى إجابات مرضية على أسئلتها لحل مشاكلها . كانت هذه المرأة ثرثارة وجعلتها تنتهي من حديثها بشكل دبلوماسي لائق وإلا كان مصيري الإصابة بصداع حاد . ومع ذلك ، روت لي قصتها بأن القانون ينص علي أن المزارع الذي يتوقف عن العمل في مزرعته ، يخسرها . كان لهذه المرأة ابنان يعملان في المزرعة ولكنهما تركا العمل بالمزرعة وذهبا يعملان في مصنع بالمدينة . بطبيعة الحال خسرا الأرض وتريد هذه المرأة استرداد الأرض مع بقاء ابنيها يعملان في المصنع . حينما أخبرتها بأن هذا هو القانون لم تقتنع بكلامي . وهناك امرأة أخرى وهي زوجة مهندس يعمل في منجم . كان زوجها قد دخل السجن لثلاث سنوات لأن احد العمال سقط في المنجم ومات . أخبرتني المرأة أن الغلطة كانت غلطة العامل المتوفى لأنه لم يرتد حزام الأمان لكن زوجها كان متهما بالإهمال . في الأخير قلت لها أن النظر في هكذا أمور هو من مسؤولية المحاكم الاستئنافية .
إن هكذا مسائل والتي عادة تنشرها الصحف عندنا لربما تعطي الانطباع لأعدائنا بأننا مغمورون بالمشاكل . إن صحفنا ناقدة أحيانا بشدة وحتى أنا لا اسلم من هذا النقد . لم تجرؤ الصحف على نقد ستالين مطلقا وعلاوة على ذلك لم يقم ستالين بزيارات ميدانية للمواقع والأقاليم والجمهوريات . كذلك فإن تم توجيه نقد إلي فإني أتقبله بصفتي رئيس اللجنة المركزية للحزب واني اعمل بموجب توجيهات الحزب وهكذا فإن لم يكن عملي منسجما مع هذه التعليمات فحتما سيكون هناك نقد بشأني صادر من اللجنة المركزية والصحافة . على العموم فإن أي عضو في الحزب لا يعمل بموجب هذه التوجيهات يوجه له الإنذار وان لم يمتثل يوجه له النقد في الصحف ، وان لم يستجب يفصل من الحزب . هو ذا جوهر مبادئ حزبنا : إن الاسترسال في الغلط يفاقم المشكلة ويجعلها كبيرة بمرور الزمن فتصبح مثل قبور أوكرانيا وهي حينما يدفن ميت في أوكرانيا يلقي كل شخص حفنة تراب على القبر ، وحفنة على حفنة وإذا هناك قد تكون تل على القبر. والكلام ينطبق أكثر ما ينطبق على ستالين الذي تماديه في الأغلاط لم يؤد إلى تكوين تل بل جبل ونحن الآن في الحزب نعمل على إزالة هذا الجبل .
رونلــــد ريكـــــان
نشرت إحدى الجرائد علي صفحتها الأولى في بداية حزيران 2004 نبأ وفاة رونلد ريكان الرئيس والممثل السينمائي الأمريكي السابق وذكرت أن له ابنة اسمها مورين من زوجته نانسي . في الحقيقة أن مورين هي من زواجه الأول من الممثلة جين وايمن الحائزة على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم جوني بيلندا وكان آخر أدوارها في مسلسل دينستي التلفزيوني ، وفيما يلي بقية القصة .
أبان الأربعينات كان الزوجان روني وجين أكثر الناس ظهورا معاً في المجتمع الهوليوودي . كانت تبدو عليهما الثقة الزوجية وهي شيء نادر في تلك الأوساط ، ولم يكن يبدو عليهما آثار مناكدة زوجية بسبب من يطفئ الضوء الليلة السابقة . وهكذا فان طلاقهما سنة 1949 هز ركيزة ما تبقى من أخلاقيات مدينة نجوم السينما . بعد أن استرجع الناس أنفاسهم من هول صدمة الخبر اخذ يظهر للعيان بعض ما خفي من الأمور فلقد تبين أن الغيرة والاستياء المتبادل كانا وراء الحدث . في سنة 1948 اسر ريكان لصحفية هوليوود الكبرى هيدا هوبر قائلا لها : " إن انتهى أمرنا بالطلاق فاني أعزو السبب إلى فلم جوني بيلندا ، وكان هذا هو فلم سنة 1948 الذي مثلت فيه جين وايمن دور فتاة خرساء طرشاء حازت فيه على الأوسكار ، بينما كان روني يمثل أدوارا سينمائية تعوّد فيها على الاستدارة بشكل فني أمام الكاميرا كي تلتقط له صورا جيدة جميلة للبدلة التي كان يمثل دوره فيها . كان روني ممثلا مغمورا تدخَّل في السياسة فأصبح حاكما لولاية كاليفورنيا . في احد الأيام وهو جالس مع زوجته الثانية نانسي في مزرعته وكان مدعو عندهم للعشاء بعض الأصدقاء من جملتهم أحد أخوة نانسي الذي قال وهو يرشف شفطة من عصيره المفضل : " لماذا لا ترشح للرئاسة يا روني العزيز ؟ " وهكذا رشح للرئاسة وفاز وأعيد انتخابه . كان من جملة منجزاته مشروع الريكونومكس في الاقتصاد إلا أن أهم دور تاريخي له هو انه أول من مهد الطريق لسقوط النظام الشيوعي .
بعد أيام من حصول جين وايمن على الأوسكار خرج الزوجان لتناول العشاء في احد المطاعم . بعد الجلوس إلى الطاولة وقيام النادل بتسجيل طلبيات جين وايمن ، استدار إلى ريكان وقال له بمزيج من المزاح الماكر : " وماذا يطلب السيد وايمن ؟ " وكانت هذه هي بداية إحساس روني بالغيرة من زوجته بسبب حصولها على الأوسكار ومن ثم شهرتها بينما هو ممثل مغمور. كان أشهر دور مثله هو في فيلم " طابور الملوك " إخراج سام وود سنة 1942 ، يمثل فيه دور شخص يسقط أمام القطار ويفقد رجليه وحين يستفيق في المستشفى وينظر إلى جسمه ، يقول : " أين بقيتي ؟ " لقد أعجبه هذا الدور لدرجة انه احتفظ بنسخة من الفيلم في منزله وكان يفرج عليه الضيوف بعد كل حفلة عشاء لدرجة ضاقت جين ذرعا بهذا العمل . في المحكمة حينما سألها القاضي عن سبب الطلاق لم تذكر مسألة الفيلم بل ذكرت السبب هو انكباب زوجها على العمل السياسي .
وبعد الطلاق تم تعيين ريكان رئيساً لنقابة الممثلين . في إحدى المرات قامت نانسي (اسمها الأصلي آن فرانسس روبنز) بمراجعة النقابة فالتقيا وأحسا بالانسجام إلا أن من المفارقات الغريبة كانت نانسي مشبوهة على أساس أنها شيوعية بسبب التباس اسمها باسم امرأة أخرى . لكي يثبت ريكان أن هذه هي ليست المشبوهة الشيوعية ، اخذ يخرج معها إلى المطاعم والمحافل الاجتماعية وتزوجها في الأخير سنة 1953 . كانت نانسي قومية أصولية في آرائها ، رفعت لدى ريكان حدة تعصبه القومي كما وأنها كانت صارمة تجاه الشواذ وهي التي جعلت زوجها يطهر جهازه الإداري منهم فلقد قام بفصل اثنين منهما من الخدمة في مكتبه الخاص كحاكم لولاية كاليفورنيا . كانت نانسي قد ورثت هذا التعصب ضد الأقليات من زوج أمها . في احد المحافل التي حضرتها نانسي ابتهجت بمنظر الحاضرين لدرجة هرعت وتحدثت إلى زوجها بالهاتف وهي تقول : " تعال تفرج علي كل هؤلاء البيض الجميلين " .
أولا : السياسيون
الزعيم تومون ( بدران)
الزعيم تومون (بدران) زعيم قبائل الشايان اشترك في معركة لتل بك هورن التاريخية الشهيرة في مونتانا عام 1876 ضد الجنرال المعروف كستر وهو يقود الفرقة السابعة للجيش في خطة لتطويق وإشغال الهنود الحمر تحت قيادة زعيم قبائل السو الزعيم الشهير ستنك بل ( الثور الجالس ) . يوم 25 تموز(يوليو) قامت قوات تابعة لكستر تحت إمرة المقدم رينو بعبور نهر لتل بك هورن وهاجمت المعسكر الهندي في الوادي لكنها أجبرت على الانسحاب ، وكستر نفسه الذي قاد سرية للهجوم على المعسكر من طريق آخر تفاجأ بهجوم عليه وعلى قواته وحوصر بأعداد هائلة من الهنود الذين قتلوا كستر وأفراد قواته عن بكرة أبيهم . وهناك روايات متواترة عن كيف مات كستر .
وهنا الزعيم بدران الذي كان شاهد عيان في هذه المعركة الفاصلة يروى القصة كاملة لهاملن كارلند . يقول كارلند : حينما اعتلينا الوادي الساخن اليابس أشار وولف فويس ( صوت الذئب ) وهو مترجمي الشاياني بأصبعه نحو كوخ طين وقال :" بيت بدران" وحينما اقتربنا رأينا بطانيتين منشورتين على الحبل وفلاحين يحصدان بالمنجل ومجموعة أطفال يلعبون وكان المنظر برمته يدل على الفقر . ونحن نهم بالدخول طلع علينا بدران وقد فتح ذراعيه مرحبا وبعدها سحب البطانيتين من علي الحبل ووضعهما على الأرض ودعانا للجلوس . لم يسبق لي بأن أحسست بان أحدا كان قد رحب بقومي بهكذا حرارة . وبعدا ن جلسنا قدم لنا التبغ والغلاوين .
على الرغم من أن الزعيم بدران كان قد بلغ من العمر عتيا ، كان منتصب القامة نشط الحركة وحاضر الذهن يمشي بانضباط وهمة عسكرية عريض المنكبين وبابتسامة عريضة وبأخلاق راقية . بينما هو يُعمِّر غليونه تحدثت إليه عبر المترجم صوت الذئب فقلت وكان صوت الذئب يترجم : " زعيم بدران ، لقد جئت اسمع منك قصة معركة كستر لأني سمعت انك اشتركت بها " . استجاب الزعيم بدران بكلمات : " آي ، آآه ، هووه " وهي تعني الموافقة بلغة السو ، تحدث الزعيم بدران قائلا : ذاك الربيع عام (1876) كنت معسكرا في منطقة نهر باودر مع 50 من أتباعي كان المكان هو الموقع الحالي لقلعة راكيني ، وفوجئنا صباح احد الأيام بهجوم يقوده أبو ثلاثة أصابع العقيد مكنزي ، وهربنا حتى نزلنا عند الزعيم كريزي هورس ( الحصان المجنون ) وكان سنتك بل معسكرا بالقرب من هناك ، قلت لكريزي هورس : " دعنا نحارب ، لقد قتلوا قومنا وسرقوا جيادنا وشردونا " . وافق الزعيم العظيم .
وفي أيار(مايو) بدأنا المعركة الأولى ضد الجنرال كروك وقتل الكثير من الجيش وعدد صغير من الهنود ، وبعد بضعة أيام جاءنا طارش من سنتك بل يقول : " اصبغوا وجوهكم واستعدوا لحرب كبرى". أعددنا العدة وتجمعنا مع فرسان قبائل السو وحسب الخطة تفرقنا وفي الأخير عملنا حلقة وهجمنا ، وأصلاً كانت المعركة قائمة بقيادة كريزي هورس وسنتك بل ، وكانت هناك لعلعة رصاص وحفيف سهام منطلقة وكنا نمتطي جيادنا بسرعة فائقة . لقد كان الموقف برمته وكأنه دبكة على أشدها على صوت الطبول والصياح ، وكان الجنود يسقطون وهناك فجأة ظهر فارس بينهم يصيح وهو على صهوة فرس بلون بني ضارب للحمرة . لم أتبين من كان هذا الفارس ، وبين الحابل والنابل والجنود يتساقطون موتى بالعشرات ، وكان من جملة من سقطوا هو أبو شعر الطويل كستر. وبعد المعركة أتينا إلى موقع سقوطه وكان جثة هامدة ، لم نسلخ فروة رأسه لأننا اعتبرناه رجلا شجاعا . أحصينا الجثث بأكملها وكان المجموع 388 من بينهم 39 من السو و7 شايان والبقية جماعة كستر .
كــــارل مــاركس
بدأ كارل ماركس (1818 – 1883) الفيلسوف السياسي والاجتماعي حياته المهنية كمحرر صحفي في مدينة كولون بألمانيا ، وحينما أغلقت صحيفته لأسباب سياسية ذهب إلى باريس حيث أسس صحيفة أخرى إلاّ أنها أُغلقت . وفي الأخير استقر في لندن حيث كتب أهم كتبه وعلى رأسها رأس المال سنة 1867 ، ولقد قابله في لندن مراسل صحيفة العالم في نيويورك ، ر. لاندور وجرت المقابلة بحضور زميل ماركس وهو أنجلز . لم ينم أسلوب معيشة ماركس ولا سلوكه العادي عن أي معتقد اشتراكي ويبدو انه كتب رأس المال لغرض تزجية وقت الفراغ ليس إلاّ ، ودعوة ماركس للشيوعية وهي دعوة حملها البعض محمل الجد كانت بالنسبة لماركس نوعا من الترف الفكري والفلسفي .
لاندور : نظرتك في حركة نقابة عالمية يكتنفها بعض الغموض ، وهي في ناحية أخرى مخيفة .
ماركس ( ضاحكا مليء شدقيه ) : لا يوجد هناك غموض على الإطلاق يا سيدي العزيز ، اللهم إلا الغموض الذي يكتنف غباء البشر في فهم أن الحركة هي عالمية ومعلنة الأهداف وهي مطبوعة ومنشورة وجاهزة للاطلاع عليها من قبل أي شخص في العالم .
لاندور : ما فحوى هذه الحركة ؟
ماركس : حسبك آن تنظر إلى الأفراد الذين تتألف منهم الحركة – عمال .
لاندور : نعم لكن الجندي بحاجة ليكون جزءاً من آلة الدولة ، أني اعرف بعض أعضاء حركتكم وهم على جانب كبير من الطيب وطبعا سر يشترك فيه مليون إنسان لا يعود يبقى سراً ، ولكن ماذا يحدث لو تسلم مقاليد الأمور مجلس إدارة سيء ؟
ماركس : هذا غير ممكن .
لاندور : ولكن حدث شيء من هذا القبيل في باريس .
ماركس : كانت هذه مؤامرة قامت بها الماسونية ، وان حركتنا هي ليست حكومة بالشكل التقليدي ، أنها اتحاد أكثر مما هي سلطة .
لاندور : اتحاد لأي غرض ؟
ماركس : التحرير الاقتصادي للطبقة العاملة عن طريق قهر السلطة السياسية ، وإحلال سلطة سياسية جديدة مختلفة تماما تحقق الأهداف الاجتماعية ، وهكذا من الضروري أن تكون أهدافنا شاملة لتشمل كل نوع من النشاط العمالي . فنحن نريد أن نخلق شخصية جديدة للطبقة العاملة وان نجعل لعمال العالم صوتا واحداً ، ومن ناحية أخرى فإن حركتنا لا تفرض شكل الأنشطة السياسية ، إنها وحسب تناصر الطبقة العمالية في تحقيق أهدافها وان ظروف العمال تختلف من بلد لآخر ، فمثلا حيثياّت وتفاصيل ظروف عمال مدينة نيوكاسل في انكلترة تختلف عن ظروف مدينة برشلونة في البرتغال ، والشيء نفسه يصدق على سائر المدن والبلدان وهكذا فإن حلول المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها هي بيد الطبقة العاملة في تلك المدينة أو ذلك البلد ، وإن حركتنا لا تملي على الآخرين قراراتها أنها فقط تتعاطف وتتعاون معهم وتساندهم ولأضرب لك مثالا على ذلك .
إن احد أساليب الحركة في التحرر الاقتصادي هو الإضراب . في السابق حينما كان يحدث إضراب عمالي كانت الدولة تجلب أيدي عاملة من الخارج . لقد قامت حركتنا بإيقاف هذه الممارسة تقريبا . تصل الحركة معلومات عن إضراب ما ثم تنشر الخبر بين صفوف العمال من أعضاءها ، ومن ثم تقوم الحركة بمناصرة الإضراب ، وفي حالة فشله وتعرض بعض العمال لعقوبة الطرد من وظائفهم فإن الحركة تقوم بمساعدتهم مالياً لحين أن يجدوا عملاً جديداً ، لكن من ناحية أخرى ، العديد من الإضرابات تنجح فمثلاً إضراب عمال السكاير في برشلونة نجح وحقق مطالبة .
دعني اختصر لك الموقف بجملة أو جملتين : تبقى الطبقة العاملة على حالها من الفاقة والعوز والحرمان بينما تزداد وتكبر ثروة أرباب العمل وبالتالي فإن العوز المادي لدى الطبقة العاملة يؤدي إلى إعاقتها من الناحية المادية والمعنوية كما وان الطبقة العاملة لا تعتمد على الآخرين في حل مشكلاتها وهكذا يصبح من الضروري أن تقوم هي بنفسها الحصول على حقوقها . عليها أن تعيد النظر في علاقتها مع أرباب العمل ومع المُلاّك والرأسماليين ، أي بكلام آخر عليها تغيير المجتمع . هو ذا الهدف العام لكل المنظمات العمالية والاتحادات الفلاحية والجمعيات التجارية والتعاونية . تهدف حركتنا لتحقيق التضامن مع هكذا مؤسسات وما بين هذه المؤسسات نفسها ، ولقد أخذت آثار هذا التضامن تتضح فهناك عدة صحف يومية تصدر في اسبانيا ، ا لنمسا ، هولندة ، بلجيكا وسويسرا وكلها تعبر عن توجهات عمالية . إن محور نشاطنا في الحاضر هو في أوروبا ولحد الآن لم ينفتح المجال لحركتنا أن تنشط في الولايات المتحدة ولكني أتوقع أنها سرعان ما ستنتشر هناك .
هتلــــــــر
ولد أدولف هتلر (1889 – 1945) الدكتاتور الألماني في النمسا وهو ابن موظف جمارك غيّر اسمه إلى هتلر من شكلكلوبر . كان لأدولف الشاب طموح مبكر في أن يصبح فناناً أو معمارياً لكن لم يتحقق طموحه لعدم كفاية مؤهلاته الدراسية . عاش بضع سنوات في فيينا واشتغل في عدة أعمال مختلفة وكان يكره اليهود وقيادات النقابات العمالية. انتقل إلى ميونخ عام 1913 كي لا يؤدي الخدمة العسكرية ولكن حين اندلعت الحرب في السنة التالية انخرط في صفوف الجيش البافاري .
بعد أن ترقى إلى رتبة نائب عريف أُنعم عليه بالوسام الحديدي ( من الدرجة الأولى ) على شجاعته كمراسل ، وعند نهاية الحرب كان قد أصيب بعدة جروح كما وانه أصيب بعمى مؤقت نتيجة تعرضه لقنابل الغاز. بإحساسه بالمرارة جراء اندحار بلده ، وهذه مسألة عزاها إلى اليهود والاشتراكيين ، انتمى إلى احد الأحزاب وسرعان ما أصبح رئيساً له وأعاد تسميته باسم حزب العمال الاشتراكي الألماني ( النازي ) . في سنة 1923 شارك في حادثة شغب حانات البيرة في ميونخ وكانت هذه الحادثة بمثابة محاولة انقلابية على الحكومة الجمهورية في بافاريا ، ولقد تصدت الشرطة بالأسلحة الرشاشة للمشاغبين النازيين والقي القبض على هتلر وأودع السجن لمدة تسعة أشهر ألف أثناءها كتابة الشهير كفاحي وهو سيرة حياته السياسية .
بعد إطلاق سراحه بدأ باستمالة الناس للانضمام إلى الحزب النازي ، وعلى خلفية الانهيار الاقتصادي في العالم ، استغل هتلر قابليته على فهم النفسية الجمعية للجماهير وعقده الخوف من اليهود ( الذي كان هو نفسه يعاني منها ) والبراعة في استخدام الدعاية ، استطاع أن يؤسس تحالفا يتكون من العمال والصناعيين والممولين . خسر في الانتخابات الرئاسية سنة 1932 إلا أن غريمه في السباق الانتخابي بول فون هندربرك جعله مستشارا في كانون الثاني (يناير) 1933 ، وفي غضون بضعة أسابيع من حكمه وقع حادث حريق رايخشتاك وأنحى باللائمة على الشيوعيين . في الانتخابات العامة التالية ارهب النازيون الأحزاب الأخرى مما أدى إلى فوزهم ، ومن تلك النقطة اخذ هتلر يصعد شيئاً فشيئاً لحين أصبح زعيماً مطلقاً مستخدماً حرسه الخاص في تصفية وتطهير المناوئين للنازية وكان ذلك سنة 1932 . ثم بدأ يعيد تسليح ألمانيا ويمارس سياسة خارجية تسلطية عدوانية واستعاد بذلك إقليم راينلد وضم النمسا إلى ألمانيا وغزا جيكوسلوفاكيا ، وأدى هجومه على بولندة إلى الحرب العالمية الثانية . انتحر هو وعشيقته ايفا براون (التي تزوجها في الساعة الأخيرة من حياتهما) سنة 1945 حينما كانت القوات الروسية في سبيلها إلى مخبئه.
قام الصحفي سلستر فايريك بمقابلة هتلر في تموز(يوليو) 1932 والحقيقة هي ليست مقابلة صحفية بقدر ما هي خطبة ألقاها هتلر هكذا :
" حين استلم مقاليد الحكم في ألمانيا سوف اقضي على الرأسمالية في الخارج وعلى الحركة البلشفية في الداخل " .
هكذا تكلم أدولف هتلر ثم أتى على آخر ما كان في قدحه وكأنما لم يكن يوجد في القدح شاي إنما دم بلشفي ، ثم استمر قائلا :
" البلشفية هي منبع الخطر بالنسبة لنا ، أقض علي البلشفية في ألمانيا وسوف تنقذ سبعين مليونا من الناس وتمنحهم القوة " .
حين أعلن هتلر برنامجه السياسي وهو باسم " الإمبراطورية الثالثة " كان يفوز بالانتخابات الواحد تلو الأخر وكان نفوذه يزداد . انتهت الإمبراطورية الألمانية الأولى حينما أجبر نابليون الإمبراطور النمساوي على تسليم تاجه الإمبراطوري وانتهت الإمبراطورية الثانية حينما لجأ فيلهلم الثاني إلى هولندا ، والآن جاء دور الإمبراطورية الثالثة على يد هتلر.
حين سألت هتلر " لماذا تطلق على حزبك تسمية الحزب الوطني الاشتراكي بينما أنت ضد البلشفية والشيوعية والاشتراكية ؟ " نظر إلى شزراً وقال : " الاشتراكية هي علم التعامل مع العامة والخير العام . ليست الشيوعية اشتراكية . وليست الماركسية اشتراكية . لقد سرق الماركسيون التعبير وشوهوا معناه ، سوف انتزع الاشتراكية من الاشتراكيين . إن الاشتراكية هي مؤسسة آرية جرمانية قديمة وكان لأسلافنا الجرمان أراضي مشتركة فيما بينهم وكانوا يعملون معاً بشكل جماعي للصالح العام وليس من حق الماركسية أن تتخفى وراء قناع الاشتراكية . بخلاف الماركسية ، لا تسلب الاشتراكية ممتلكات الناس ولا تلغي الشخصية الفردية وهي وطنية . كان من الممكن أن نطلق على أنفسنا تسمية حزب الأحرار لكن فضلنا تسمية الحزب الوطني الاشتراكي ، لأننا وطنيون قوميون ولسنا عالميون منفلتون واشتراكيتنا وطنية خاصة بوطننا ونحن نسعى لتقوم الدولة بتحقيق المطالب العادلة للطبقة المنتجة وعلى أساس تضامن الشعوب وبالنسبة لنا الدولة والشعب هما الشيء نفسه " .
سيخبرك من سبق له وان قابل هتلر بأن هتلر هو شخص بمنتهى الوداعة والود والتواضع . هذا صحيح ، لكن من ناحية أخرى ، لم يسبق لشخص بهدوئه ولطفه وان قاد سفينة البلد في مياه أكثر خطورة ، وما سبق لأحد أن قطع أعناق غرمائه السياسيين بشكل أبشع .
سألته : " ما هي أسس خطابك من على منبرك إلى العالم ؟ " أجابني : " نحن نؤمن بعقل سليم وجسم سليم ، وعليه فإن الصحة البدنية والصحة الأخلاقية هما شيء واحد". قلت له : " إن موسليني سبق له وان قال نفس الشيء ". وهنا التمع وجهه وقال : " إن السكن السيئ هو المسؤول عن تسعة أعشار مشكلة الحرمان وان الإدمان على الكحول هو المسؤول عن العُشر المتبقي . عمادنا الأساسي هو العمال ومن بعدهم الفلاحون . يجب أن نوفر للجميع سكناً صالحاً للمعيشة وأجواء صالحة للعمل . نحن أمة خرجت لتوها من الحرب وهي محترقة ، وعلينا أن نعيد بناءها قبل أن ينجذب الناس إلى أفكار وسلوكيات تؤدي بالأمة إلى الانهيار التام . لهذا السبب قام حزبنا ، لأبعاد الأمة عن الأفكار الدخيلة وعن الغرباء . كذلك لا مجال فيها للتبذير أو الاستغلال أو الكسل".
كان هتلر وهو يتحدث يسير بخطى عسكرية وصوته يملأ فضاء الغرفة . صدرت ثمة جلبة قرب الباب ، كان السبب بذلك أفراد حرسه الشخصي الذين كانوا يبقون قرب الباب . دخل احدهم ليذكر هتلر بأنه قد حان موعد إلقاء كلمة في احد الاجتماعات .
مـــوســـولينـــي
ولد بينيتو موسوليني (1883 – 1945) الدكتاتور الايطالي في إقليم روماجنا وهو ابن حداد . اسم أسرته مشتق من كلمة موزلين التي هي اللفظة الأوروبية لأسم مدينة الموصل بالعراق إذ كانت الموصل شهيرة بإنتاج قماش الموزلين وتصدره إلى دول العالم وكانت أسرة موسيليني تستورد هذا القماش وسميت اثر ذلك بموسليني ( بالأحرى يستوجب أن يكون لفظها : موصليني ) . بدأ بنيتو موسيليني ( موصلي ) حياته العملية كصحفي ومن ثم في سنة 1921 أسس الحزب الفاشي . في سنة 1928 صار لقبه " الدوجي" ، أي الزعيم ، وسرعان ما أصبح رئيساً للحكومة الايطالية . كانت سياسته الخارجية عدوانية وتوسعية وقام مع هتلر بتأسيس المحور بالاشتراك مع فرانكو رئيس اسبانيا . وفي إثناء الحرب العالمية الثانية كانت ايطاليا تحارب جنباً إلى جنب مع ألمانيا ضد الحلفاء . في 1845 سقطت ايطاليا ودخل على مكتب موسوليني رجال المقاومة الايطالية الذين قاموا بإعدامه رمياً بالرصاص فيما بعد .
جرت الأحاديث التالية في قصر فينيسيا في العاصمة الايطالية روما في الفترة الواقعة بين 23 آذار(مارس)–4 نيسان(ابريل) 1932 ومن المصادفة أن موسوليني نفسه كان صحفياً قام بإجراء العديد من المقابلات مع السياسيين .
كان السؤال الأول في المقابلة " هل قرأت كتاب ميكافيلي الأمير في فترة مبكرة من عمرك ؟ " أجاب موسوليني " كان والدي يقرأ الكتاب في المساء بصوت عال بينما كنا صغاراً ندفئ أجسادنا تحت اللحاف والبطانيات ولقد ترك الكتاب أثراً عميقاً في نفسي وحينما أعدت قراءته وأنا في سن الأربعين تجدد التأثير وأصبح أكثر عمقاً " .
" ما رأيك بنابليون وهل تعتقد أنه كان ميكافيليا ؟ " أجاب موسوليني : " ليس نابليون مثالاً اقتدى به ، على العكس ، كانت أعماله تناقض ما أؤمن به فهو أخمد ثورة بينما أنا أدعو إلى ثورة ولقد أرتكب عدة أخطاء فهو كان ديكتاتوراً وناهض البابا كما وانه كان جاهلاً في الأمور المالية والاقتصادية ولم يهتم إلا بانتصاراته وأمجاده ".
" يقال أن انكلترة هي التي كسرته ، يقال أنه تحطم على صخرة الشاطئ الانكليزي" ، أجاب موسوليني : " هراء ، لقد سقط بسبب أخطاءه وهذه الأخطاء هي السبب في سقوط كل الرجال ومن أخطاءه كان طموحه إذ نصب نفسه إمبراطورا ، و حتى بتهوفن نفسه امتعض من هذا الإجراء فقام وسحب إهداء السيمفونية الثالثة المسماة البطولة إذ كان قد ألفها وأهداها إلى نابليون . قارن نابليون مع اوليفر كرومويل قائد الثورة الانكليزية في القرن السابع عشر ، كان كرومويل ناجحاً لأنه آمن بالقوة المطلقة للدولة من دون حروب ، إن قوة أي دولة إنما هي نتيجة عوامل عديدة ليس بالضرورة أن يكون أي منها عامل عسكري ".
" قُلتَ ذات مرة : " نحن أقوياء لأننا بدون أصدقاء ". " لم يجب موسوليني على السؤال ولكن بدا على محياه شيء غريباً ، شيء ينم عن الكثير من الطفولة ، ويبدو أن السؤال أثاره في أعماقه ، ثم أجاب بهدوء لكن تحت هذا الهدوء كان الكثير من المرارة ، قال : " لا استطيع مصادقة احد ، لا يوجد لدى أصدقاء ، السبب الأول هو مزاجي ، وثانيا بسبب نظرتي للناس ، ولهذا فأنا أتفادى العلاقات الحميمة مع الآخرين ، وكذلك التحدث إليهم وان صادف وزارني صديق قديم يضايقنا الحديث وهكذا ننتفض عن بعضنا بسرعة ، وهكذا فحين أريد سماع أخبار أصدقائي القدامى فاني افعل ذلك عن بعد ".
" ماذا تفعل لو أن احد أصدقائك انقلب ضدك وأصبح عدوك ؟ "
" إن فعل ذلك بيني وبينه فاني أهمله إلا انه لو جهر بآرائه على الملأ فاني أحاربه ، فعلى سبيل المثال حين شَهَّر بي احدهم من أني قمت بسرقة الخزينة فإن هذا الأمر أزعجني جدا وانقلبت إلى كاره للبشر. إن اعز أصدقائي مكانهم في أعماق قلبي ولكن على العموم أبقيهم على بعد عني . وهم لا يسيئون لي علنا وكذلك فهم لا يبغون منفعة أو مصلحة شخصية مني ويقومون بزيارتي في مناسبات نادرة ولمجرد إلقاء التحية والسؤال عن الصحة والحال ليس إلا . دعني أقول لك أني أعاني من الوحدة وبنفس الدرجة حينما كنت في السجن . هذا هو قدري أن أكون وحيدا ، وأنا محروم من الاختلاط بالناس على سجيتي . لكن من ناحية أخرى أنا منسجم مع وحدتي وعزلتي . لا أتوقع الكثير من وضعي الحالي لكن أملي هو بالمستقبل ".
ستـــــاليــــن
ظهرت هذه المقابلة تحت عنوان " محادثة بين ستالين وويلز". قام الأديب الروائي الانكليزي هـ .ج ويلز بزيارة ستالين في سفرته الثانية لروسيا. يعطي ويلز الانطباع بأن ستالين كان شديد التعصب والتمركز على ذاته في أفكاره وهذا ما أثار حفيظة برنارد شو الذي كتب في احد الصحف قائلاً : " يصغي ستالين إلى ويلز بانتباه وجد ، بينما ويلز لا يصغى إلى ستالين ، إذ هو متلهف فقط لبدء الحديث حين يتوقف ستالين عن الكلام ". ويستمر برنارد شو قائلاً بأنه سبق له وان زار ستالين ووجده انه " مستمع من الدرجة الأولى بينما ويلز هو أسوأ مستمع في العالم ".
ويلز : إني بغاية الامتنان بأنك سمحت لي بمقابلتك يا سيد ستالين . كنت في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً ولقد أجريت محادثة طويلة مع الرئيس روزفلت الذي اخبرني عن خططه المستقبلة والآن أنا معك كي تخبرني عن خططك في تغيير العالم.
ستالين : ليس عندي الكثير منها .
ويلز : إني أطوف العالم وكفرد عادي ألاحظ ما يجرى حولي .
ستالين : إن أناس شهيرين مثل حضرتك هم ليسوا مجرد أفراد عاديين فأنت كونك كاتب وأديب لا ترى الأمور بمنظار عادي .
ويلز : أنا لا أدعي التواضع لكن المرحوم السيد لينين قال ذات مرة : " ينبغي علينا القيام بالعمل التجاري ، ينبغي علينا أن نتعلم من الرأسماليين " فما الذي تقومون به حالياً ؟
ستالين : تسعى الولايات المتحدة وراء هدف مغاير لما نقوم به . يسعى الأمريكان لمعالجة مشكلة نجمت عن الانهيار الاقتصادي . هم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه جراء كارثة حلت بالنظام الرأسمالي . وحتى لو نجحوا في تخطي هذه الكارثة فهم لن يعالجوا المشكلة من جذورها . هكذا سيبقى الخطر محيق بهم ، بينما نحن هنا عالجنا المشكلة جذرياً ، نحن فعلنا هذا حسب تخطيط منهجي مضمون حتى النهاية .
نحن لا تتهددنا البطالة . إني أشيد بالسيد روزفلت كرئيس كبير وإداري عظيم ولقد علمت بأنه يحاول الاستنارة ببعض الأفكار التي تنم عن العدالة الاجتماعية والتي تحاول الاقتراب من الاشتراكية لكن دعني أخبرك بأن طريقته البطيئة في هذا المضمار ، طريقة الخطوة خطوة لن تجديه فتيلاً ، أنها الطريقة الانكلوسكسونية التقليدية . إن الدولة الرأسمالية لا تتعامل مع الاقتصاد بشكل حازم بات : وهكذا فان الدولة تبقى في قبضة الاقتصاد وليس العكس . هكذا اعتقد أن السيد روزفلت لن ينجح في خطته طالما الوضع الاقتصادي هو كما ذكرت لتوي .
ويلز : لربما أني أؤمن أكثر منك بالتفسير الاقتصادي للسياسة وعليه بإمكاني القول بأن الاشتراكية يجب أن لا تتناقض مع الحرية الفردية .
ستالين : أشاطرك الرأي ، يجب أن لا يكون هناك تناقض بين الفرد والاشتراكية ، بين الفرد والجماعة ، بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة . لقد نجح روزفلت في التوفيق بين المصالح لكن بشكل محدود ووجل وأنت تعرف الموقف في الولايات المتحدة أحسن مني لأنه لم يسبق لي زيارة البلد لكني أراقب الوضع حسبما يصلني من أدبيات واني استشف لو أن روزفلت حاول تلبية احتياجات الفقراء بأخذه الأموال من الأغنياء فإن الرأسماليين سينصّبوا رئيساً بدلاً منه وسيقولوا : رئيس يأتي ورئيس يذهب أما نحن فباقون للنهاية وان لم يحافظ هذا الرئيس على مصالحنا سوف نجد رئيساً آخر أو نضعه بدلاً منه .
ويلز : إني ارفض هذا التبسيط في تقسيم البشرية على طبقتين : فقراء وأغنياء .
ستالين: طبعاً ، هناك الطبقة الوسطى التي تتكون من الحرفيين والمهنيين والفنيين وهم أناس أخيار شرفاء بلا شك ولكن هناك بينهم الأشرار والمصلحيون والأنانيون والطماعون والمستغلون ، ولكن بشكل أساسي ، البشرية مقسمة إلى نوعين من الناس : المُلاّك والمعدمين ، المستغِّلين والمستغَّلين ، ويجب أن لا نتجاهل ولا ننكر الصراع بين الطبقتين الأساسيتين : الفقراء والأغنياء وهو صراع سيحسمه الفقراء لصالحهم .
ويلز : حينما أعود للولايات المتحدة سأثير هذه المسألة من أجل النقاش كما وسأناقشها هنا مع السيد ماكسيم كوركي كما وسأثير السلبيات الرأسمالية وقضية التعبير الحر .
ستالين : هذه المسألة نسميها نحن معشر البلاشفة بالنقد الذاتي وهي مطبقة على نطاق واسع في الاتحاد السوفيتي .
غــــــانــــــدي
ولد المهاتما مهندس كرماتشاند غاندي (1869 – 1948) في كوجارات غربي الهندي ، وفي مقتبل حياته المهنية عمل محامياً في لندن وبعد ذلك ذهب إلى جنوب أفريقيا حيث أصبح ناشطاً سياسياً وبعدها عاد لبلاده كزعيم سياسي يمارس سياسة المقاومة بطريقة اللاعنف . اغتاله أحد المتطرفين ، ولدى انتشار الخبر في العالم قال برنارد شو " هذا ما يحدث للناس الطيبين في عالمنا ". ألقى غاندي بهذا الحديث على مجلس الأمة ونشره مراسل صحيفة " هارجان " يوم 4 أبريل 1946 . يذكر هذا المراسل الذي اسمه هنري نويل بريلسفورد انه حينما كان في مدينة بونا كان غاندي مودعاً في سجنها المركزي ولم يُسمح له بمقابلته . كانت المدينة كئيبة بسبب الإضراب العام ، إما اليوم فالمدينة قد اكتست بحلة قشيبة بسبب احتفالات مهرجان الربيع وكان غاندي بدوره مبتهجاً سيما وان رئيس الوزارة البريطانية السيد آتلي كان قد مهد الطريق لتحرير الهند .
بعدها توجه غاندي لإلقاء كلمة في مجلس الأمة ، وقال : " انصح الانكليز أن يكونوا براهمة وليس بقالين كما وصفهم نابليون ، والبقال تاجر صغير يسعى وراء الربح المادي الصغير بينما البرهمي شخص يسعى وراء الإرباح الطائلة التي يجنيها من القيم المعنوية للحياة . لقد وصف احد الروائيين من مدينة كوجارات الانكليز بأنهم مزيج من الجنود والبراهمة . كان وصفاً لطيفاً لكنه ليس عين الصواب لأن على الانكليز أن يطوروا بداخلهم أكثر الروح البرهمية إذ أن الجندي الانكليزي ما يزال تفكيره تجاريا مثل تفكير أي بقال وهو بذلك يخفق في الوصول إلى أعلى مراتب الشجاعة . مع ذلك ما زلت آمل أن يتجاوب الانكليز مع روح اللاعنف في الهند وبصفتي مؤسس سياسة اللاعنف فاني خير من يعرف معنى هذه السياسة ومردودها الجيد على العالم جميعا . أن سياسة اللاعنف هي أجمل وأروع ما في الوجود واني أحس بأن المسؤولية تقع على عاتقي في أن الفت انتباه الانكليز كي يصبحوا براهمة وان يقلعوا عن عادة البقالة ، وان استطعنا نحن وهم في السمو إلى هذه المنزلة من القيم الأخلاقية الروحية وتعالينا على السفاسف المادية والتجارية فلن يهددنا ثمة خطر. إن الاستقلال في طريقه إلينا لا ريب ، سيأتي إلينا محمولاً على الهواء المتنقل بحرية وهكذا دعونا لا نزايد عليه كسلعة في السوق بل كمثل أعلى في ضمائرنا ".
وفي معرض إجابته على سؤال فيما إن كان بعد المصادقة على الاستقلال ستتم مناقشة مسألة الحلف الدفاعي حسب معاهدة ، أجاب غاندي : " أن أَحست الهند ببهجة الاستقلال فإنها لا شك ستدخل في هكذا معاهدة بمحض إرادتها وهكذا ستمتد الصداقة الهندية – البريطانية إلى القوى الأخرى حيث سيعم التوازن في العلاقات بين الأمم واني لكي أرى هذا الشيء يتحقق يتعين على أن أعيش 125 سنة ".
كما وأعرب عن أمله في قيام معاهدة تجارية تعود بالمصلحة على الطرفين : الهند وبريطانيا ، وحينما تحدثنا عن الباكستان قال غاندي بأنه إن لم تنجح المساعي لحل المشكلة فإنه على استعداد لعرض الأمر على التحكيم الدولي ، واختتم كلامه بالقول : " إن الشدائد هي التي تصنع الرجال ".
ولقد خرجت بإحساس باني كنت أتحدث إلى رجل شجاع يتحلى بالقدر الكافي من الشجاعة التي تؤهله للإيمان بان المجتمع الإنساني لا يقوم إلا على أساس المبادئ الأخلاقية وفي خضم تناحراتنا العسكرية يقف هو عاليا شامخا وهو يردد بأيمان راسخ بان من الممكن العيش بأمان فقط حينما يتعلم الناس التعامل فيما بينهم كأنهم أخوة ولا توجد طريقة غير هذه .
مــاو تســي تـــونــــك
ولد ماو تسي تونك (1893 – 1976) الرئيس المؤسس لجمهورية الصين الشعبية في إقليم هونان وهو ابن فلاح . تلقى ماو تعليمه في جامعة بكين حيث اكتشف ماركس . كان ماو من أوائل أعضاء الحزب الشيوعي في الصين وطبق الماركسية على الطبقة الفلاحية وخاض معارك المعارضة ضد الحكومة . في الأخير شكل ماو الجيش الأحمر الذي نجح في الاستيلاء على السلطة عام 1949 مما أدى إلى هرب زعيم البلاد جينج كاي شيك إلى الخارج . بدأ ماو تسي تونك برنامجه الاقتصادي في 1958 وفي نهاية الستينات أعلن الثورة الثقافية . بعد وفاته أصبحت الماوية حركة عالمية انجذب إليها الشباب خاصة في العالم الثالث . أجرى المقابلة الصحفية ادكار باركس سنة (1905 – 1971) وهو من مواليد مدينة كنساس بالولايات المتحدة وكان يعمل مراسلاً لصحيفة النجمة .
اخذ الزعيم ماو يتحدث عن مواضيع شملت على حد تعبيره " شان نان هاي بأي " أي : من جنوب الجبال إلى شمال البحر ، وعلى مدى رقعة مساحة الصين تمتد المزارع الغنية بمنتجاتها والمطاعم ذات الأسعار الزهيدة ومحلات الأجهزة الاستهلاكية والمعمرة بأسعار متهاودة إضافة إلى تطور علمي تمخض عنه قرقعة ذرية جعلت الزعيم السوفيتي خروشوف يفتح إذنه .
رحب بي المحارب ذو الاثنين وسبعين عاما في إحدى غرف قصر الشعب في بكين ووافق الزعيم على تصويرنا بالكاميرا السينمائية وبشكل غير رسمي وكانت هذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها على تصويره مع وسائل الإعلام الأجنبية بالكاميرا السينمائية . في الحقيقة ، كان قصده من وراء ذلك إثبات سلامة صحته بعد أن أشيع عنه انه مريض جدا . أثناء المحادثة كان بغاية الراحة والعافية والاسترخاء . هكذا تحدث الزعيم ماو : علمت أن رئيسكم السيد جون كيندي قد اطلع على مقالاتي في المقاومة الثورية والعمليات العسكرية الملازمة لها ، ولقد علمت من بعض الأصدقاء الجزائريين إبان صراعهم ضد فرنسا بأن الفرنسيين كانوا يقرأون مقالاتي ويطبقونها ضد الجزائريين . أخبرت رئيس الوزراء الجزائري عباس بأن كتاباتي كانت تعتمد على التجربة الصينية وهي تصلح للمقاومة ولا تصلح لقمع المقاومة حينما يتم الإعلان عن حروب تحرر الشعوب ضد المستعمرين وهي لا تصلح لشن الحرب على الشعوب الثائرة . وهكذا لم تسلم فرنسا من الهزيمة والاندحار في الجزائر ، كما وان جانك كاي شيك اندحر هو الآخر لأنه استخدم الأدبيات الشيوعية ضد المقاومة الشعبية .
وعلاوة على ذلك فنحن الصينيون قرأنا كتبا أمريكية عديدة ودعني أقول أن في جنوبي شرق آسيا وكذلك في الهند وبعض الدول الإفريقية وحتى في أمريكا اللاتينية يوجد هناك بعض الظروف الاجتماعية الشبيهة التي فجرت الثورة الصينية . لكل بلد مشاكله ، وهكذا فالحلول تتنوع حسب ظروف كل بلد ، لكن هذا لا يمنع أن تستفيد البلدان من تجارب البلدان الأخرى . كما وان هناك قاعدة ثابتة وهي انه متى ما كانت هناك ضغوط اقتصادية واجتماعية فلابد من الثورة .
إن الشباب الحالي ممن هم دون العشرين لم يخوضوا غمار حرب التحرير ولم يتعاملوا مع القوى الامبريالية والرأسمالية وهم لم يعيشوا في أيام النظام الاجتماعي السابق . إنهم يسمعون عن ذلك النظام من والديهم ولكن سماع التاريخ يختلف عن العيش فيه .
نحن منفتحون للاطلاع على الأنظمة الثورية في الدول الأخرى وأننا نبقى نتعاطف مع الثورة والثوار بغض النظر عن الأشخاص الذين ينحرفون عن الطريق السوي للثورة . فمثلا لم يكن خروشوف محبوبا في الصين لكن كتبه كانت تباع في مكتبات الصين بينما بعد سقوطه منعت كتبه من التداول في المكتبات الروسية ، واليوم بعد سقوط السيد خ . نحن في الصين نفتقده ، كمثال سلبي .
خــــروشـــوف
ولد نيكيتا سيرجيفج خروشوف (1894 – 1971) السياسي والزعيم السوفيتي في بلده كالينوفكا وعمل راعي غنم ثم حداد أقفال ومصلح مجاري وعامل في منجم فحم قبل أن ينضم للحزب الشيوعي عام 1918 . تسلم مقاليد حكم الاتحاد السوفيتي بعد وفاة ستالين في 1953 ومن حركاته التي وطئت التاريخ يوم خلع فردة حذاءه ودق بها على الطاولة في الأمم المتحدة . وفي احد الأيام عام 1964 وهو في إجازة استجمام في البحر الأسود قام كل من رفيقيه بريجينيف وكوسيجن بانقلاب عليه وقضى ما تبقى من عمره وهو رهن الإقامة الجبرية .
قام الصحفي البريطاني توم دريبرك بمقابلة خروشوف يوم 16/9/1956 ومن جملة ما دار في المقابلة ما يلي :
دريبرك : سمعت أن أفضل ندوات النقد الديمقراطي وأكثرها تأثيرا في الاتحاد السوفيتي هي الاجتماعات الحزبية العادية وكم تمنيت أن احضر احدها ولكني علمت انه لا يسمح بحضور غير أعضاء الحزب ، هل بإمكان حضرتكم مساعدتي في تحقيق أمنيتي ؟
خروشوف : أعدك باني سأتحدث بهذا الأمر مع المسؤولين ودعني أخبرك أن الاجتماعات الحزبية هي مهمة للغاية إذ يتم فيها مناقشة ما يستجد من مشاكل . لكن من ناحية أخرى ، كانت هذه الاجتماعات في السابق إجبارية ، لكنها في المدة الأخيرة أصبحت اختيارية . في نظرنا ، البيروقراطية هي جزء من الطبيعة البشرية وهي آفة العمل البناء ولأجل أن نحارب هذه الآفة فإن المبيد الذي يعالجها هو التصحيح الجماهيري لها . وهكذا هناك العديد من الأسئلة التي يتم طرحها في هذه الاجتماعات ، ولكن هناك نسبة عالية من الناس يسألون كثيرا ويطالبون بإجابات مستفيضة ولا يقنعون بسهولة . دعني اضرب لك مثلا على ذلك . في إحدى زياراتي إلى أوكرانيا اشتكت لي امرأة من أنها لم تتلقى إجابات مرضية على أسئلتها لحل مشاكلها . كانت هذه المرأة ثرثارة وجعلتها تنتهي من حديثها بشكل دبلوماسي لائق وإلا كان مصيري الإصابة بصداع حاد . ومع ذلك ، روت لي قصتها بأن القانون ينص علي أن المزارع الذي يتوقف عن العمل في مزرعته ، يخسرها . كان لهذه المرأة ابنان يعملان في المزرعة ولكنهما تركا العمل بالمزرعة وذهبا يعملان في مصنع بالمدينة . بطبيعة الحال خسرا الأرض وتريد هذه المرأة استرداد الأرض مع بقاء ابنيها يعملان في المصنع . حينما أخبرتها بأن هذا هو القانون لم تقتنع بكلامي . وهناك امرأة أخرى وهي زوجة مهندس يعمل في منجم . كان زوجها قد دخل السجن لثلاث سنوات لأن احد العمال سقط في المنجم ومات . أخبرتني المرأة أن الغلطة كانت غلطة العامل المتوفى لأنه لم يرتد حزام الأمان لكن زوجها كان متهما بالإهمال . في الأخير قلت لها أن النظر في هكذا أمور هو من مسؤولية المحاكم الاستئنافية .
إن هكذا مسائل والتي عادة تنشرها الصحف عندنا لربما تعطي الانطباع لأعدائنا بأننا مغمورون بالمشاكل . إن صحفنا ناقدة أحيانا بشدة وحتى أنا لا اسلم من هذا النقد . لم تجرؤ الصحف على نقد ستالين مطلقا وعلاوة على ذلك لم يقم ستالين بزيارات ميدانية للمواقع والأقاليم والجمهوريات . كذلك فإن تم توجيه نقد إلي فإني أتقبله بصفتي رئيس اللجنة المركزية للحزب واني اعمل بموجب توجيهات الحزب وهكذا فإن لم يكن عملي منسجما مع هذه التعليمات فحتما سيكون هناك نقد بشأني صادر من اللجنة المركزية والصحافة . على العموم فإن أي عضو في الحزب لا يعمل بموجب هذه التوجيهات يوجه له الإنذار وان لم يمتثل يوجه له النقد في الصحف ، وان لم يستجب يفصل من الحزب . هو ذا جوهر مبادئ حزبنا : إن الاسترسال في الغلط يفاقم المشكلة ويجعلها كبيرة بمرور الزمن فتصبح مثل قبور أوكرانيا وهي حينما يدفن ميت في أوكرانيا يلقي كل شخص حفنة تراب على القبر ، وحفنة على حفنة وإذا هناك قد تكون تل على القبر. والكلام ينطبق أكثر ما ينطبق على ستالين الذي تماديه في الأغلاط لم يؤد إلى تكوين تل بل جبل ونحن الآن في الحزب نعمل على إزالة هذا الجبل .
رونلــــد ريكـــــان
نشرت إحدى الجرائد علي صفحتها الأولى في بداية حزيران 2004 نبأ وفاة رونلد ريكان الرئيس والممثل السينمائي الأمريكي السابق وذكرت أن له ابنة اسمها مورين من زوجته نانسي . في الحقيقة أن مورين هي من زواجه الأول من الممثلة جين وايمن الحائزة على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم جوني بيلندا وكان آخر أدوارها في مسلسل دينستي التلفزيوني ، وفيما يلي بقية القصة .
أبان الأربعينات كان الزوجان روني وجين أكثر الناس ظهورا معاً في المجتمع الهوليوودي . كانت تبدو عليهما الثقة الزوجية وهي شيء نادر في تلك الأوساط ، ولم يكن يبدو عليهما آثار مناكدة زوجية بسبب من يطفئ الضوء الليلة السابقة . وهكذا فان طلاقهما سنة 1949 هز ركيزة ما تبقى من أخلاقيات مدينة نجوم السينما . بعد أن استرجع الناس أنفاسهم من هول صدمة الخبر اخذ يظهر للعيان بعض ما خفي من الأمور فلقد تبين أن الغيرة والاستياء المتبادل كانا وراء الحدث . في سنة 1948 اسر ريكان لصحفية هوليوود الكبرى هيدا هوبر قائلا لها : " إن انتهى أمرنا بالطلاق فاني أعزو السبب إلى فلم جوني بيلندا ، وكان هذا هو فلم سنة 1948 الذي مثلت فيه جين وايمن دور فتاة خرساء طرشاء حازت فيه على الأوسكار ، بينما كان روني يمثل أدوارا سينمائية تعوّد فيها على الاستدارة بشكل فني أمام الكاميرا كي تلتقط له صورا جيدة جميلة للبدلة التي كان يمثل دوره فيها . كان روني ممثلا مغمورا تدخَّل في السياسة فأصبح حاكما لولاية كاليفورنيا . في احد الأيام وهو جالس مع زوجته الثانية نانسي في مزرعته وكان مدعو عندهم للعشاء بعض الأصدقاء من جملتهم أحد أخوة نانسي الذي قال وهو يرشف شفطة من عصيره المفضل : " لماذا لا ترشح للرئاسة يا روني العزيز ؟ " وهكذا رشح للرئاسة وفاز وأعيد انتخابه . كان من جملة منجزاته مشروع الريكونومكس في الاقتصاد إلا أن أهم دور تاريخي له هو انه أول من مهد الطريق لسقوط النظام الشيوعي .
بعد أيام من حصول جين وايمن على الأوسكار خرج الزوجان لتناول العشاء في احد المطاعم . بعد الجلوس إلى الطاولة وقيام النادل بتسجيل طلبيات جين وايمن ، استدار إلى ريكان وقال له بمزيج من المزاح الماكر : " وماذا يطلب السيد وايمن ؟ " وكانت هذه هي بداية إحساس روني بالغيرة من زوجته بسبب حصولها على الأوسكار ومن ثم شهرتها بينما هو ممثل مغمور. كان أشهر دور مثله هو في فيلم " طابور الملوك " إخراج سام وود سنة 1942 ، يمثل فيه دور شخص يسقط أمام القطار ويفقد رجليه وحين يستفيق في المستشفى وينظر إلى جسمه ، يقول : " أين بقيتي ؟ " لقد أعجبه هذا الدور لدرجة انه احتفظ بنسخة من الفيلم في منزله وكان يفرج عليه الضيوف بعد كل حفلة عشاء لدرجة ضاقت جين ذرعا بهذا العمل . في المحكمة حينما سألها القاضي عن سبب الطلاق لم تذكر مسألة الفيلم بل ذكرت السبب هو انكباب زوجها على العمل السياسي .
وبعد الطلاق تم تعيين ريكان رئيساً لنقابة الممثلين . في إحدى المرات قامت نانسي (اسمها الأصلي آن فرانسس روبنز) بمراجعة النقابة فالتقيا وأحسا بالانسجام إلا أن من المفارقات الغريبة كانت نانسي مشبوهة على أساس أنها شيوعية بسبب التباس اسمها باسم امرأة أخرى . لكي يثبت ريكان أن هذه هي ليست المشبوهة الشيوعية ، اخذ يخرج معها إلى المطاعم والمحافل الاجتماعية وتزوجها في الأخير سنة 1953 . كانت نانسي قومية أصولية في آرائها ، رفعت لدى ريكان حدة تعصبه القومي كما وأنها كانت صارمة تجاه الشواذ وهي التي جعلت زوجها يطهر جهازه الإداري منهم فلقد قام بفصل اثنين منهما من الخدمة في مكتبه الخاص كحاكم لولاية كاليفورنيا . كانت نانسي قد ورثت هذا التعصب ضد الأقليات من زوج أمها . في احد المحافل التي حضرتها نانسي ابتهجت بمنظر الحاضرين لدرجة هرعت وتحدثت إلى زوجها بالهاتف وهي تقول : " تعال تفرج علي كل هؤلاء البيض الجميلين " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق