الاثنين، 5 يوليو 2010

ثانيا : الأدبــــــاء


عــــزرا بـــاونـــد

في خريف سنة 1962 كان روبرت ستيرن الأستاذ الجامعي يتمتع بسنة تفرغ علمي في إحدى الجامعات الايطالية لتدريس الأدب الانكليزي على طلبتها ، وبطريق الصدفة اكتشف تواجد الشاعر عزرا باوند (1885 – 1972) وفيما يلي تفاصيل ما حدث :

بعد حصولي على عنوان سكن باوند ذهبت للبحث عنه . لما وصلت المنطقة ، أخذت اقرع أجراس البيوت وأنا اسأل إن كان هناك أمريكي كبير السن يدعي عزرا باوند . في الأخير قالوا لي انه يسكن في بيت على الناصية . ذهبت وقرعت الجرس وإذا بسيدة تطل علي من الشرفة (تبين فيما بعد أنها اولكا رج خليلة باوند) . بعد أن عرَّفتها بنفسي أخبرتها بأن هدف زيارتي هو بسبب إعجابي بالشاعر الكبير . نزلت من الشرفة وفتحت لي الباب وأخذتني إلى غرفة في الطابق العلوي وجلست على كرسي الخيزران الصيني . كان باوند يرتدي قميصا ثخينا قديما وهو جالس في الفراش محاط بمجاميع من الكتب من جملتها بعض الروايات . كان حلوا ولطيفا ولكن كانت عيناه تنمان عن ثعلب قديم . ران صمت استغرق دقائق بدت طويلة . سألته فيما إن كان لا يزال يكتب ، أجابني انه يكتب بيت شعر واحد في الشهر . حينما سألته ماذا يقرأ هذه الأيام أجاب انه يقرأ فردوس دانتي . لم تستغرق الزيارة أكثر من عشرين دقيقة واستأذنت بالانصراف . كان باوند مسرعا بمد يده للمصافحة وداعا مع ابتسامة ليس من باب اللطف والحفاوة لكن بفرحة التخلص مني . ولكن السيدة رج دعتني لتناول القهوة بعد أسبوع .

وهكذا بدأت سلسلة زياراتي الأسبوعية لبيت عزرا باوند . كان في بعض المرات ينزل باوند نفسه ليفتح لي الباب ويدخلني البيت . وأخذت مدة الزيارات تطول والأحاديث تكثُر. قال انه لم يكن لديه الفلوس الكافية لزيارة اليونان ومصر وهما بلدان طالما حلم بزيارتهما ، فأخبرته بأني سأجمع له المال الكافي لذلك وفعلا زار اليونان بعد سنة .

وخارج المنزل كنت أصادفه مع اولكا وهما يسيران متأبطين ذراع بعضهما البعض . أحيانا كنا نجلس في مطعم لتناول الغداء وحين سخن الجو كنا نتناول المثلجات في المقاهي . على العموم كان مشّاءً جيداً ونشطاً وحين كان يسلّم علي الناس أو يرد التحية كان بغاية الدفء ، وهذا ما جعلني أتذكر قلبه الإنساني الحنون في مساعدة الأدباء الناشئين في الماضي قبل 50 و 60 سنة مضت وخاصة دوره في نشر رواية جيمز جويس يوليسيز وقصائد روبرت فروست ومن ثم مراجعته وتنقيحه لقصيدة ت.س. اليوت الأرض الخراب . جعلني هذا الجانب فيه أسامحه على الجانب الآخر في سلوكه حينما أصبح فاشياً وصادق موسوليني واخذ يذيع خطابات مناوئة لبلده أمريكا إبان الحرب العالمية الثانية .

وفي إحدى المرات زارتنا ماري ابنة باوند من اولكا ومعها زميل ايطالي من أصل روسي اسمه جيا نفرانكو ايفانجيك . كان باوند وايفانجيك من الضرب الصامت وكان بإمكانهما الجلوس فترات طويلة من دون تبادل كلمة واحدة من دون الإحساس بالحرج. لم استطع تحمل هذا الحرج ولم تستطع كذلك اولكا وماري . وهكذا كنا نحن الثلاثة نقوم بمهمة المحادثة . في إحدى المرات سألتني ماري عن معنى كلمة فأشّرتُ إلى والدها قائلاً لها بأنه هو المرجع اللغوي فتأففت قائلة بأنها إذن لن تفهم أي معنى . ألقت هذه الحادثة الصغيرة الضوء على طبيعة العلاقات داخل أسرة باوند. كان باوند متزوجاً من دورثي شكسبير وهي لم تكن تسكن معه مع إنهما لم يكونا مطلقين وكان لباوند ابناً من دورثي اسماه عمر تيمناً بالشاعر عمر الخيام وكان عمر بمنصب أستاذ الأدب العربي بجامعة بوسطن ومن ثم أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة كمبرج .

وحين كان باوند في مزاج للمحادثة كنا نناقش أخبار الأدب والأدباء وفي إحدى المرات جاء ذكر همنكواي الذي كان قد انتحر في السنة السابقة . كان الحادث مؤلما لباوند الذي لم يصدق انه انتحر لأنه حسب رأي باوند كان كاثوليكيا . وكان همنكواي احد مريدي باوند ، وكذلك كان اليوت الذي أجمل مكانه باوند الأدبية حينما قال : " لو أن هناك أية عظمة أو أهمية للشعر الانكليزي الحديث فالفضل بذلك يعود لعزرا باوند" .

كيــــرتــرود ستـــاين

ولدت كيرترود ستاين (1874 – 1946) الأديبة الأمريكية في ولاية بنسلفانيا ونشأت في فيينا وباريس وسان فرانسسكو ودرست علم النفس والطب في الجامعات الأمريكية ، لكنها استقرت في باريس حيث كانت تختلط بالكتاب والفنانين وطورت لنفسها أفكارا حديثة بشأن الشكل الأدبي . كانت تعيش مع رفيقة عمرها اليس توكلاس . قام بمقابلتها جون هايد بريسن وهو كاتب ومؤرخ محلي .

يقول بريسن : ذهبتُ ذلك الصباح لمقابلة كيرترود ستاين ولقد قامت صديقتها ومديرة أعمالها باتخاذ كافة الترتيبات لإجراء المقابلة وبعد دخولي في الشقة التي كانتا تسكنان فيها ، جلستُ وأقبلت ستاين مرحبة بي .

كانت تتحدث بتلقائية وصوت رخيم وحين كانت تطرح أفكارها كانت شديدة الثقة بنفسها ولو أنها أحيانا كانت غامضة في مراميها . تبين لي فيما بعد أن سبب هذا الغموض أنها لديها المقدرة على استشفاف بعض الأشياء الخفية داخل النفس البشرية التي لا يمكن للشخص العادي إدراكها لكنها تأتي بشكل ومضات لمن لديهم المقدرة على الوصول إلى تجليات روحية خاصة . ولقد كانت محادثتنا تلقائية وحرة منذ البداية وحتى النهاية ولم نحس بأنني قد جئت من أجل حديث للصحافة . والشيء نفسه يصدق على هندامها ومظهرها ، فلقد كانت مرتدية ملابسها العادية وكان شعرها الرمادي القصير الذي لم تمرر عليه المشط ينم عن عفويتها . والحقيقة يبدو أنها كانت قد مررت أصابعها على شعرها لتمسّده لتجعله يبدو على هيئة تسريحة القياصرة . ومن ناحية أخرى كانت ذات نظرات حادة ثاقبة من دون أن تركز عينيها على شيء معين .

تحدثت ستاين قائلة : " الكتابة هي عملية تلقائية فحين يجلس الكاتب ليكتب لا يفكر بالنتائج ، لكنه مجرد يحس بعملية الإبداع أي بكلام آخر يكون همه المسافة بين قلمه والصفحة التي يكتب عليها في لحظة الكتابة ، ليس قبلها ولا بعدها ، والأفكار تأتي لحظة الكتابة وان لم تأت فمن العبث البحث عنها . صحيح أنها هناك قبل عملية الكتابة ، لكنها عادة تكون بشكل ضبابي ، وكتابتها على الصفحة هي بمثابة انقشاع الضباب وخروج الأفكار إلى النور. وعلاوة على ذلك فإن الكاتب لا يخترع الشكل الذي يكتب فيه ، إذ أن الشكل يأتي بعفوية ومن ذاته ، وهكذا إن سيطر الشكل على الكاتب وأخذه في مجالات ومدارات مختلفة فليكن ، وما على الكاتب إلا الاستمرار وعدم التدخل . الكاتب فقط يعرف ماذا يفعل ولكنه لا يعرف كيف يفعل ، عليه أن يسلّم القيادة بيد الشكل . بيد أن العديد من الكتاب يتدخلون في توجيه عبقرياتهم وهم بذلك يتوقفون عن الإبداع الحقيقي ، فهم يصبحون كُتّابا بالحرفة وليس مبدعين بالسليقة وهكذا فمتى قال احدهم : " أنا روائي " فقد حكم على نفسه بأنه إسكافي أدب ، وهذا ما حدث لسكوت فيتز جيرالد ، إذ انه بعد أن نشر كاتسبي العظيم أحس بأنه روائي كبير وهكذا انتهت عبقريته . والشيء نفسه يصدق على همنكواي فقد انتهى إبداعه سنة 1925 حينما نشر أولى مجموعاته القصصية وبعدها للأسف أحس انه روائي فأنقلب إلى اسكافي أدب . حينما تعرفت على همنكواي كانت لديه موهبة في تحسس المشاعر والتعبير عنها بشكل صادق ورائع وهذا ما نجده في مجموعته الأولى من القصص القصيرة ، حيث كان أديبا مبدعا أما في ما تلا ذلك فلقد أصبح اسكافيا أدبيا . على الكاتب أن يعرف انه يكتب بجدية وان عمله يختلف عن عمل بائع متجول . وأعود إلى مسألة الشكل لأقول انه متى ما اكتشف الكاتب الشكل الذي تميل عبقريته إليه فإن الشكل يصبح هو الكاتب نفسه ، وهو ذا السبب أن جيمز بوزويل هو أعظم كاتب سيرة حياة عندما كتب سيرة حياة الدكتور جونسن بعبقرية فذة لأنه استطاع أن يجعل جونسن يتفوه بكلمات هو لم يقلها لكنه لأنه فهم شكل حديثه وكتاباته ، نجح في إعطاء صورة حية رائعة عن جونسن . المهم في المسألة هو عدم التفكير بالشكل ، لكن جعل الشكل يأتي من تلقاء نفسه ، وهذا هو احد أسرار الأدب ".









نـــابــوكــوف

ولد فلاديمير نابوكوف (1899 -1977) الروائي الأمريكي في مدينة بطرسبرك في روسيا ، وهو ينحدر من أسرة ارستقراطية كانت قد غادرت روسيا إبان الثورة البلشفية عام 1919 . درس نابوكوف الأدب الفرنسي والأدب الروسي بجامعة كمبرج بانكلترة ، ثم عاش في برلين وانتقل إلى باريس إلى أن هاجر إلى الولايات المتحدة واكتسب الجنسية الأمريكية ومن أشهر رواياته لوليتا سنة 1959 .

استقر به المقام في سويسرا حيث مات . قامت بإجراء هذه المقابلة بنيو لوبي جليات وهي مراسلة لمجلة فوك وكان زوجها الثاني الأديب المسرحي الانكليزي الشهير جون اوزبورن .

" هل الملكة حامل ؟ " قال نابوكوف متسائلاً .

" لا اعتقد " ، أجبته .

" حينما شاهدتها على التلفزيون وهي تتفرج على مباراة كرة القدم لكأس العالم كانت بين الفينة والأخرى تمسّد بطنها " قام بحركة تمسيد على بطنه .

" أنها دائما تفعل ذلك " قلت له .

" آه ، حقاً : أنها حركة ملوكية ، دائماً حامل بطفل ، بوريث للعرش" قال ضاحكاً وهو بمنتهى الأنس والانشراح .

تقابلنا بمنطقة نائية في سويسرا . تحدثت إليه عبر هاتف الفندق وكانت طريقة كلامي مثل طريقة كلام إحدى الشخصيات في روايات شيرلوك هولمز . ولما كنت اعتقد انه لن يعرفني بطريقة الكلام هذه ، قلت له إني ذات شعر احمر وذلك كي يتعرف علي في بهو الفندق ، وهو من ناحيته قال انه سيكون حاملاً بيده كتاب تحدثي يا ذكريات والذي هو سيرته الذاتية .

لفرط دهشتي استطاع أن يكتشف خصوصية وفرادة طريقتي في الكلام ، ولا عجب ! فلقد كان والده احد معارف مؤلف شيرلوك هولمز وهو الكاتب السير آرثر كونان دويل . لدى نابوكوف الرغبة الجامحة لأي كاتب لمعرفة دقائق تفاصيل المظاهر كما وله إذن حساسة في تمييز اللهجات واللغات . كان قد اقلع عن التحدث باللغة الروسية التي كان يتحدث بها بطلاقة وبلاغة وفصاحة والتي كتب بها روايته الأولى واخذ يتحدث بالانكليزية التي تعلمها من مربيته ، وكتب رواياته الأخرى بلغة انكليزية لذيذة مشاكسة تدغدغ حواس الانكليز أكثر من الكتاب الانكليز وتصل إلى أعماق في النفس لا يصلها الكتاب الانكليز .

يبدو لي أن هذا هو السبب في انه يكتب عن الحب بشكل أفضل من الكتاب الانكليز أنفسهم إذ أن مرارة النفي تحمل لسعة القيام بسرقة ومن ثم حلاوة الإحساس بالحميمية التي يحسها اللصوص بعد خروجهم سلامات من مأزق .

كان يتمتع بروح دعابة روسية خالصة ، وحين كانت تمسك تلابيبه ويعجز عن الخروج عن سيطرتها يصبح منظره رائعاً للغاية ، وهو في الحقيقة يحمل الكثير من صفات ومزايا المهرج . وحين تجتاحه نوبة ضحك ، تراه يهتز على الكرسي ويبدو كأنه على وشك السقوط أو كسر الكرسي . وهو شخص سهل التعامل ويطلق الإحكام على الناس والأشياء بعفوية وسرعة ، فمثلاً حينما سألته عن رأيه بالأديب بوريس باسترناك ، أجاب وكأنه يعطي رأيه بوجبة طعام : " إن الدكتور زيفاكو هي رواية مزيفة ، مثخنة بالميلودراما وسيئة التأليف ، وهي غير صادقة مع التاريخ ولا مع الفن وشخصياتها دُمى ، لكن باسترناك شاعر مجيد ، وكمترجم لشكسبير فهو لا يستحق الثناء ، وفقط الذي يجهلون اللغة الروسية هم الذين يعجبون بترجمانه لشكسبير".

ثم جاءت زوجته وجلست معنا وطلبنا الشاي بالليمون وكان حينما يريد أن يستشهد ببيت شعر أو مقولة من كاتب كانت زوجته هي التي تأتي بهذه الاستشهادات وكأن ذاكرتها تعمل مثل ذاكرة حاسوب . ثم تحدث عن هوايته الغريبة نوعا ما وهي صيد الفراشات وقال :" إن الناس يحملون ذكريات عن مدينة لوس أنجلس على مبانيها ومسارحها وشوارعها وعلى هوليوود التي تقع قربها لكني احن إلى لوس أنجلس على غاباتها المليئة بأعداد غفيرة وأنواع شتى وأجناس متعددة من الفراشات . حين كنت اذهب عصراً لممارسة هوايتي المفضلة كنت أعيش ألذ ساعات حياتي . بطبيعة الحال ، ما عدا الساعات التي تكون فيها معي حبيبتي فيرا ". قال ذلك وهو يتبادل النظر مع زوجته فيرا وهو يبتسم ابتسامة عريضة رائعة .

تينيســــي وليـــامـــز

مقابلة صحفية أجراها ريكس ريد مراسل صحيفة أسكواير .

" كنت مريضاً في الآونة الأخيرة يا حبيبي". قال تينيسي وليامز وهو يجلس تحت شمعدان وقد ثبت وردة عباد الشمس على جهة سترته وقد أطلق له لحية . كان قد انتهى لتوه من تناول غداءه في مطعم أنطوان . كان يأكل قواقع روكفيلر ويشرب النبيذ الأبيض المبرد ويتحدث عن الحياة . لو كان هناك تمساح في مستنقع يتكلم ، فسوف يكون يشبه تينيسي وليامز إذ كان لسانه مطلياً بشراب الرم ويخرج ويدخل متلاطماً وهو يلامس شنب صاحبه مثل لسان عضاءة وردية اللون . كان صوته يتمايل كدخان منبعث من سيكار في غرفة بلا تهوية . ومن ثم على حين غرة ، يطلق ضحكة حادة مثل صرخة ببغاء بري جريح وكانت يداه ترفرفان مثل طائر يحتضر في مزرعة دواجن مهجورة . كان الفرح الظاهري يخفى تحته ترحاً تراجيدياً ، ففي سن الستين ، يجلس أشهر كاتب مسرحي في العالم على شفا حفرة من الانهيار ، وهو يقاتل كنمر ويتكلم كشاعر: "تحاول الكواسر أن تنقر عيني ولساني وعقلي ، ولكنها لن تفلح في النيل من قلبي " .

كان مريضاً طوال حياته ، وبعد إصابته بالدفتيريا اخذ يعاني من مرض كلوي دائم ، كما وانه أصيب بشلل استمر عدة سنوات وأصيب بأول انهيار عصبي حينما كان في الثالثة والعشرين من عمره . وفي السنوات العشر الأخيرة أصبحت جلسات سكره وتناوله المخدرات مادة دسمة للصحافة . في سنة 1969 انتهى الأمر به في مصح للأمراض النفسية ،" كنت خارج عقلي يا حبيبي ، لم اعد استطع أن أتذكر كم حبة تناولت ، ولا كمية الكحول التي بها أنزلتها . نهضت من النوم عند الثانية فجرا وأخذت اصب على نفسي القهوة الثقيلة ، وحين وعيت على نفسي وجدت أخي داكن وكان قد أودعني في المصح الذي فيه أصابتني ثلاث حالات تشنج ونوبتان قلبيتان . تلقيت معاملة بغاية القسوة . إن النوم هو حاجة ضرورية بالنسبة لي ، يساعدني على العمل . تكفيني أربع ساعات ولكني أدمنت على الحبوب المنومة لأنني لا استطيع الحصول على كفايتي من النوم . في المصح كانوا يمنعون علي النوم لمدة أربعة أيام بلياليها . فقدت من وزني خمسة عشر كيلوغراما وأوشكت أموت . لكنني الآن قد تعافيت ، وإنني حاليا مبتعد عن المشروب " .

" هل أنت خائف من الموت ؟ " سألت .

يحدق في القشرة الداخلية لقوقعة كان قد فرغ من تناولها : " اعتقد إنني طالما فكرت به ، وله حضور في مسرحياتي بشكل دائم . كانت تمضي علي ليال كنت أخاف فيها أن اذهب إلى الفراش . كنت في السنين القليلة الماضية أفكر كثيرا بالانتحار. كنت في الستينات أعيش على هامش الحياة إذ كنت عائشاً تحت تأثير الحبوب والكحول بشكل مستمر، وكنت في حيرة من أمري ".

صدرت تنهيدة عبر المائدة ، بينما كان صديقا تينيسي جالسين بسكون وهما يصغيان . كان احدهما أستاذا بالأدب الانكليزي في إحدى الكليات ولقد جاء ليسلم على صديقه القديم تينسي بمدينة نيو اورلينز قبل أن يسافر تينيسي إلى ايطاليا في رحلة ينشد من خلالها بعض راحة البال . كان الآخر شابا مفتول العضلات من ممتهني التزلج على الماء . كان اسمه فكتور هيربرت كامبل ، يبلغ الثالثة والعشرين من عمره ، وهو يعمل حالياً مدير أعمال تينيسي وليامز وكذلك رفيقاً له " بإمكانك أن تسميني فك ، كاختصار لفكتور " قال لي الشاب . "هاه" زعق تينسي ، " قصدك كاختصار لفك مكسور دمرته الحياة " . تحمر وجنتا الشاب خجلاً وحرجا فيعود إلى طبق طعامه ." سوف أبحر على متن السفينة مايكل انجلو إلى روما سوف يذهب معنا جورج ".

" كيف جورج هذه الأيام ؟ " سأل الأستاذ بعد أن كانت بعض قطرات من الصلصة التي كان يصبها على طبقه قد سقطت على ملابسه البيضاء .

" ليس على ما يرام " قال تينيسي وهو يتنهد " آخر مرة رايته لم يكن قد تحمم لأكثر من شهر وكان هناك نسيج عنكبوت يتدلى من سقف المآرب على أبواب سيارته ، سوف ينفعه السفر".

" هل رأيت كور مؤخرا ؟ "

" طبعاً لا أتوقع رؤيته قبل أن يتصل بي. كنت ثائراً بسبب ما كتبه عني في الجريدة . إن الشاب فكتور يشبه كثيرا كور في شبابه ".

" من هو كور ؟ " يسأل فكتور، وهو يلوك قطعة مقالي فرنسية .

" انه كاتب يا حبيبي ، فهو مؤلف رواية مايرا بريكنرج ".

" أوه ، لقد سمعت بها " قال فكتور وهو يبتسم منتصرا .

يلتفت تينيسي إلى : " هذا الصبي لا يميز بين كارسن ماكلر وايرفنك برلين . انه تربية جيل التلفزيون ، أليس كذلك يا فكتور ؟ في المنزل في مدينة كي ويست ، يسهر ليتفرج على البرامج والمسلسلات التلفزيونية ، ومن ثم يأتي إلى في غرفتي يروي لي ما كان قد شاهده . من المفروض إننا الآن في كي ويست لولا أني لم اعد أطيق العيش فيها نظرا لأني مريض للغاية بحيث لا استطيع العيش حيث لا تتوفر العناية الطبية اللازمة لي".

هناك العديد من الأمراض في حياة تينيسي وليامز لدرجة لا يعرف متى يبدأ واحد وينتهي آخر. اسأله عن آخرهم ، يجيب " لم اعرف طيلة حياتي إلا الأمراض لدرجة لا اعرف آخرهم . أجريت لي عملية جراحية في بانكوك لاستئصال ورم سرطاني في صدري . حينما استشرت طبيبي الخاص بجراحة القلب الدكتور جورج برج هنا في نيو اورلينز في الصيف الماضي اكتشف أثناء إجراء الفحوصات ورماً طفيفاً في منطقة الغدة الثديية اليسرى عندي".

" أنا هنا لمراجعة طبيب الأعصاب وطبيب القلب ، " قال الأستاذ مداخلاً .

" سرطان الصدر حالة نادرة بين الرجال ، أليس كذلك ؟ " لا استطيع مقاومة السؤال.

" اجل يا حبيبي ، طوال حياتي لم يحدث لي إلا الأشياء النادرة . على أية حال احد معارفي الذي لن أفصح عن اسمه كان ينوي أن يأخذني في رحلة إلى الشرق واخبرني طبيبي إن كان الورم في صدري خبيثاً فهو ينصحني أن اصرف النظر عن السفر وان أُجري عملية فوراً إلا أن صاحبي قال أن لا داعي للعملية لان الجراح الخاص لملك تايلند صديقه . وهنا قلت تباً للعملية فأنا ذاهب في تلك الرحلة . ولكن الورم كان يزداد حجماً ولو ببطء ونحن نمخر عباب مياه المحيط الهادي . وحينما اقتربنا من هاواي (ويلفظها هايواهيوه) تملكني الهلع لدرجة قمت أتحدث بالموضوع لفريق الصحفيين الذي كان معنا على ظهر السفينة . قلت للصحفيين بأنني في طريقي لإجراء علمية جراحية على يد الجراح الخاص لملك تايلند في بانكوك . حينما وصلت بانكوك أخبرتني موظفة الاستقبال في فندق الشرق بعد نصف ساعة من وصولي أن هناك مراسلي الصحف يريدون أن يسلَّموا علي . نزلت للأسفل وكانوا يحتسون المارتيني ، وهكذا أسرعت الخطى وشاركتهم على الفور. هيهيهيهيهيهي . وفجأة ران صمت فقام احدهم وتحدث قائلا وهو يوجه كلامه إلي : " سيد وليامز، هل صحيح انك أتيت إلى بانكوك لتموت؟ " هيهيهيهيهيه ضحكت مليء شدقي طبعاً . قلت له : " لا ، وان كنت في طريقي لأموت فان المكان الذي أريد أن أموت فيه هو روما ". وهكذا بدأت الإشاعة في العام الفائت بأنني موشك على الموت بالسرطان . لقد انتهى كل شيء الآن وهكذا لا يهمني الحديث عن الموضوع . ولقد أجريت لي عملية جراحية بتخدير موضعي ولقد زال مفعول المخدر والعملية لم تنته بعد . لك أن تتصور الألم الذي كابدته ولكن لحسن الحظ كنت احمل زجاجة شيري معي تحسباً للطوارئ وحتى أني لم أكن قد حجزت غرفة لي في المستشفى . نهضت بعد العملية وعدت إلى الفندق لتناول الغداء . ينتشر سرطان الصدر عند الرجال بسرعة أكبر مما عند النساء وأتصور أن سرطاني لم يكن من النوع الخبيث وإلا لكنت ميتاً الآن " .

" ولكن صادفتك مشاكل إضافية منذ حينئذ ، أليس كذلك ؟ "

" مشاكل بدنية ؟ نعم والله فلقد مرت علي مدة طويلة وأنا لا اعرف العافية . أتصور أني كنت ادفع ثمن سنوات عمري المبكرة ، سنوات الفقر والعوز قبل أن ابتدأ في جني الأموال ، سنوات رهيبة من الفاقة والحرمان أنهكتني والأكثر من هذا . كانت عندي وساوس مرضية ، وكانت أختي روز نزيلة مصحة منذ كانت في السابعة والعشرين من عمرها. وكذلك عندي مرض الرهاب من الأماكن الضيقة . في إحدى المرات أودعت السجن لأني كنت أقود سيارتي ليلاً من دون إشعال الأضواء الأمامية ، وفي داخل المحجر بالسجن أصابني الهلع من الموت في نقرة رطبة معتمة وأنا بصحبة مومسات ، والناس الذين كانوا يصرخون من اجل النجدة حطموا أعصابي بصياحهم . بعد إطلاق سراحي راجعت محللا ً نفسياً يتبع الأسلوب الفرويدي وعزى كل شيء إلى .. اللبيدو ، كما يقول الفرويديون .. هيهيهيهيهي ويييييييز ... اعتقدت أن ذلك كان تفسيرا ساذجا للموقف .. هاهاهاهاهاها ...



صمـــوئيـــل بيكـــت

فيما يلي تقرير بقلم ميل كصو حول لقاء تم بينه وين صموئيل بيكت .

كما عرفت فيما بعد كان بيكت يلح على الدقة في المواعيد وانجاز الإعمال بوقتها المحدد . على أية حال وصلت حوالي ساعة قبل الموعد المتفق عليه. أوقفت سيارتي في شارع فرعي ، ومشيت في شارع سان جاك . كان مكان اللقاء هو جزء من فندق وهو محل مكتظ بالمسافرين ، وللمحافظة على أبهة الفندق كان المقهى ويدعي " كافي فرانس" على الطراز العصري ، وهو مكان لا يتوقع أن يرى فيه المرء صموئيل بيكت . وعند تمام الحادية عشرة صباحا بالضبط ، دخلت المقهى . كان بيكت قد سبقني إلى هناك وجلس في زاوية قصية بهامته الفارعة وسيمائه المكفهر. كان يرتدي سترة بنية اللون من الصوف الناعم وتحتها بلوز من النوع الذي فيه حلق مثل حلق السلحفاة ، وكان يضع نظارات صغيرة سوداء مدورة تشبه نظارات هام البطل الأعمى لمسرحيته " لعبة النهاية " . كان يشرب قهوة اكسبرسو ويدخن سيكارا رفيعاً اسود اللون . بعد تبادل التحية وطلبه القهوة لي أخذت أحدثه عن العرض الأخير لمسرحيته في انتظار كودو من إخراج فرانك دنلوب على خشبة مسرح أكاديمية بروكلن للموسيقى وكان مذكور في لوحة الدعاية انه سبق لبيكت وان اخرج المسرحية بنفسه في قاعة بام في ألمانيا . في الواقع كانت هذه نسخة دنلوب الأمريكية مع تغيير في الممثلين وكانت بصراحة بعيدة عن روح النسخة الألمانية . كان من الواضح أن بيكت لم تعجبه فكرة قيام دنلوب باستغلال اسمه لغرض الدعاية والإعلان . بعد ربع ساعة من الحديث سألت بيكت فيما إن كان بإمكاني تدوين الملاحظات ، وافق لكنه ذكر قائلا : " إن هذه ليست مقابلة. " اتفقنا .

غطت هذه المحادثة الأولية العديد من المواضيع ولكنها تمحورت حول مسرحية في انتظار كودو . أكد لي انه كان قد تفرغ من تأليفها عام 1949 ومن ثم في السنوات الأربع التالية كان يحاول تقديمها على المسرح هي والمسرحية التي كان قد كتبها آنفا تدعي ايلوثيريا . لما سألته هل حمل في انتظار كودو وذهب بها للمخرجين قال أن زوجته سوزان أخذتها وطافت بها على المخرجين بمسارح باريس ورفضها الجميع مثلما يرفض ناطور مبنى دخول غير المقيمين . أشار احد معارفه أن يقصد روجر بلان وهو مخرج وممثل يعيش في باريس ويميل للحركة الطليعية في الفنون والآداب ، وسبق لبيكت وان شاهد إخراج بلان لمسرحية سترندبرغ سوناتا الأشباح وكان بيكت قد أعجبه في بلان شيئين هما : الإخلاص للمؤلف والخلو شبه التام لخشبة المسرح من أي أثاث ومناظر مسرحية . سلمت سوزان إلى بلان كلتي المسرحيتين ويقول بيكت إن اختيار بلان وقع على كودو لقلة تكلفة إنتاجها . وعلى أساس قبول بلان لإخراج المسرحية أهداه بيكت مسرحيته التالية لعبة النهاية .

لم يحضر بيكت ليلة افتتاح في انتظار كودو في باريس لكنه حضر عرضا آخر في مسرح آخر ووجد المسرحية على حد قوله تثير الإحساس بالانهيار. كان بيكت يكره مشاهدة مسرحياته إذ كان ذلك يجعله يحس بغاية الاضطراب والتوتر إذ حسب تعبيره " أرى كل أخطائي". من ناحية أخرى كان يحب حضور التمرينات والتدريبات مع الممثلين والمخرج إذ أثنائها بإمكانه أن يصحح أخطائه .

لماذا ألف بيكت مسرحية في انتظار كودو بالفرنسية وليس بالانكليزية لغته الأم ؟ أجابني بيكت : " لأن الانكليزية كانت بغاية السهولة بينما أنا كنت انشد الانضباط ". وحين جاء الكلام عن سبب انتقاله من الرواية إلى المسرحية قال : " أفضل محدودية خشبة المسرح مقارنة بالفضاء اللانهائي للنثر . اتجهت للمسرح كملاذ من سواد النثر ، فبعد الأدب الروائي كان المسرح هو النور". ثم عقب قائلا بوجوم بيكتي معهود : " وسرعان ما انقلب المسرح بدوره إلى سواد ".

حدثني انه كتب كودو بغضون أربعة أشهر وعلى حد تعبيره " بسرعة فائقة لم يسبق لها مثيل عندي كما ولم أكن اعرف إلى أين ستؤدي الكتابة بي أو ماذا كان سيكون اسم المسرحية . كتبتها في دفتر تمارين مدرسي ، من أول صفحة إلى آخر صفحة وحين انتهى الدفتر ولم تنته المسرحية أخذت أكمل الكتابة بالمقلوب من أخر صفحة إلى أول صفحة . كانت هناك بعض التصحيحات لكن لم أمزق أية ورقة وبعد طبعها ونشرها ما زلت احتفظ بالمخطوطة ". ولكي يصور لي عملية كتابة المسرحية اخذ فاتورة الحساب من على المائدة حيث كان قد تركها النادل وطواها إلى نصفين وكأنما كان يهم بلعب عملية سحر بالأوراق وقلبها بنترة صدر عنها قرقعة جعلت النادل يسرع نحونا يخال أننا نريد دفع الحساب . ابتسمنا على حركة النادل وحاول بيكت إفهامه انه كان يستعمل الفاتورة لغرض شرح بعض الأمور وحينما وجد أن محاولته في إفهام النادل ما كان يجري باءت بالفشل ، هز كتفيه علامة على عدم الجدوى ولإنقاذ الموقف جدد طلب القهوة .


مــــــي ويــست

مي ويست (1893-1980) : من مواليد بروكلين . بدأت مشوارها الفني في ثنائي فودفيل ثم ممثلة ومغنية ، وظهرت لأول مرة على مسارح برودواي عام 1911 قبل أن تظهر في السينما في الثلاثينات وهي في الأربعينات من عمرها . اشتهرت بالفصاحة والحصافة والكلام ذي المعنى الخفي والمبطن بالإشارات واللغز واللمز والهمز. أجرت معها الصحفية شارلوت شاندلر مقابلة صحفية سنة 1974 في بيت مي . تقول شارلوت:

مدت مي ويست يدها إلى مستقبلة إياي بكل حفاوة وترحاب وحين صافحتها جرحت راحة يدي بإحدى جواهر محابسها وحين لاحظت ما حدث قالت وكأنها تتحدث عن موضوع مألوف عادي : " أنها قديمة وحادة ". كل محابسها كانت مرصعة بالجواهر وكانت كذلك تضع قلادة جواهر ومعصم جواهر وخلخال جواهر. وقالت لي موضحة : " كل هذه هي جواهر ساعات النهار فقط ". ثم مدت يدها نحوي كي أتفحصها وأردفت قائلة : " أنظري ، كلها جواهر حقيقية تلقيتها من معجبين". ثم نظرت إلى يدي العاريتين من الجواهر وقالت : " إني ارثي لحالك ، ما عندك شيء "، ثم أضافت : " بعد الصحة ، أثمن ما في الحياة هي الجواهر". وهنا سمعت صوت خفقة أجنحة صغيرة ، ولما أجلت النظر في الغرفة خلسة لم ألاحظ وجود أي أقفاص للطيور أو العصافير، لكن مع ذلك استمر صوت الخفقة الخافت وسرعان ما اكتشفت أن مصدر الخفقة هو صوت الرموش الاصطناعية لعينيها . حقا كان صوتا شبيها بصوت صنجات صغيرة .

لم يكن من عادة مي ويست في الفترة الأخيرة السماح بإجراء مقابلات صحفية معها . ولقد استغرقت معها ثلاث ساعات ولو أني كنت رجلا لسمحت لي مي بست ساعات إذ قالت لي : " إن تمضية أي وقت مع النساء هو مضيعة لوقتي ولهذا فإنني نادرا ما أكون بصحبتهن عدا ماما وأختي بيفرلي". كانت طريقة مي في الحديث ساحرة فكانت تتمنطق بالكلمات وتمد وتنغم مقاطع الكلمات ، وأحيانا بشكل مثير جنسيا وكان يصاحب ذلك حركات تجعل شعرها البلاتيني الملطوش يتموج وكأنه في دعاية شامبو في التلفزيون . وكنوع من جس النبض قالت لي مي انه بإمكاني التدخين ، ولما أخبرتها أني لا أدخن مدت رأسها وشمت قميصي وقالت لي "عفارم عليك". وبعدها سألتني إن كنت بحاجة إلى كاس ، أخبرتها باني لا اشرب .. فصاحت : " أنت عاقلة وحبابة ، فأنا عمري لم اشرب ولم أدخن وكذلك بابا وماما ". وهنا دخل علينا بول نوفاك صديق مي وهو يحمل من المطبخ صينية عليها أقداح فيها مياه معدنية وعلى كل قدح منقوش صورة لمي ويست من أيام شبابها في أوضاع وبوزات فنية جميلة . ونحن نهم بتناول المياه المعدنية ، سألتني مي عن علبة كنت قد وضعتها على المنضدة حين دخلت ، فأجبتها : " أعلمني جورج كيوكر (مخرج سيدتي الجميلة) أنك تحبين الحلويات". وهنا شهقت بشكل طفولي : " والله جورج قال لك الحقيقة ! افتحي العلبة ". وهنا هجمت على المحتويات وأخرجت قطعة التهمتها بسرعة البرق وتبعتها بأخرى . وهنا تدخل بول واخذ منها العلبة ، وذهب بها إلى المطبخ وهو يقول لها : " مي سوف تسمني".

أخذت مي تفرجني على صورة والديها ، " بابا كان ملاكم ورياضي"، قالت لي ، ثم أردفت قائلة : " الكثير من الصور أتلفها الماء حين حدث فيضان في بلدتنا ". ثم استطردت تحدثني عن حياتها وزيجاتها الست التي فصول البعض منها كانت اغرب من عجائب الأفلام والسينما .









كروجو ماركس

شارلوت شاندلر التي حين بلوغها التاسعة عشرة من عمرها قررت التوقف عن أن تقول كم عمرها للناس . بدأت حياتها وهي تكتب الشعر لمجلات الأطفال ، وحين كبرت ، لم تتعين في دائرة حكومية بل عملت بأعمال صحفية حرة . وكان أول نشاط صحافي لها هو إجراء مقابلة صحفية مع خوان بيرون على حسابها ومسؤوليتها ومن ثم اشترت هذه المقابلة مجلة بلاي بوي التي أوكلت إليها مهمة إجراء مقابلة صحفية مع الكوميدي الشهير الفصيح كروجو ماركس والمعروف عنه رفضه لإجراء المقابلات الصحفية . تقول شالوت شاندلر: " طلبت إلى كروجو ماركس أن اجري معه مقابلة صحفية لحساب مجلة بلاي بوي فرد : "عرضت على مجلة تــايـم 10 ألاف وقلت لهم أني لا اقبل حتى بعشرين ألف ، وأنا لا اقبل مقابلة صحفية معك لقاء 30 ألف "! ثم سألني إن كان من الممكن أن يقول لي "لا" وجها لوجه . أخذت سيارة أجرة وذهبت إلى بيته . استقبلني كروجو وأراني مقتنياته وتحفياته ثم دعاني للعشاء وأخذنا نتحدث أثناء العشاء عن مواضيع شتى من جملتها عمله ، وعند الساعة 11 ليلا قال : " أراك" لا تكتبين! " عندئذ أدركت أني كنت قد قمت بمقابلة صحفية معه . وبعد نشر المقابلة في المجلة طلب كروجو إلى شارلوت شاندلر أن تكتب كتابا عنه وكانت النتيجة كتاب بعنوان أهلا ، أنا ذاهب عام 1938 والذي هو أساسا مقابلة صحفية موسعة بحضور وودي الين وأصدقاء مقربين . كروجو هو الأخ الأكبر للأخوة ماركس وهم الفريق الكوميدي الرائع لشركة م.ج.م إبان الثلاثينات والأربعينات ومن أشهر أفلامهم حساء البط وليلة في الأوبرا وفي فيلم بنهاية الخمسينات اسمه قصة البشرية الذي يظهر به الأخرس نك كرافات صاحب برت لانكستر في القرصان الأحمر يظهر كروجو بدور كاميو قصير بدور الهولندي الذي اشترى جزيرة مانهاتن من الزعيم الهندي بونتياك ، ويظهر الأخ الأصغر لكروجو وهو اخرس بدور اسحق نيوتن وكيف تسقط على رأسه التفاحة وجراء ذلك يكتشف قانون الجاذبية الأرضية . في فيلم نحو الغرب يقوم كروجو بدور صحفي يغطي أخبار استكشاف غرب الولايات المتحدة أو ما يسمى بالغرب البري ، وهو أصلا قادم من نيويورك أي ما تسمى بمنطقة الشرق حيث المدن والحضارة ، بينما الغرب براري موحشة وحين يسأله احد الأشخاص من جماعة الغرب : " كيف تجد الغرب ، إن شاء الله أعجبك " يرد عليه كروجو مجاملا : " والله الغرب جيد ، لكن فقط لو انه في الشرق كم كان سيكون بعد أحسن". تربى كروجو وأخوته يتامى بعد وفاة الأب وكانت أمهم حريصة على تربيتهم ومتفانية في سبيلهم ، وقد وفوا معها حين كبروا وكبرت . اسمهم أصلا هو ليس ماركس لكن تبنوا هذا الاسم تهكما بكارل ومثلما شارلي شابلن علامة مميزة بالعصى والسروال الفضفاض والسترة الضيقة ، كروجو متميز بالجروت والنظارة المدورة وشوارب المشط وحين يتكلم يمسك الجروت من وسطه بين الإبهام والرابع الأوسط ويحرك رأسه وعينيه .

تيرون بـــاور

تيرون باور (مواليد مدينة سنسناتي 5/5/1913 والمتوفى في 15/11/1958) . في عز شبابه وهو ممثل باستوديوهات فوكس القرن العشرين إبان الثلاثينات والأربعينات . غزا هذا الاسمراني ذو الشعر الفاحم والحسن المصيبة والعينين الكحليتين قلوب الملايين من بنات حواء كلما ظهر محياه على الشاشة ، ولم تسلم زميلاته الممثلات من هذا السحر، إذ قالت إحداهن وهي الممثلة أليس فاي : " إن قبلة تيرون باور هي نعيم ". وللأسف مات هذا الساحر عن عمر 45 سنة . انه ابن ممثل السينما الصامتة تيرون باور الأب الذي مات عام 1931 مباشرة بعد تمثيله في فيلم ناطق . قرر الابن أن يسير بخطوات والده في السينما وكان أول ظهور له هناك عام 1932 في فيلم توم براون قبل أن يوقع عقدا مع المنتج الكبير دارل ف. زانوك بشركة فوكس . عام 1938 اخذ بطولة فيلم في شيكاغو القديمة للمخرج هنري كنك وهو دور كان أصلا مخصصا لكلارك كيبل ليمثله أمام جين هارلو ، وكان هذان النجمان قد إعارتهما م.ج.م إلى فوكس لقاء إعارة فوكس للممثلة شارلي تمبل إلى م.ج.م لتمثيل ساحر اوز ولكن بسبب وفاة جين هارلو المفاجئة انسحب كيبل مما جعل زانوك يصدر الأوامر للمخرج هنري كنك أن ينتقي احد الممثلين المقيمين لتمثيل الدور. وهكذا وقع الاختيار على تيرون باور وكانت الممثلة المختارة للفيلم هي اليس فاي المذكورة أعلاه . لاقى الفيلم فيما بعد نجاحا ساحقا . ثم تبع ذلك أفلامه القوية جيسي جيمز 1939، عودة فرانك جيمز 1940. في فيلم علامة زورو 1940، وهو إعادة للدور الأصلي الذي مثله دوكلاس فيربانكس الأب أيام السينما الصامتة والذي كان ممثلا سيافا وكان مثالا يقتدي به ايرول فلين وستيوارت كرينجر ارتقى تيرون باور إلى مستوى فيربانكس في رشاقته وخفته . وتبع ذلك فيلم رمل ودم وهو إعادة للدور الأصلي الذي مثله رودلف فالنتينو ساحر النساء أيام السينما الصامتة في العشرينات . وكذلك بزه تيرون باور بهذه النسخة الجديدة في سحر وإبهار بنات حواء . ومن أفلامه الجديدة الأخرى البجعة السوداء مع مورين اوهارا . ذهب باور للحرب العالمية الثانية وعاد رجلا مختلفا إذ كانت هنالك أخاديد قد ظهرت على وجهه كما واختفى بعض البريق الشبابي ، وهكذا اتجه إلى تمثيل ادوار الدراما الاجتماعية مثل حافة الموس 1947، شارع الكوارابيس 1947. ولو انه فيما بعد عاد إلى الأفلام التي فيها بعض الاكشن مثل قائد من الكستيل 1947، أمير الثعالب 1949، فرسان ممر خيبر 1953. مات بسكتة قلبية وهو يمثل سليمان وملكة سبأ أمام جينا لولو بريجيدا ، وأعاد تمثيل الدور وأكمله يول برينر وكان ذلك عام 1959.











الينــــور بـاركـــــر

الينور باركر: مواليد 26/6/1922 ذات الشعر الأحمر: مرشحة للأوسكار ثلاث مرات ولم تفز أبدا ، كما وأنها لم تفز بجمهور يقدرها حق قدرها . بدأت بالظهور على الشاشة عن طريق وارنر بروز في فيلم شهداء المجد مع ايرول فلين 1941 وتوالت أدوارها . وفي الخمسينات مثلت قصة بوليسية مع كرك دوكلاس 1951، سكارموش 1952 مع ستيوارت كرينجر، مطاردة في النهر 1955 مع روبرت تايلر رس تمبلن ، الغابة الملعونة 1954 مع شارلتن هستن ، الرجال ذو الذراع الذهبي 1955 مع فرانك سناترا وكم نوفاك ، الملك وأربع ملكات 1956 مع كلارك كيبل . وكان آخر دور مهم لها في صوت الموسيقى 1965. وفي مطلع الستينات شاهدناها على الشاشة بفيلم اسود وابيض بدور ليزي الفتاة التي تعاني من انفصام ثلاثي بشخصيتها . شاهدناها في مطاردة في النهر، وكان من أوائل أفلام م.ج.م. بالسينما سكوب ، والفيلم يجمع بين الاكشن والمرح وفيه جزء تجري أحداثه في طوافة في نهر شبيه بما يحدث في فيلم نهر بلا عودة ، روبرت ميتشام مارلين مونرو حيث يهاجم الهنود جماعة في قارب في النهر. وفي الغابة الملعونة شاهدناها في إحدى جمهوريات الموز مع شارلتن هستن وهناك هجوم مخيف للنمل بعدد بالملايين ومازلنا نتذكر كيف الآلاف من النمل كانوا يعبرون الماء على أوراق أغصان الأشجار الساقطة في النهر. وفي الرجل ذو الذراع الذهبي تقوم بدور مدعية الشلل المقعدة على كرسي بعجلات وحين يكتشف احد الزوار أنها متعافية غير مقعدة ويخرج ضاحكا تهرع وراءه وتدفع به ليسقط ميتا من أعلى العمارة . في سكارموش تظهر بدور غجرية صديقة ستيوارت كرينجر، إذ تفاجئه وهو يحاول الخروج متلصصا من احد الأبواب الخارجية. في الملك وأربع ملكات تظهر بدور إحدى أربع أخوات جميلات عازبات وقد حجرتهن والدتهن جو فان فليت عن لقاء الرجال ويصادف أن يمر عابر سبيل كلارك كيبل وكل واحدة منهن تحاول كسبه .

جاك بلانس

جاك بلانس : اسمه الأصلي وولتر جاك بلاهنيوكس من مواليد 18/2/1919. بعد أربعين سنة من التمثيل في السينما فاز أخيرا بجائزة اوسكار أحسن ممثل مساعد في فلم محتالو المدينة 1991 حيث يمثل دور راعي بقر عجوز صلب . وحين استلم الجائزة أتى بحركات اكروباتية ورياضية أدهشت الحاضرين ليثبت لهم انه شباب . ابنة جاك بلانس هي زوجة ابن اليزابث تايلر من زوجها مايكل ويلدنك .

لجاك بلانس وجه قاسي الملامح وكم من لكمات كان قد تلقى هذا الوجه في حلبات الملاكمة وبعدها تعرض لحرق وكدمات جراء حادث طائرة ، مما استدعى عمليات تجميل انتهت به إلى وجه منزوع منه بعض اللحم والكثير من الخير ، وهذا ما ساعده لكي يكون وجها متميزا فريدا للقيام بتمثيل ادوار رائعة . ومن ينسى ذلك في شين ، أو السهم القاتل ... الخ. كان أول فيلم له هو رعب في الشوارع إخراج 1950 ايليا كازان وشاركه البطولة ريتشارد ودمارك بدور طبيب عسكري يحاول القبض على جاك بلانس المصاب بمرض معد خطير. وتلا ه فيلم الخوف المفاجئ مع جون كروفرد ورشح للأوسكار عام 1952. بعد ذلك كان لعل أعظم وأكثر دور نتذكره وهو القاتل المأجور ولسن في شين والذي رشح من اجله للأوسكار وكان ذلك في سنة 1953 ، ثم الكأس المقدس 1954 مع بول نيومن وفرجينيا مايو، مطاردة الموت 1955 مع شيلي ونترز، الهجوم 1955 مع أيدي البرت ، الرجل الوحيد 1957 مع انطوني بيركنز . إضافة لتلك القائمة هناك تلك علامة الوثنية مع جف شاندلر، الفرصة الأخيرة مع روبرت ميتشام . اخذ بريق بلانس يخفت مع خفوت أفلام الويسترن في السبعينات وطغيان أفلام الاكشن السريع والزائد عن اللزوم والذوق الفني . ويمثل بلانس جيل العظماء كريكوري بك ، كرك دوكلاس ، مارلون براندو، برت لانكستر، الآن لاد ...الخ . من الذين سادوا ثم بادوا ليحتل مكانهم علوج وطراطير ممن لا لديهم أوجه فوتوجينيك ولا أسماء تطرب النفوس وهكذا نام العمالقة وقام الأقزام ، ونحن ولله الحمد والثناء ، عندنا ذكريات ومعرفة وتذوق لا يعرفها الجيل الطرطوري الطراطيري الجديد . وان كلامي هذا ينطبق ليس محليا وحسب إنما عالميا من طوكيو إلى لوس انجلوس وليس في السينما بل في الأغاني فأين راغب علامة من وديع الصافي ، وينطبق على الأدب : فأين توني موريسن الحائزة على نوبل قبل سنوات من همنكواي الحائز على نوبل في مطلع الخمسينات . ينطبق كلامي أيضا على الأكل فأين همبركر ماكدونادز من كباب حلبي ! وفي السينما أين روبن وليامز، كيفن كوستر، ميل كبسن ، آل باجينو، دستن هوفمن ، ميريل ستريب ، جوليا روبرتس من جاك ليمون ، كاري كوبر، جيمز دين ، ايرول فلين، اليزابيث تايلور، مورين اوهارا !

روبرت ميتشام

روبرت ميتشام (1917-1997) مثال الخامل والكسول ويعطيك انطباع انه نعسان ويريد أن ينام وحين يكون المشهد مع ممثلة فهو كأنما يريد أن يضع رأسه على كتفها وينام . لعل هذا بسبب تعاطيه الحشيشة التي في إحدى المرات دخل السجن لمدة شهرين بسببها . وكان يبدو عليه الضجر والملل وصرح ذات مرة " التمثيل أزعج مهنة في العالم "!. والحقيقة انه لا يمثل إنما يعيش دوره على الشاشة بغرابة أطواره إذ كان كثير الشرب ويتشاجر مع الشرطة وكانت لديه عادة ملازمة له بان ينزع سرواله ويشرع بنزع بقية ثيابه حينما ينزعج أو يزعله احد . وفي إحدى المرات تبول على السجادة في غرفة ديفيد اوسلزنيك منتج ذهب مع الريح ، صراع تحت الشمس ... الخ . وكان مفضوحا في أحاديثه الصحفية مع انه كان يكره الصحفيين . كما انه من ناحية أخرى يعد أول ممثل تجعل منه سمعته الصحفية السيئة أكثر شهرة فبعد محاكمته الشهيرة 1948 بسبب الحشيشة ، كانت دور السينما تزدحم على فيلمه راحيل والغريب مع لوريتا يونك ووليم هولدن . فقد ميتشام والده وهو لم يزل في الثانية من عمره وربته والدته ذات الطبع البوهيمي في ظروف فقر وكان ذكيا ومتمردا وكسولا . كان يكتب الشعر وفاز بجوائز أكثر من مرة لكنه طرد من المدرسة لأنه عملها في قبعة المعلم . وحين حل في هوليوود وهو في العشرين من عمره قال انه عمل في مهن مختلفة منها في عصابة للجريمة المنظمة وقد شهد وعاش واختبر حضيض ما يمكن أن يصله الوضع البشري. وفي الوقت نفسه كان مختلقا للقصص ، وصرح ذات مرة " تعلمت منذ صغري بان يورد المرء قصصاً مفبركة ممتعة أفضل من قول الحقيقة ". بدأ عمله في التمثيل بأن يظهر بدور كومبارس في أفلام الويسترن التي بطلها الشخصية هوبا لونك كاسيدي ، والتي تتطلب ثلاثة شروط : التمكن من امتطاء صهوة جواد ، استعمال المسدس والظهور بارتياح . ولقد تعلم ميتشام من وليم بويد بطل هذه الأفلام الظهور بشكل عفوي طبيعي تلقائي أمام الكاميرا كما لو انه لا توجد هنالك كاميرا . هكذا تعلم ميتشام كيف تعمل الكاميرا وما عليه أن يفعل أمامها . وبعد 21 فيلما ظهر فيها بدور كومبارس ، قفز ميتشام إلى النجومية عام 1944 في فيلم حين يتزوج الغرباء بدور قاتل هادئ الأعصاب . وفي الأعوام العشرة التالية أصبح نجما عالميا وعمل بعقد طويل الأمد مع المنتج والمخرج هاورد هيوز بشركة رك وراديو . اشتهر ميتشام بتمثيل ادوار الدراما البوليسية والويسترن وقد أبدع في فيلم الماضي المظلم مع كرك دوكلاس وليلة الصياد إخراج جارلز لوتن . وكان تمثيله يوحي بشتى أنواع الانفعالات بحيث يحس المشاهد وهو في لجة هذه المشاهدة وكأنه يأكل ماعون مشاوي مشكلة في مطعم شامي .

عمل ميتشام حتى قبيل وفاته عام 1997 ولم يأخذ نفسه بشكل جاد وكان دائم التهكم على نفسه وكان أن صرح ذات مرة مستخفا بأفلامه : " مثلت 120 فيلما ، 40 منها بنفس المعطف وفي جميعها لم أغير شيئا إلا لباسي الداخلي". هو ذا روبرت ميتشام الذي أتحفنا بتمثيله الرائع حقا في الخوف الأكبر مع كريكوري بك ، الجاسوس الغامض ، الفرصة الأخيرة مع جاك بلانس ، نهر بلا عودة مع مارلين مونرو وروي كالهون ، محافظ المدينة ، التلال الثائرة ، وجه ملاك مع جين سيمونز، للرجال لا للمال مع شرلي مكلين التي أحبها وأراد أن يتزوجها لولا انه كاثوليكي بقي متزوجا لزوجته لمدة 57 سنة ، وفي هذا الفيلم يقوم بدور هزلي يموت بان يرفسه ثور اسمه ملروز يمد ميتشام يده ليحلبه بالغلط .

سفيهات هوليوود

سفيهات هوليوود : هناك كواكب سينما مثال الخلق الراقي وأخريات لا يكترثن وشعارهن في الحياة " طز على الدنيا ". كارول لومبارد زوجة كلارك كيبل التي قضت بحادث طيارة كانت تسب وتشتم مثل النسوان في حارة شعبية . كانت آن شريدان خمارة وتذهب زك زاك إلى الحمام حين تنهض كل صباح من شدة السكر في الليلة السابقة . وكانت تالولة بانكهيد تسلم على الناس في الاستديو كل صباح بان تصيح بأعلى صوتها " حبايب "، وبعدها تشتمهم . وكم من مرة شتمت بيتي ديفز وارن الأصلي جد جاك وارنر مالك شركة وارنر بروز حيث مثلت معظم أفلامها وخاصة الأربعينية منها مع ايرول فلين .

وحين مثلت بيتي ديفز دور السفيهة ماركو جاننك في فيلم الكل عن حواء ولكي تعطي تمثيلا واقعيا بارعا فإنها كانت تقلد تالولة بانكهيد في سفاهتها . وبعدها سمعت تالولة بذلك ، وفي مقابلة إذاعية بالراديو قالت عن بيتي ديفيز: "عندما سألقاها سأنتف كل شعرة من شواربها ". ومن المعروف أن بيتي ديفيز كان يطلع لها شعر شوارب وهذا تشنيع إضافي لتالولة بحق بنت ديفيز.

ومن السفيهات كذلك لوبي فليز . وهي ذات فضائح مع ناس مشهورين مثل كاري كوبر الذي أغرته لدرجة جعلته يخون زوجته وبعدها تزوجت لوبي جوني وايسمولر وكانت حياته معها شجارات مستمرة أمام الجيران وفي المحلات العامة . مسكين طرزان ! معنا بطل ومع لوبي دجاجة ! وفي فترة ما، كانت لوبي جيران ايرول فلين وقد راق احدهما للآخر كلاهما له طبيعة نارية في الشرب والتدخين والجنس . ولكن كانت هنالك مفارقات تدل على غرابة أطوار لوبي . وفي إحدى المرات دق ايرول جرس بيت لوبي وفتحت لها الباب وكان كلاهما منتشيين واستمرا بالشرب وذهبت لوبي إلى إحدى زوايا الغرفة وإذا بها في حالة خشوع . بعد دقائق صمت وايرول ساكن عادت . كان جيران آفا كاردنر في مدريد كثيرا ما يسمعون صياحات بالليل ويطلعون على الباب وإذا هم يرون آفا وهي تعيط على شخص ما إما سائق التاكسي أو عابر سبيل شاكسها ... الخ .

وهناك كواكب جريئات في الكلام مثل مي ويست التي كانت تتطاول على كل من يعمل معها من مخرجين ومنتجين وممثلين . وذات مرة سألتها صحفية عن ملابسها فردت بألمعيتها المعهودة عنها وببلاغة من نوع خاص اقترنت بها وقالت للصحفية : " أنا البس للنسوان واخلع للرجال". وتزوجت للمرة السابعة وهي بعمر 78 سنة من شاب عمره 29 سنة وقالت له وهو يخطبها : " حينما أصفو فانا طيبة لكن حينما أزمجر أصبح أحسن".















هـــــاورد هــــــيوز

ولله في خلقه شؤون : المنتج الهوليوودي الملياردير هاورد هيوز مكتشف جين رسل ومقدمها في الفيلم الذي عملها نجمة الخارج على القانون ومالك شركة رك وراديو وصاحب مصنع طيارات مدنية وصاحب شركة خطوط طيران وحائز على اوسكار أفضل منتج والذي أنتج ملائكة جهنم والذي به اشتهرت أسطورة الشاشة جين هارلو، ومنتج فيلم ذو الوجه المشطوب . عاش هذا المليادير وحيدا منعزلا آخر 15 سنة من عمره ومات كفقير لا يملك شروى نقير، يتعشى جبس وحليب نيدو لوحده ، بعد أن كان يتعشى ستيك وبوفيه مفتوح بصحبة اليزابيث تايلر، جين رسل ، آفا كاردنر، وغيرهن. الهي سيدي ومولاي ، لا اعتراض على حكمك ، لكن مع ذلك لما هكذا ؟ كيف ؟ إلى أين ؟ ما العمل ؟ بقي هاورد هيوز مليارديرا لآخر لحظة في حياته ، لكنه هو الذي عاش ومات كمسكين ذي متربة باختياره . وفيما يلي القصة الكاملة :

في سقيفة من أملاك بلدية لاس فيكاس يسكن رجل في غرفة معتمة . انه يأكل شوربة ماجي ولقد استغرق ساعات في شفط بضع ملاعق لأنه كان منشغل بمشاهدة فيلم ويسترن يعرضه بنفسه بماكينته الخاصة به على الشاشة المثبتة في نهاية السقيفة . لقد أصاب جسده نحول مخيف من وزن 95 كيلو إلى اقل من 45 وأصبح طول شعر رأسه ولحيته حتى صرته وطول أظافره بلغ حوالي سنتيمترين لكل واحد . وبين الفنية والفنية يدخل عليه بصمت وهدوء احد خادميه ليرفع ماعون شوربة الماجي ويسخنها على الطباخ ويعيدها إلى المنضدة التي أمامه كي يستمر في شفطها من دون تبادل أي كلام . هذا هو غداء هاورد هيوز الملياردير. القليل يعرف كيف اعتكف هيوز في عزلته التي بدأها عام 1952 بعد مسلسل من المحاكمات ، وحين طال احتجابه عن الحياة العاملة ظن الكثيرون انه مات ودفن سرا . ومنذ عام 1961 ولمدة 15عاما . عاش هيوز متنقلا من سقيفة إلى شقة معتمة ومن هناك إلى فيلا مماثلة وكانت حياته هذه هكذا كما يعيش في دار سينما أثناء تشغيل الفيلم عتمة دائمية . كان هيوز يُشغل فعلا فيلما بعد فيلم من أفلام الويسترن والاكشن وكان لمدة أسابيع يعتاش على حامض حلو وفول السوداني وحليب نيدو . هذا الذي امتلك أكثر من فندق في لاس فيجاس . كان هيوز قد ولد في هيوستن تكساس ليلة عيد الكريسمس عام 1905 وكان والده من ملوك النفط . وحين حل في هوليوود وأصبح منتجا مستقلا فيها كان يطلع مع أجمل الممثلات ويغدق عليهن الأموال بلا وجع قلب . وتزوج عدة مرات ، مرة من جين بيترز صاحبة برت لانكستر في زعيم الاباشي لكنها سرعان ما اكتشفت غرابة أطواره فهو يوميا يتناول عشاءه المكون من الستيك والسلطة والبزاليا ، ولكن إن صادف وان تكون هنالك حبات بزاليا اكبر من اللازم كان يطلب من النادل أن يبدل الماعون ويأتيه بحبات بزاليا صغيرة . وحسب رواية جين بيترز انه اسكنها بعد زواجهما في قصر منيف بهوليوود ، لكن جنة بلا اوادم . وأكثر من هذا كان كل منهما ينام في غرفة لوحده ويستعمل ثلاجة لوحده ، ويأكل من طعام لوحده وغير مسموح له بمس طعام الآخر. طلبت بيترز الطلاق وحصلت عليه مع متأخر بمبلغ مليون . جاءت ليلة عيد الكريسمس 1975 وهي أيضا مناسبة عيد ميلاده السبعين ولم يحفل ولم يحتفل بهما . في بداية 1976 قرر العودة إلى مدينة هيوستن تكساس وعلى متن الطائرة التي كانت تقله ، مات .

















الخـــارج على القانون

جين راسل مواليد 21 يونيو 1921 وهي سمراء خفيفة الصوت ذات عينان تقولان " تعال جنبي"، وصدر بعرض 44 انج ، وهي عين المواصفات التي كان يسعى إليها المنتج المخرج هاورد هيوز لفيلمه الخارج على القانون الذي تدور أحداثه عن الشقاوة الشهير بلي ذكيد (الفتى بلي) وهو شخصية واقعية كان قد قتل أول من قتل وهو لم يتجاوز الساسة عشرة من عمره رجلا تحرش بأمه وهما في سوق المدينة .

ولقد اهتم هيوز بمظهر رسل في هذا الفيلم لدرجة انه صمم بنفسه مشد الصدر الذي ترتديه رسل لإبراز معالم صدرها على أجمل صورة وفعلا فمثلما لابتسامة الموناليزا مكانة خاصة في الفن ، كذلك لصدر جين رسل مكانة في الأفلام . لكن يجب أن لا يفوت أن نذكر أن رسل لم ترتد المشد في أية لقطة ، إذ تبين لهيوز أن لحمها الطبيعي الرجراج أجمل من كل المشدات وتبت يد من يتدخل بما صنع الخالق . اكتمل تمثيل الفيلم سنة 1940 وتم عرضه في حفلات خاصة سنة 1943، وتم توزيعه بشكل محدود سنة 1946 ولم يتم توزيعه العام إلا سنة 1950 وذلك نظرا لعدم سماح الرقابة عرض الفيلم الذي يعرض صدر رسل كدلال يعرض بضاعته في السوق . كانت رسل في التاسعة عشرة من عمرها حين مثلت الفيلم . وكان هذا الفيلم من إنتاج استوديوهات رك وراديو التي كان يملكها هيوز ومثلت هنالك رسل مجموعة من الأفلام المغمورة الشهرة ولم تمثل شيئا يذكر إلا حينما استدعتها بارمونت لتمثيل ذو الوجه الشاحب أمام بوب هوب وروي روجرز، وكان ذلك سنة 1948.

وبعد عملها في بارمونت اكتسبت شهرة كممثلة من الصف الأول وهنا استعارتها رك راديو لتمثيل سلسلة من أفلامها قصة لاس فيجاس مع فكتور متيور، مكاو مع روبرت ميتشام ، والخط الفرنسي مع كلبرت رولند ، حيث بفضل عدسة ثري- دي ذات الإبعاد الثلاثية المجسمة أحس الجمهور بواقعية الفلم . وبالسوبر سكوب مثلت جين رسل فيلم تحت الماء حيث يتجسّد التصوير السينمائي تحت الماء بشكل رائع حقا.

مارلــــــين مونــــــرو

ولدت مارلين مونرو (1926-1962) ممثلة هوليود الشهيرة باسم نورما جين بيكر ودرست على يد لي ستراسبرك الأستاذ الكبير في أستوديو الممثل في نيويورك وأصبحت فيما بعد أشهر نجمة سينمائية في العالم ، ومن أفلامها : نياكارا ، موقف باص ، البعض يفضلها ساخنة ، اللامنسجمون . ارتبطت بعلاقات مع الرئيس الراحل جون كيندي وأخيه المرشح الرئاسي روبرت وتزوجت ثلاث مرات كانت آخرها من آرثر ملر الأديب المسرحي المعروف . ماتت جراء تعاطي كمية كبيرة من المهدئات ويقال أنها انتحرت بهذا الشكل . نادرا ما قامت مارلين مونرو بإعطاء أحاديث أو مقابلات لوسائل الإعلام ، وهذه المقابلة مع الصحفي الفرنسي جورج بلمونت هي عبارة عن حديث طويل من جانب واحد قامت به مونرو وليست محادثة بالمفهوم العادي .

م م : أفضل الإجابة على الأسئلة لأني لا استطيع أن أخبرك بكل شيء..

بلمونت : ما هي ذكريات طفولتك المبكرة؟

م م : أنها ذكريات الصراع من اجل البقاء . كنت صغيرة جدا ، طفلة في مهد ، وكنت أصارع من اجل الحياة ولكني أفضل عدم الحديث عنها .. إنها قصة قاسية وهي ليست من شأن احد غيري .

صحيح أنا لقيطة وكان اسم أول زوج لوالدتي هو بيكر واسم زوجها الثاني كان مورنتسن ، ولكنها كانت قد تطلقت من كليهما حينما وُلدتُ . حينما كنت صغيرة كانوا دائما يقولون أن والدي مات بحادث سيارة في نيويورك قبل أن أولد ولكن من الغريب أن يوجد في شهادة ميلادي أن مهنة والدي هي " خباز" وكان اسم زوج أمي الأول هو بيكر أي خباز. وحينما ولدت كانت أمي بحاجة إلى اسم والد لي فاستعملت بيكر بمعنى خباز وكانت هذه هي مهنة الوالد ، محض صدفة ليس إلا . على أية حال كان اسمي الكامل نورما جين بيكر وهكذا كان اسمي في كافة سجلات المدرسة وكل ما قيل غير ذلك فهراء .

إبان الحرب عملت في مصنع وكان العمل مضجرا وكانت حياتي مزعجة جداً . وكنت اعمل في القسم الذي كان بقرب الصباغين الذين كانوا يتوقفون عن العمل ليكتبوا على الحائط ببخاخات الصبغ كلمات غزل موجهة لي .

ومن ثم جاء يوم احتاجت القوة الجوية لأخذ صور لمصنعنا فاختاروني كي اظهر في الصور من نوع الدعاية للمصنع . وبعد تحميض وطبع الصور في معامل كوداك- ايستمان سألوا من هذه الفتاة وبعدها أعلموني أنهم يريدون استخدامي للإعلانات لقاء 5 دولارات في الساعة بينما كنت اعمل لقاء 20 دولار في الأسبوع ولمدة 10 ساعات يوميا . وهكذا قبلت هذا العمل الجديد إلا انه ظهرت لدي مشكلة جديدة وهي أي حين وقوفي في محطة الباص الذي يقلني إلى عملي كان الرجال يقفون بسياراتهم وينزلون الزجاج الأمامي ويتحدثون إلي بكلمات الغزل ويقولون لي عبارات مثل : " ماذا عساك تفعلين واقفة هنا ؟ "،" المفروض فيك أن تعملي في السينما " ....الخ . وكان الكثيرون منهم يعرضون علي أن يوصلوني بسياراتهم وكنت أقول لهم : " لا ، شكرا إني ذاهبة بالباص". لله في خلقه شؤون فالناس بأنواع شتى من الشخصيات والأمزجة والأفكار ولقد التقيت بكافة الأنواع من أخيار وأشرار، مزعجين ومضحكين ... الخ .

التحقت بجامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس ، قسم الدراسات المسائية وكانت المواد التي درستها هي : تاريخ الأدب والأدب الروائي وفعلاً قرأت قصصاً وروايات بغاية الروعة ، وكنت احضر متأخرة على المحاضرات لارتباطي في عمل نهاري في احد استوديوهات السينما بالعمل لغاية المساء كنت اتعب كثيرا لدرجة أحيانا كنت أنام أثناء المحاضرة في الجامعة .

لم تكن تعرف الأستاذة من أنا وكانت تستغرب حينما يقف بعض الطلبة في الخارج وينظرون عبر النافذة وهم يتهامسون فيما بينهم . وفي احد الأيام سألت الأستاذة عني فاخبروها باني ممثلة فقالت : " يا لدهشتي كنت اعتقد أنها راهبة تخرجت لتوها من دير". وكان ذلك أجمل إطراء لي سمعته في حياتي .

ممثلو ستديو الممثل وأستاذهم إيليا كازان

مارلون براندو، جيمز دين ، وورن بيتي ، مارلين مونرو، ناتالي وود ، رود ستايكر، لي جي كوب ، مونتكمري كلفت وغيرهم ممن هم من شلة ستوديو الممثل ، وهو المكان الذي يتعلم فيه بعض الممثلين ما يسمى "الطريقة". والستوديو هو مبنى جزء من عمارة في نيويورك كان يقوم بالتدريس فيه كل من ستراسبرك واليا كازان ، ومبادئ التدريس فيه تعتمد على منهج ستانسلافسكي الروسي وصاحب مسرح موسكو للفن . ونحن لا نعرف الكثير عن ستانسلافسكي لكن نعرف كازان عن طريق أفلامه ذئاب الميناء ، عربة الأمل ، يحيا زاباتا ، شرقي عدن ، ونعرف من جملة ما نعرف أن التمثيل عند كازان هو مزيج من الواقعية والجمالية . تسعى أفلام كازان لإدماج المتفرج بالفيلم وكأنه الواقع الحياتي اليومي المعاش ، لكن باللحظة نفسها هناك تأكيد على جمالية الوجه البشري من حيث التعبير عن الانفعالات والاختلاجات وهناك الصوت البشري حيث ينطق ممثلو كازان الكلمات بجمالية عفوية أو عفوية جميلة فمارلون براندو يتمنطق بالكلام ويلوك الكلمات وكأننا نتوسل به أن ينطقها ليشنف آذاننا بجمالية صوته . ومن ناحية الحركات البدنية فممثلو كازان يبرزون جمال الجسد البشري من ناحية الحركات والتلوي والسير والتكتكة . من ينسى مشهد انكباب براندو بنهاية يحيا زاباتا والرصاصات تنهمر على جسده وكيف يرفس آخر رفسة وهو يطلع الروح ؟ ومن ينسى مشهد وارن بيتي حين تلطمه أخته على خده عدة لطمات وتخرج من عينيه دموع صامتة ؟ وكذلك مشهد إصابة ناتالي وود بانهيار عصبي في قاعة الصف وهي تقترب من المدِّرسة وتقول : " اسمحي لي بالخروج رجاء". ومن ينسى الضرب بقبضات اليد والرفسات الذي يكيلها جماعة لي جي كوب لمارلون براندو ثم بعد أن يسقط على الأرض يتحامل على نفسه ويسير مترنحا نحو بوابة المصنع ويفتحها للعمال . والمشهد الآخر لفيفيان لي حين يأتي الطبيب والممرضة ليأخذوها إلى المصحة وهي تتحدث إلى الطبيب قائلة : " طالما اعتمدت على حنية الغرباء". إيليا كازان : مواليد سنة 1909 في اسطنبول ، وهو ارمني هاجر مع عمه وعمره 4 سنوات على متن إحدى السفن ونزل في نيويورك حيث نشأ وترعرع ودرس واشتغل خادم وحمال ثم اختار التمثيل وظهر بدور ثانوي في مسرحية بانتظار اليسار وانتمى للحزب الشيوعي وفي الأربعينات انشأ ستوديو الممثل بالتعاون مع ستراسبرك . ثم اتجه إلى الإخراج المسرحي وكان أول من يخرج مسرحيات تينسي وليامز وآرثر ميلر على مسارح نيويورك وكان في الوقت نفسه يخرج للسينما . حاز على الأوسكار في فيلم اتفاق السادة ، تمثيل كريكوري بك واوسكار ثاني عن فيلم ذئاب الميناء وكتب واخرج فيلما عن قصة حياته باسم ابتسامة الأناضول ، ومات عام 2003 عن عمر يناهز 96 عاما ومشهور عن الأتراك والأرمن التعمير. ولكازان شعار حياتي علمه إياه عمه " تغذى ، تزوج ، استعد للموت ". ولكازان الفضل في نجومية براندو ، جيمز دين ، وورن بيتي ، وخاصة جيمز دين الذي في شرقي عدن ليس وحسب قدمه كممثل جديد لكن كنوع جديد من الممثلين . هنالك فيلم مغمور الذكر لممثل مغمور الذكر والفيلم اسمه وجه بين الجمهور تمثيل آندي كريفيت (1957) شاهدناه على شاشة السينما بالأسود والأبيض . كما يجب أن نذكر بيبي دول بالأسود والأبيض تمثيل كارول بيكر كارل مالدن ايلاي والاخ وهو الفيلم الذي جعل من والاخ نجما وصعده للقمة حيث تربع في أفلام العظماء السبعة ، الطيب والشرير والقبيح ، رجال في حياتي مع كيبل ومونرو وكلفت .

جيــــــمز ديـــــن

العملاق (وارنر 1956) عن رواية ادنا فربر إخراج جورج ستيفنز مخرج مكان تحت الشمس منتكري كلفت اليزابيث تايلور وشين تمثيل الان لاد . والعملاق تمثيل روك هدسن ، الزابيث تايلور جيمز دين هو آخر فيلم لجيمز دين وقد أتم تمثيله نهاية صيف 1955 وركب سيارته السبورت بسرعة فائقة في الطريق خارج هوليوود وهو يريد الابتعاد حسبما يعرف العارفون ببواطن الأمور لأنه تضايق جدا من تعامل روك هدسن معه ، ويقال كذلك أن سرعة جيمز دين الجنونية والتي أدت إلى تصادم سيارته ومصرعه كانت نوعا من الانتحار أو الانتحار بحد ذاته . حين قرأتُ تفاصيل حياة وموت جيمز دين في مجلة السينما والعجائب البيروتية حسبت في بادئ الأمر أن مصرع ممثل بعمر 24 سنة هو فيلم سينمائي وليس في الواقع ولكن بعد أن انتهيت من قراءة المقال كاملا أدركت فداحة الخسارة وقد أحسست بالأسف الشديد والحزن العميق على نهاية جيمز دين المأساوية ومازلت .

المعروف عن دين انه مثل ثلاثة أفلام شرقي عدن ، ثائر بلا قضية ، والعملاق ، الأول من إخراج إيليا كازان الذي على أساسه جعل منه نجما في الصف الأول ، والفيلم الثاني من إخراج نيكولاس رأي مخرج جوني كيتار ، والثالث والأخير إخراج جورج ستيفنز .

يجب أن نعرف أن إيليا كازان هو صانع نجوم وكذلك ملمع نجوم : جيمز دين ، مارلون براندو، كارل مالدن ...الخ، وفي الواقع فان لجيمز دين أفلام قبل شرقي عدن.

1954: واصل الحكاية أن دين بدأ مشواره الفني ممثلا مسرحيا وأول دور له بالذات كان بدور بدوي عربي لابس دشداشة ثم تحول إلى التلفزيون حيث ظهر لأول مرة في فيلم تلفزيوني اسمه التل رقم واحد 1951 بالاشتراك مع ليف اركسن ورودي مكداول. وفي سنة 1952 ظهر في فيلم تلفزيوني آخر اسمه أبراهام لنكولن ، وفي نفس العام ظهر بدور قصير في المسرحية التلفزيونية مشكلة أب ، وفي سنة 1953 ظهر في المسرحية التلفزيونية وقت طويل قبل الفجر ، وفي السنة نفسها ظهر في البرنامج التمثيلي التلفزيوني روبرت منتكمري يقدم . وبعد وفاته في 30/9/1955 ظهرت عنه خمسة أفلام هي : قصة جيمز دين 1957 ، جيمز دين إلى الأبد 1988، جيمز دين : صورة شخصية ، جيمز دين وأنا وجيمز دين بسرعة فائقة .

أنا شخصيا من جماعة جيمز دين وتعجبني حركاته وطريقة كلامه ، وهو ممثل بارع بحق ترشيح للأوسكار. من المشاهد التي لا تنسى في شرقي عدن حين يهرع راكضا ويقفز فوق السور ليأتي يمد يد العون لأخيه الذي يتعرض له بعض أرباب السوء لإيذائه : إن هذا المنظر على الشاشة قد اتخذ له مكانا قصيا في ذاكرتي . وكذلك في ثائر بلا قضية : المشهد بعد أن يهوي كوري آلن إلى مصرعه بعد سباق الدجاج بالسيارات ويمد دين يده نحو ناتالي وود . وفي العملاق مشهد جيمز دين وهو مكسو بالنفط ويهجم على روك هدسن ويوسعه ضربا ثم يهرع إلى سيارة ويسوقها مسرعا . برز جيمز دين ومات في عز عصر هوليوود الذهبي . ودين هو أيضا أسهم في جعل هذا العصر ذهبيا فمثلما نقول أن عصر النهضة في القرن السادس عشر هو الذي صنع شكسبير لكن أيضا شكسبير أسهم في الإضافة إلى عظمة عصر النهضة ، كذلك ينطبق الكلام على جيمز دين وهوليوود في عصرها الذهبي الذي انتهى مع ظهور أفلام السباكيتي ويسترن وأولها من اجل حفنة دولارات 1964 .

ومثلما يصرخ مارلون براندو وهو يمثل دور انطوني في النسخة السينمائية لمسرحية شكسبير يوليوس قيصر وهو يؤبن قيصر : " كان لنا قيصرا ولقد مات ، فأنى أن يجود علينا الزمن بآخر مثله " . كذلك أنا ارفع عقيرتي بالصباح قائلا : " أنى أن يجود علينا الزمن بأوجه الخمسينات الفوتوجينيك براندو، لانكستر، دين ، كوبر، هدسن ، دوكلاس ، ميتشام ، كلفت ، فلين ، تايلر ، كاردنر ، فليمنك ، لي ، آدامز، هيوارد ، مايو ...الخ ...الخ . أحس باحتصار وانقباض حين أرى على الشاشة هذه الأيام هاريسن فورد ، ميل كبسن ، كيفين كوستنر، توم كروز، مايكل دوكلاس ، جولي روبرتس ، ميريل ستريب ....الخ ...الخ.. ولكن بالأخير أقول أني محظوظ إذ إني عاصرت جيل عصر هوليوود الذهبي .

جون اوزبورن عن لورنس اوليفيه

لوكن كورلي : في مطلع عملك كممثل قبل أن تكتب انظر للوراء بغضب وتجعلك هذه المسرحية أديبا مسرحيا شهيرا ، هل كانت لديك أية علاقة مع اوليفيه ؟

جون اوزبورن : كلا مطلقا. كان أول لقاء لي معه بعد افتتاح مسرحيتي انظر للوراء بغضب في مسرح البلاط الملكي . كان قد شاهدها وأبدى رأيه فيها قائلا بأنها قطعة من براز. لكن احد الأشخاص من الذين يحترم اوليفيه رأيهم اخبره بأنه كان واهما بهذا الحكم على المسرحية وانه يتوجب عليه أن يشاهدها مرة ثانية .

وهكذا استقلا سيارة أجرة انطلقت بهما إلى المسرح . وكانت الفترة موسم تقديم العروض المسرحية المتنوعة وهكذا حينما ارتفعت الستارة كان العرض لمسرحية أخرى هي بطاقات الهوية حيث كنت امثل فيها احد الأدوار . وبعدها جاءني اوليفيه وعرض علي دوراً في فيلم مكبث الذي كان يزمع إنتاجه حينذاك .

كولي : إذن أنت أعجبته كممثل ، لكن هل غير رأيه عن المسرحية ؟

اوزبورن : لست متأكدا .

كولي : حينما كتبت مسرحية المسامر هل كنت تفكر به ليمثل الدور الرئيسي ؟

اوزبورن : كلا أبدا ، ولو أني اعتقد انه هو كان يعتقد باني كتبت الدور له . إذ ليس من عادتي أن اكتب مسرحية وفي بالي دور معين لممثل معين لأني لا اعتقد أن هذه مسالة تعنيني في الكتابة ، على العكس فهي تحد من حريتي في الكتابة .

كولي : متى تقرر أن يقوم اوليفيه بتمثيل دور آرجي رايس في المسامر؟

اوزبورن : بعد أن قرأ اوليفيه المشهدين الأول ، ابدي رغبته في تمثيل الدور، لكنه غير رأيه بعد آن قرأ المسرحية بأكملها . وفي فترة ما رغبت زوجته فيفيان لي الاشتراك في تمثيل احد الأدوار، دور الزوجة . وكانا كلاهما يرغبان في التمثيل سوية في المسرحية .

كورلي : لماذا إذن لم يقوما بذلك ؟

اوزبورن : بصراحة هو كان يردد أن فيفيان جميلة جدا لتمثل هكذا نوع من الأدوار وتبع ذلك مناقشات عقيمة بخصوص الموضوع . ولكن إحدى هذه المناقشات مازلت أتذكرها ، جرت في فندق كونوت حيث كانا يقيمان في تلك الفترة ، وجلسا ودخلا في مناقشة حامية وكان محور الجدل هو فيما إن كان من الأفضل أن تضع فيفيان قناعا مطاطا على وجهها كي تبدو اقل جمالا . اعتقدت أن هذه مناقشة سخيفة ومازلت . ومع أنها لم تمثل الدور في الأخير بالقناع أو بدونه فلقد كانت ذات تأثير وحضور مؤثر كما وكان هناك الكثير من اللغط والنميمة والغيبة وحتى انه كانت بين الحين والآخر تنفجر مشادات حادة ، وكان هناك بالذات مشادة حامية الوطيس بين المخرج جورج ديفين وفيفيان كادت تؤدي إلى إلغاء الاتفاق على إخراج المسرحية ، لولا إصرار اوليفيه على التمسك بتمثيل الدور .

كولي : هل كنت سعيدا بالعمل بالنسخة السينمائية للمسرحية ؟

اوزبورن : صادف وأننا حينما كنا نقوم بتصوير الفلم وكان اوليفيه بطل الفلم ، كان اوليفيه في الوقت نفسه يمثل دور كوريولينوس على المسرح . صادفت إحدى المرات أن الوقت سيفوته للذهاب إلى المسرح بينما هو كان في مكان بعيد يمثل في الفيلم ، فرأينا أن أفضل طريقة لإيصاله إلى المسرح بسرعة هو أننا قمنا بطلب سيارة إسعاف تنقله إلى المسرح ووصل في الوقت المناسب . كانت عملية تحويل المسامر من كونها مسرحية إلى فيلم سينمائي عملية صعبة ولكن بجهود المخرج توني ريجاردسن ومثابرة اوليفيه نجح الفيلم تجاريا وفنيا .

كولي : هل هناك أي تمثيل أعجبك لأوليفيه على المسرح الوطني ماعدا تمثيله دور آرجي رايس الرائع في مسرحيتك ؟

أوزبورن : للأسف لم احظ بمشاهدة روائع تمثيله الأدوار الشكسبيرية وخاصة في مسرحية ريجارد الثالث . بيننا فجوة الأجيال إذ هو كان يمثل هذه الأدوار وأنا طفل ، وحتى حينما كبرت لم يكن لي المال الكافي لشراء تذكرة لدخول المسرح . ومؤخرا شاهدته في مسرحية سترندبرك رقصة الموت وكان رائعا بدرجة فوق العادة . وهو على العموم ممثل عظيم حقا .

رابعا : المتذمرون


الماركــــيز دي ســـاد

لحياة السجن حسناتها فهي تفسح المجال للسجين ليتفرغ لأنشطة تحرمه منها حياته خارج السجن، وخير مثال على ذلك هو الماركيز دي ساد (1740-1814) إذ أمضى من حياته في السجن 28 عاما قضاها في التأليف والكتابة حيث كتب عدة روايات ومسرحيات علاوة على مقالات ورسائل .

بدأ دي ساد يكتب لغرض النشر بعد نقله إلى سجن الباستيل عام 1784 ولقد كتب أهم رواية له وهي جستين أو قهر الفضيلة ، كما وكتب العديد من المسرحيات التي كان يخرجها بنفسه ويمثل فيها على خشبة مسرح مصحة شارنتون ، ولو انه من ناحية اشتهر أكثر ما اشتهر بكتابة الرسائل من السجن إلى أصدقائه ومعارفه وخاصة الرسائل التي كان يكتبها لزوجته ، كما في هذه الرسالة : " تقولين أن أفكاري لا تروق للآخرين ، أو تحسبين إني اكترث ؟ فقط الحمقى والمغفلون هم من يفكرون بشكل يروق للآخرين ، إن طريقة تفكيري تنبع رأسا من تأملات متأنية : وهي قوام وجودي وتتلاءم مع طينتي وانه ليس بمقدوري أن أغيرها أو حتى لو كان بإمكاني ذلك فلن أغيرها . إن طريقة تفكيري هذه التي تعيّريني بها هي التي تغنيني عن ملذات العالم خارج السجن : وهي اعز على قلبي من الحياة نفسها. ليست طريقة تفكيري ولكن طريقة تفكير الآخرين هي إلي تسببت في تعاستي . إن الشخص الذي يسفه خطل آراء الأغبياء من الناس حتما سيصبح عدوا لهم ، وعليه أن يتوقع ذلك وبالتالي يضحك ساخرا على ما ليس منه بد . هناك ثمة مسافر يسير في طريق مليء بالفخاخ فيقع في واحد منها : أتقولين إن تلك هي غلطة المسافر أم خبث اللئيم الذي نصب الفخ ؟ وأنت حسبما تقولين لي ، أنهم مستعدون لإعطائي حريتي شريطة أن ادفع ثمنها بمبادئي وميولي فعلى علاقتنا أنت وأنا السلام لأني والله أنا مستعد أن أضحي بألف حياة وألف حرية على أن أتنازل عنها ، إني متعصب لمبادئي وميولي بشكل لا فكاك منه واني هاهنا أعلن على الملأ بأن لا طائل من أن يتحدث إلى احد عن الحرية إن كانت الحرية ستمنح لي لقاء خرابي".

حين قامت الثورة الفرنسية صباح 14 تموز(يوليو) 1789 كان دي ساد في سجن الباستيل جراء تهم لارتكابه جنح أخلاقية من جملتها جعل الشمع السائل في شمعة موقدة ينقط على جسم إحدى النساء ، ومحاولة تسميم امرأتين بدس عصارة ذباب اسباني في طعامهما . وحين قامت الثورة حسب دي ساد نفسه عليها ويدعي انه هو الذي أشعل فتيلها وذلك بان عصر اليوم السابق لاندلاعها اخذ القعادة التي كان يقضي حاجته بها في غرفته وثقبها وجعلها على هيئة بوق واخذ يصرخ عبر الثقب : " يا ناس قوموا ، يا قوم ثوروا "، وهكذا يقول قامت الثورة الفرنسية .

أطلق سراحه بعد الثورة وعمل إلى جانب الثوار واكل الخبز والملح معهم وكأن السبب بذلك ليس حباً بالشعب إنما لتحقيق مآربه الشخصية في الحصول على ملذاته التي كان معظمها يمارسها عن طريق إيقاع الأذى بالآخرين ، فهو كان يستمتع بتعذيب الآخرين وهكذا من اسمه اشتقت كلمة السادية ، ولو انه من ناحية أخرى كانت الشفقة والرحمة تملآن قلبه ففي فترة عينته الثورة بوظيفة مشرف على المستشفيات وكان يرفع التقارير إلى المسؤولين ، وكانت التقارير تنم عن حزنه لمشاهدة المرضى يتألمون حتى انه في إحدى المرات تقيأ دما حين رأي احد المرضى في حالة يرثى لها.

وسرعان ما تصادم مع رجال الثورة وأودع السجن ثانية وصدر عليه الحكم بالإعدام ، ولولا انشغال رجال الثورة بإعدام رفيقهم الثوري روبسبير لما نجا دي ساد من تنفيذ الحكم . وازداد أعداؤه عددا وحتى كان من جملتهم نابليون نفسه الذي أراد التخلص منه وذلك بان اصدر الأوامر بإيداع دي ساد مصحة شارنتون للأمراض العقلية وبقى حتى مات .

كان دي ساد كاتبا مدمنا لا يستطيع العيش من دون كتابة وحين كانت قرطاسيته تنفد كان يستعمل العيدان الخشبية للكتابة وحين لا تتوفر هذه كان يستعمل عظام الدجاج . وكان يكتب على كل شيء : على الحائط على الملابس على شراشف السرير ويكتب بكل شيء إن لم يتوفر الحبر وحتى انه في الأخير كتب مرة على الحائط بعظم دجاجة بفضلاته .

راسبـــــــوتين

كتب الناقد الروسي فكتور ايرونفيف وهو يعرض كتاب جديد عن راسبوتين : " يرقد راسبوتين نائما في قلب كل روسي وهو يستيقظ بين حين وآخر وان صادف وان استيقظ مرة ، تنطلق الحياة في الروح ويبدأ المرء بالتمتع بنوع قاس من اللذة لا تشبهه لذة أخرى جراء دخوله في حالة من الهياج والانحلال والانطلاق" . يقول راسبوتين في احد تعاليمه : " العنف هو بهجة الروح " .

باستطاعتي أن أشهر به ، اكره وجهه المبارك ولعلي أتصور أن أقوم واقلع هاتين العينين الثاقبتين الابليسيتين السماويتين من محجريهما واقطع صورته إلى قصاصات صغيرة ومن ثم أذيبه في حامض مذيب من الخلاعات، لكنه يبقى بطلي الشخصي ، قريبي . يرتدي راسبوتين القناع القديم للشامان الأصليين المؤمنين بقوى الروح الخفية .

لا شك عندي في أن راسبوتين كان راقدا في قلب ادفارد رادزنسكي الأديب المسرحي وكاتب السير الذاتية الروسي المعروف . قام رادزنسكي بإيقاظ راسبوتين وذلك بكتابة سيرة ذاتية عنه . وهو يعترف انه كان في السابق يخاف أن يكتب عن راسبوتين لأنه لم يفهمه . والآن بعد صدور هذا الكتاب الموثق جيدا بالأدلة ما يزال رادزنسكي لا يفهم راسبوتين أو بالأحرى هو لا يريد أن يفهمه لان فهم راسبوتين بحق هو أمر مخيف جدا ، وعليه من الأفضل تجنب فهمه .

لقد حقق رادزنسكي أهم واجب لأي كاتب سيرة ذاتية وهي انه بعث الروح في الشخصية وجعلها حية في مخيلة القارئ وتركها لوحدها مع القارئ . طالما تصرف راسبوتين بشكل ينم عن رغبة دفينة في تحطيم الذات وبأسلوب يحول دون تحقيق النجاح - ولكنه استطاع الحصول على كل ما كان يرغب فيه : القسوة و القوة والقدسية .

ولد كريكوري راسبوتين في شمالي سيبيريا لعائلة فلاحية فقيرة وكان ناحل البدن ، أشعث الشعر وحافي القدمين . بين نهاية انفه وشفته العليا مسار لمخاط ينزل بين الفنية والأخرى ولعدم توفر منديل لإزالته كان الصبي راسبوتين يسحب المخاط بشهقة معيدا إياه إلى الأنف تفاديا لدخوله فمه . كانت أعصابه قوية وأسنانه حادة ويده طويلة على أبيه وأب أي ولد في المحلة وكان كثير الشغب والعراك بالأيدي والأرجل والبصاق . كان قليل النوم ، ويقول انه إحدى المرات لم يستطع النوم لمدة أربعين يوما متواصلة إلا لسويعات قليلة وهكذا اتجه لطلب العون من القسس . كان يسير حافي القدمين من دير إلى دير وهو لا يغير ملابسه الداخلية كل ستة أشهر . وحج إلى بيت المقدس .

وتدريجيا وبعد ممارسات طقوسية في الزهد والورع اكتشف انه يمتلك قوى روحية نافذة وهكذا بدأ بمزاولة العزامة فكان يُعزّم على المرضى وخاصة النساء . وكان ناجحا في هذا المضمار حتى وصل صيته إلى زوجة القيصر الكساندرا فيودوروفنا ، وهكذا انفتحت أمامه أبواب القصر الإمبراطوري في موسكو وكان يدخل القصر كما كان يدخل بيته . وبعد ولادة أربع بنات ولدت الإمبراطورة ابنا ليكون وريث العرش اسمه اليكسي الذي كان يعاني من فقر الدم ورثه عن أمه . اخذ راسبوتين يعالج الطفل عن طريق الرقى والعزامة وكانت النتائج ناجحة بشكل باهر مما جعل الإمبراطورة تؤمن براسبوتين .

كان راسبوتين يكبر لينين بأقل من سنة ونصف فهو من مواليد عام 1869 . كان والده سكيرا وكانت أمه تعاني الكثير من زوجها ومن تربية خمسة أطفال ماتوا جميعهم قبل ولادة كريكوري الذي لم يتلق تعليما مدرسيا ولهذا بقي طوال حياته شبه أمي ويكتب بخط متعرج كلمات بتهجئة لا توجد في معاجم اللغة الروسية أو غيرها . وان هذا النزوع للأمية هو جزء من النفسية الروسية التي تنظر إلى المتعلمين . وطالما حلم تولستوي بحياة بسيطة من دون التعقيدات التي تأتي بها الكتب ، بينما كان راسبوتين يعيش حياة بسيطة منذ البداية . وعلاوة على ذلك هناك نظرة الإجلال والإكبار الروسية للصمت ، إذ أن السكوت هو من علامات النبوغ .

كان كريكوري راسبوتين مزيجا من دون جوان وميكافيلي وفيه صفات تدعو لمقارنته مع الماركيز دي ساد مع وجود فروقات جوهرية فبينما يمثل دي ساد الإرادة على تحدي القوانين من دون عقاب والتمتع بهذا العصيان يمثل راسبوتين ثالوث الخطيئة والتوبة والقدسية . مات راسبوتين بشكل عنيف : دسوا له السم في الطعام واكله ولم يمت ، أطلقوا عليه الرصاص ولم يمت ، ولم يمت إلا بضربة بلطة فجت رأسه إلى نصفين وكان ذلك سنة 1916 .

دج شــــــــولتز

كان آرثر فليخنخايمر ، المعروف باسم دج شولتز (شولتز الهولندي) غريبا على المجتمع الأمريكي فكان يميل للصمت ، وهذا ما جعل الآخرين ينفرون منه ، في الوقت الذي كان فيه العالم السفلي للعصابات يموج بشخصيات تثير الإعجاب مثل آل كابوني ، ليكزدايموند وقيصر الصغير . وفيما كان عنف العصابات يستمد ديمومته من زعماء الجريمة المنظمة الذين لم يُرفض لهم طلب ، كان شولتز قابعاً في زاويته . وبينما كان يتمخطر زعماء العصابات في أبهى البدلات المقلمة وأربطة العنق الحريرية كان شولتز وهو في أوج مجده حسب وصف صحيفة نيويورك تايمز: " يبدو كشحاذ قبيح الهندام .. فلقد كان سرواله منتفخاً وكانت ياقة معطفه الصغير هادلة ببعد عن رقبته .. ويبدو انه كان موهوبا في الظهور بمظهر الرجل الفاشل ". ومع ذلك فحينما مات برصاصات أطلقها عليه القاتلان المأجوران جارلي وركمن المُكَنَىَّ بالآفة وميندي فايس وكان ذلك في أواخر سنة 1935 كان قد أصبح أقوى رجل في عالم نيويورك السفلي . وبعد ثلاث سنوات قالت صحيفة التايمز: ".... أما سر جبروت شولتز الهولندي فهذا أمر سيبقى طي الكتمان .. كان شولتز نسيج وحده ، لا يشبهه احد ".

كشخصية دخلت عالم الأدب من احد الأبواب الخلفية كان شولتز على الشاكلة نفسها ، لا يشبهه احد ، فبمقارنته بكابوني وليكز دايموند فهو يظهر في عدد ضئيل من النصوص كما وان القليل منها ، ومن ضمنها كتابات ي.ل. دكتورو ووليم س. بوروز لا يمكن التعويل عليها كثيرا . ولكن من ناحية أخرى ، فبخلاف أي زعيم عصابة آخر معاصر له ، ترك شولتز وراءه " النص" الخاص بسيرته الذاتية . إن آخر كلمات دج شولتز وهي سيرته على فراش الموت أسست أدب العصابات القصصي لما بعد الحداثة ، وهي تبقى من أكثر الوثائق العصيّة على الفهم في مجال أدب السيرة الحياتية . أنها حقا وثيقة ذات أسلوب غريب دفعت بشولتز إلى عالم أدب العصابات . لكن كتابا مثل دوكتورو وبوروز اكتشفوا في هذا الأدب منجماً ثميناً لتقييم أدب السيرة الذاتية ومقياساً لتذبذب الخطاب الشخصي في سياق أدب إعلام العصابات .

إن تأليف الكلمات الأخيرة هو قصة بحد ذاتها ، ففي حوالي الساعة العاشرة والربع من مساء 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1935 ، تلقى شوتز رصاصة قاتلة استقرت في منطقة الزائدة الدودية بينما هو يتناول العشاء في مطعم قصر مشاوي الريش بمدينة نيو آرك . وبين إدخاله مستشفى المدينة بعد بضع دقائق من حادث اغتياله ووفاته بعد حوالي اثنتين وعشرين ساعة بعد ذلك ، اضطجع الهولندي وهو يهذي جراء إصابته بالتهاب منطقة الغشاء الحاجز في بطنه . وفي أثناء ذلك وبغية الحصول على أية معلومات لها علاقة بعملية الاغتيال كلّفت مديرية شرطة نيو آرك كاتب الاختزال ف.ل. لونك أن يجلس إلى جانب سرير شولتز ليدون كل ما يخرج من بين شفتيه . يبدو أن ما دونه لونك هو هراءات وكلام فارغ غير مترابط ، إذ يبدأ شولتز بلهجة الأمر: " لا تدع أي ثور يتحرك يا جورج "، وينتهي بلهجة الوعظ والإرشاد: " حساء البزاليا الفرنسي الكندي ، أريد أن ادفع ، دعهم يتركوني لوحدي". وان قرابة الألفي كلمة التي بين الجملة الأولى والجملة الأخيرة هي بمثابة محك للفهم والاستيعاب . وصفت مجلة تايم كلام شولتز بأنه " ثرثرة مدهشة ، بعضها يصل مستوى الشعر، وأكثرها تكهنية غيبية غامضة ".

حين نشرت صحيفة نيويورك تايمز النص في 26 تشرين الأول (أكتوبر) ، كان ذلك بداية تاريخ أدبي مشوش لكن رائع . كان هناك محاولة لتجميع الكلمات وصبها في مجرى ثقافي عام لتصبح ضمن النتاج الأدبي الحديث . وبينما يجد وليم بوروز في كلمات شولتز الأخيرة فرصة كي يفرز العنصر القصصي عن عنصر أدب السيرة الذاتية يعتبر كلا من روبرت موريس وي.ل. دوكتورو هذه الكلمات بمثابة مجمل مختصر للخطاب الأدبي لفترة ما بعد الحداثة وهو خطاب يتميز أكثر ما يتميز بالغموض .

آل كابـوني

مقابلة صحفية مع آل كابوني - في مجلة لبرتي (الحرية) 17/10/1931 أجراها كورنيليوس فاندربلت الابن

الفونسو كابوني (1899-1947) زعيم العصابة الشهير من مواليد حي بروكلين بنيويورك ، تلقى تعليمه المدرسي في إحدى مدارس نيويورك وكان معه في الصف زعيم العصابات الشهير لكي لوجينانو وبنفس الوقت صادق جون توريلا رجل العصابات المتمرس خارج المدرسة . عمل لفترة كقبضاي في احد المطاعم وكان عمله هو إخراج الزبائن الذين يأتون إلى المطعم وهم سكارى آخر الليل. تزوج فتاة ايرلندية ثم تلقى أوامر من توربو أن يلتحق به في شيكاغو وعملا سوية سعيا وراء الرزق . وبعد محاولة اغتيال تعرض لها توريو استلم آل قيادة المنظمة وعلى الفور قام بتصفية العصابات الايرلندية والبولندية واليهودية المناوئة له . وفي فترة نهاية العشرينات حين صدر قانون تحريم الخمور عمل آل في تهريب الخمور من كندا إلى أمريكا وجنى أموالا طائلة من وراء ذلك وهي التي أرست قواعده وجعلت منه الرجل الأسطوري المعروف . لكن الذين يعرفونه عن كثب يقولون انه لطيف المعشر مرحب بالضيوف وخاصة الصحفيين ويمد يد المساعدة للمحتاجين وهو أب حاني على أولاده ومحب لزوجته ويقدس حياة الأسرة والبيت وشعاره : " كل من لا يحب بيته وعائلته فهو رجل فاشل وبائس". وفي محاكمة احد رجال العصابات درجة ثانية اسمه جوني بنانو حين سأله القاضي ليشهد بحق آل قال بنانو: " والله هو من أطيب الناس".

تمت المقابلة في جناح بفندق لكسنكتن الذي كني بالحصن لأن كابوني كان من نزلائه الدائمين وعادة حينما يكون هناك يكون مفارز شرطة النجدة في إنذار درجة قصوى بالمنطقة . بعد عشرين يوما من هذه المقابلة الصحفية القي القبض على كابوني وادخل السجن حيث قضى 11 عاما متنقلا في السجون ومن جملتها سجن الكتراز، حيث كان السجناء من الذين هم أقارب أناس اعتدى كابوني عليهم أيام عزه يوسعونه بالضرب . وهكذا حين أطلق سراحه كان قد فقد هيبته وسطوته وصحته وعاد للعيش مع عائلته حتى أن مات بمرض عضال في عام 1947 في المنزل الوحيد الذي بقي باسمه في مدينة ميامي .

قبل أن يصعد الصحفي فاندربلت لإجراء هذه المقابلة في غرفة كابوني ترك رسالة في الاستقبال وفيها تعليمات أن لا تفتح الرسالة إلا بعد موعد معين أو حين يستردها هو بنفسه . ويبدو أنها كانت وصيته لأنه حسب اعتقاده من يدخل على آل كابوني لا يخرج سالماً . ولكن ثبت العكس ، فبعد بعض المخاوف والتوجسات اندمج في الحديث مع آل كابوني . وفي الأخير دعاه آل كابوني إلى عشاء وبعد ساعتين والصحفي على وشك المغادرة رن جرس الهاتف ، التقط آل كابوني السماعة وبعد حديث وجيز قدم السماعة للصحفي ليتحدث إلى مدير الشرطة وكابوني يقول له : " تعتقد الشرطة أني اختطفتك "، وكان مدير شرطة البلدة بات روخ على الهاتف .

" يا جماعة نحن لازم نتعاون". هذا ما كان يقوله آل كابوني دائماً ، وهذه هي عبارته المفضلة .

كنت وكابوني جالسين وكان الوقت الرابعة عصر يوم الخميس 21/8/1931، حين رن جرس الهاتف ثانية ورفع كابوني السماعة وبعد حديث استغرق دقائق ، اقفل الهاتف والتفت إلي يقول : " المكالمة من مدير شركة البلدة بات روخ وهو يطلب معاونتي للعثور على مختطف اسمه لنج ويريد المختطفون فدية بمبلغ 250 ألف ". رفع كابوني السماعة وتحدث إلى جماعة في الهاتف . وقبل منتصف ليلة اليوم نفسه كان لينج طليقاً دون دفع فلس للفدية . قال كابوني معلقا : " أنا رجل مبادئ واحد مبادئي هي الوقوف ضد الاختطاف ".

وهنا أشعل لنفسه جروت هافانا ، ولأني غير مدخن فاني اعتذرت عن تدخين الجروت الذي قدمه لي . ثم أردف قائلا : " سيكون شتاء باردا للغاية وعلينا أن نعمل من اجل المعوزين الذين لا أحب أن أراهم يبردون في ليالي الشتاء وعلينا أن لا ننتظر الرئيس هوفر والحكومة كي يوزعوا معونة الشتاء على الناس ونحن يجب أن نسبقهم فالبرد ظالم والناس مساكين . هذا جانب من حربنا ضد العوز والحاجة ، وحربنا الأهم هي التصدي للشيوعيين ، ويجب أن ننظم أنفسنا وهكذا فالعوز ومناهضة الشيوعيين بحاجة إلى تمويل وأنا الممول الأول قبل الرئيس هوفر وقبل الكونجرس وقبل أي شخص آخر. يجب أن نحمي بلدنا ". هل كنت اسمع صحيح ؟ هل كنت مالكا لحواسي ؟ إذ هنا في غرفة مسحوبة الستائر ومطلة على الشارع العام ، كان يجلس أعظم زعيم عصابات في مكتبه وكأنه مدير بنك ، وفعلا لديه موهبة إداري كبير ناجح ، ويتلقى ضيوفه بمصافحة يشعر المرء بدفئها ينزل إلى قلبه وحين يصافح فانه يكمش الضيف بكل ضيافة وصدق وإخلاص . لم أكن أحس مع اقرب أقاربي وأصدقائي بمثل هذا . إنها لحظات تبعث النشوة في النفس لدرجة تدفع المرء أن يتصالح مع الحياة . لكابوني ابتسامة ساحرة تنبعث من أعماق قلبه مثل ضوء كوكب يصل ألينا قادما من مسافة ملايين السنين الضوئية : من أعماق المجرة . وهو لا يتحدث بشكل نمطي مضجر. لقد تحدث إلي أحاديث لم اعتد عليها واني اعتبر نفسي محظوظا أني سمعتها .

وبعد أن صاح لنا على شاي ، تحدث قائلا : " إن كانت المكننة الحديثة ستجعل العامل البسيط المسكين يفقد عمله ، فعلينا أن نجد له البديل وسوف يتأذى خلال فترة التحول الصناعي والآلي وهكذا علينا أن نرعاه . علينا أن نبعده عن الأدبيات الحمراء ، علينا أن ننقذ عقله من التلوث الأحمر". وهنا صدر من الشارع صوت صبي يبيع جريدة المساء ، وهو يصيح : " مدير الشرطة يلقي القبض على آل كابوني". هنا التفت إلي آل كابوني باسما وقال : " بات روخ رجل طيب لكن يجب أن يظهر اسمه في الجرائد .. وأنا من ناحية يلعنني الناس حين تحدث أمور سيئة ولا احد يذكرني بالطيب حيث تصدر مني أفعال حميدة ، ما العمل بالله عليك ؟ ".

هو ذا آل كابوني الذي دوخ الناس في زمانه مات آل كابوني عن عمر 48 سنة نفس عمر الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم . وكان أبا حنونا وزوجا رءوفا على عكس معاصره جوزيف ستالين الذي كان غليظ القلب حيث طرد ابنه يعقوب من البيت وزوجته الثانية انتحرت بسبب قساوته وابنه الأصغر انتهى سكيرا عربيدا يتمدد في الطرقات وابنته لجأت إنسانيا في انكلترا .



جارلـــز مانـــسن

في ليلة 8 أغسطس 1969 كان عند شارون تيت الحامل في شهرها الثامن عددا من الضيوف بمنزلها في شارع سيئيلو وكان من جملة الضيوف فويتك فرايكاوسكي وهو صديق قديم لبولانسكي منذ أيام المدرسة في لودز ببولندا . كان فرايكاوسكي عاطلاً عن العمل ويعتاش على صداقته مع بولانسكي وهو ينشد لذته بالسكر بالمسكالين . كانت بصحبته ابيكيل فولجر وهي فتاة ثرية في السابعة والعشرين ووريثة والدها تاجر قهوة مليونير. وأخيراً كان هناك جي سيبرنك البالغ من العمر 26 سنة وهو حلاق شهير وكان في زمن ما خطيب شارون تيت .

خرج الجميع للعشاء في مطعم آل كويتيو وحينما عادوا ذهبت فولجر إلى الفراش لوحدها ، بينما استلقى فرايكاوسكي على الأريكة في غرفة الاستقبال وغطى نفسه بالعلم الأمريكي بين واتسن : " أنا الشيطان وأنا هنا للقيام بعمل الشيطان ".

وعلى الرغم من انه لم يستفق تماما من الخدر الذي كان فيه منذ تعاطيه المخدرات في الليلة السابقة ، نهض فرايكاوسكي من الفراش وانطلق راكضا وكأنه غزال في محاولة يائسة منه للفرار، ولكن سرعان ما ألقى القتلة القبض عليه من رقبته ومن ثم جاءوا بالبقية إلى غرفة الاستقبال . كانت شارون تيت ترتدي رداء نوم من نوع البكيني . حاول سيبرك الفرار فأطلق عليه واتسن رصاصة أردته قتيلا ، وقال لهم واتسن : " ستموتون جميعكم ".

طعنت سوزان اتكنز وسكي فرايكا وسكي ست مرات بينما هو يحاول بيأس الإفلات من قبضة الجماعة وتبعه واتسن وهو في آخر محاولة يائسة له للخروج إلى الباحة الخارجية وضربه واتسن على رأسه بأخمص مسدسه ، ثم استدار نحو فولجر وتيت . حاولت فولجر المساومة على حياتها بان عرضت عليهم حسابها في المصرف وأعطتهم جميع بطاقات الائتمان المصرفية التي لديها بينما توسلت إليهم تيت قائلة : " كل ما أريده هو أن ألد طفلي "، فأجابتها اتكنز: " لا يوجد لدي رحمة تجاهك يا امرأة ". حاولت فولجر الهرب عبر الباب الخلفي لكن سرعان ما أدركها واتسن وقتلها ، ثم عاد ليتم انجاز المهمة وذلك بطعن تيت حتى الموت . خرج الجميع وعلى الباب الخارجي كتبت سوزان اتكنز بحروف كبيرة كلمة " خنازير".

اكتشفت الخادمة الجثث صباح اليوم التالي وأخبرت الشرطة والمستشفى وحضر الأطباء ليجدوا كل شيء قد فات أوانه .

كانت هذه الأحداث بإيعاز من شخص لم يحضرها ولم يقم بها وهو جارلز مانسن ، ولقد القي القبض عليه بعد اقل من أربعة شهور ، وقدم للمحاكمة وحكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد وهو ما يزال لحد اليوم نزيل احد السجون في لوس أنجلس .



الملحق 1

قبل حوالي سنتين نشرت جريدة الراية في الدوحة تحقيقاً عن دور وأهمية الكتب في حياتنا وثقافتنا وكانت الأحاديث التي أدلى بها المشاركون بالتحقيق تطري وتشيد بدور الكتب وأهميتها وعلى الفور كتبت رسالة من دون الإفصاح عن هويتي وأرسلتها إلى محرر الصفحة الزميل العزيز عبد الله الحامدي وأنا لم اقصد النشر. أبدو من رسالتي أني من اشد الكارهين للكتب وهذا عكس واقع الحال وهو أمر اكتشفه السيد الحامدي بسهولة . وبعدها أرسلت له ثلاث رسائل أخرى وكذلك من دون الإفصاح عن هويتي. وفيما يلي هذه الرسالة يعقبها الرسائل الثلاث التي كتبتها بعدها . أشار محرر الصفحة إلى أنني قد أكون قد حجبت اسمي لأغراض أمنية ولكني أوضحت له بأنني سأفاجئه بزيارة بمكتبه احد الأيام وهذا ما فعلاً حصل فيما بعد .

تحية طيبة وبعد،،

تعقيبا على " مقالكم" " الكتب عالم ساحر.." في الراية الغراء يوم الأربعاء 28 مايو 2003 هاهنا بعض الملاحظات:

أولا :

1- يقول روسو أن الفنون والآداب والعلوم والكتب تكبل حرية الإنسان وتقلص فرص حصوله على السعادة .

2- أواخر حياته قام التوحيدي وحرق كتبه لاعنا كل ساعة قضاها في كتابتها .

3- صورة الإنسان المثالي لدى الأديب المسرحي السويدي سترند برك هي البرهمي الذي حين يبلغ العشرين يتزوج وينجب طفلا ثم يذهب إلى البرية يتأمل روحه .. بلا كتب .

4- على فراش الموت لعن ابن رشد الكتب وندم على حياته كمؤلف .

5- أوصى كافكا أن تُحرق كافة مؤلفاته بعد موته .

ثانياً : المؤلفون والقراء هم على حد سواء أناس أنانيون إذ يفضلون كتبهم على أسرهم والناس من حولهم . وهم كذلك فاشلون في عالم الواقع ولهذا يجدون في الكتب ملاذا ومهربا لهم ولهذا أوصي الجميع ألا يزوجوا بناتهم لمحبي الكتب إذ هم كمحبي الخيول والطيور ولعب القمار ، لا يلتفتون إلى احد حتى زوجاتهم أو أولادهم .

ثالثاً : المؤلفون والقراء أناس نظريون خاملون كسالى يريدون من يقوم على خدمتهم وتقديم الطعام لهم وهم جالسون ، ومع ذلك نحن السذج نحترمهم ونكرمهم وهم جراء جهلنا يصبحون من أصحاب الملايين والأملاك والسفر والأبهة . كلنا كي نحصل على قوتنا نتعب بينما المؤلفون يتلذذون بعملهم ويحصلون على الملايين ونحن نكافح من اجل الحصول على ما يسد رمقنا بشق الأنفس .

رابعاً : حبّابو الكتب متشدقون متفيقهون نرجسيون يعيشون في جنة مغفلين ويعتقدون أنهم من سلالة السوبرمن وهم يعيشون في قوقعة يحسون فيها بعظمة الذات والرضا عن النفس . وفي الأخير في رواية فولتير الصادق التي تدور أحداثها في بابل القديمة يقول لنا فولتير، وهو نفسه حبّاب كتب رهيب ، إن امرأة عجوز أمية تعيش بتواصل مع أسرتها وجيرانها هي خير من مثقف حبّاب كتب منقطع في عالمه الداخلي .

مع تحياتي

التوقيع



أنشودة التضرع على طريقة هوميروس في الإلياذة

أنا لا احجب اسمي لسبب أمني أو ما إلى ذلك ، فقط لأن أضواء الشهرة مثل شمس هذه الأيام تصيبني بالحساسية ، وديدني بذلك مثل صموئيل بيكت الذي حين أذاعوا اسمه بالراديو انه فاز بنوبل 1969 هرع وحجز على أول طائرة مغادرة من باريس وذهب وجلس في مقهى شعبي بتونس بعيداً عن أضواء الشهرة . ومن يدري، لعلي سأطرق بابك يوم ما ونجلس سوية نحتسي الشاي السليماني وحبذا لو أنك أخرجت سيكارة ودخنتها لأني تارك التدخين منذ ربيع 1991 والحقيقة أني لم اترك السيكارة إنما هي التي تركتني مثلما قال برنارد شو عن لحيته : " أنا لم ارب لي لحية ، اللحية هي نبتت من تلقاء ذاتها ".

من ناحية الكتب والأدب والقراءة- أنا تركتهم وليسوا هم الذين تركوني . ومثل ادكار الآن بو ودستويفكسي وكافكا قمت برحلة داخل الجهاز العصبي المركزي البشري وفي ظني المتواضع- وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً - اكتشفت حقيقة طبيعة هذا الجهاز، وأثر ذلك تركت الكتب وأوقفت البحث وكتبت كلمة " مغلق" على ملف الطبيعة البشرية . أتصور أن كل ما كتب ويكتب وسيكتب يدور في حلقة مفرغة مثلما يحدث لبطل يوجين أونيل في مسرحيته الإمبراطور جونز ، وفي الأخير وجدت انه ينطبق على كل الأدب منذ كلكامش وحتى جبريل كارسيا ماركيز المقولة الشعبية " تيتي تيتي مثل ما رحت جيتي". وفعلاً هذه المقولة هي أساس ملحمة كلكامش حيث يعود محبطاً بعد طول عناء . لو كان حل المعضلة الإنسانية في الكتب لترك فلاحو دمياط مزارعهم وعمال سلخانات شيكاغو عملهم والسواق البنغلاديشيون تكسياتهم . هناك ملايين الناس من الذين لم يلتقوا بالكتاب إلا كمقرر مدرسي مفروض عليهم تراهم نجحوا في الحياة أيما نجاح وهو أن ذكرت لهم كلمات مثل شعر كتب أدب تراهم يهرشون جلودهم من المضايقة والانزعاج . وهناك ملايين تهفو نفوسهم للأدب والفن والثقافة وتراهم لا يتوفر لديهم وجبة الطعام القادمة .

وأخيراً أقول إن سر المعضلة الإنسانية هو هذا : السعادة موجودة حولنا في العالم مثل القوة الكهربائية ، لكن بينما القوة الكهربائية يمكن أن نحصل عليها وننعم بها بواسطة أسلاك وأجهزة صالحة لإيصال التيار الكهربائي ، فأن أسلاك الجهاز العصبي المركزي للإنسان لا تصلح لإيصال السعادة الموجودة حولنا . وما الأدباء إلا عمال كهرباء يحاولون وصل التيار الكهربائي لكنهم يخفقون لأن الجهاز العصبي المركزي للإنسان موصل سيء للسعادة ، وان تم وصل فهو مؤقت وهو حالة استثنائية بينما القاعدة هي انقطاع تيار السعادة . وهاهنا كل الرعب ، كما ينطق كورتز كلماته الأخيرة في رواية كونراد قلب الظلام قائلاً " الهول ! الهول ! ". نحن في قلب معضلة حقيقية .

برولوك على طريقة جوسر في "حكايات كانتربري"

أنا لا أمارس الكتابة من اجل النشر لكن كنوع من التواصل بين الناس وخاصة الغرباء منهم وديدني بذلك مثلما يأتي في الجملة الأخيرة بمسرحية تينيسي وليامز عربة اسمها الرغبة على لسان البطلة المنهارة بلانش ديبوا حين تقول للطبيب والممرضة اللذين جاءا يأخذانها إلى المصحة : " طالما اعتمدت على مساعدة الغرباء". ومن الصدف الهامة إن بلانش الشخصية الخيالية وأنا من مواليد 15 سبتمبر. ستجد إني دائما أُحدث تداخل بين الكتب وبيني .

صار لي [بادئ ذي بدء أرجو المعذرة على استعمال العامية أحيانا ، وهذه مسألة ليست أصلا من دون تخطيط ، إذ أني عامدا أدخل العامية فيما اكتب لسببين ، أولهما لأن العامية أحيانا تكون أكثر تعبيراً ومصداقية من الفصحى - أتصور إن أول من مارس الكتابة استخدم العامية - وحتى شكسبير (حتى أنت يا شكسبير؟) استعملها في مسرحياته حتى في التراجيديات الأربع العظام . وطبعاً أعظم من استعمل العامية في الشعر (نعم أعظم من شكسبير وملتن) هو شاعر القرن السابع عشر جون دون (صدرت له مجموعة جيدة بالترجمة العربية في العام الماضي) . والسبب الثاني لاستعمالي العامية (وهو السبب الأهم) هو لإعطاء ما اكتب (وهذه أرقى غاية لأية كتابة من وجهة نظري) روح المحادثة . إذ " في ملتي واعتقادي" (حسب تعبير شاعرنا الأعظم المعري) إن أعظم وأهم وظيفة للأدب هي خلق هذه الروح المحادثية ... لم ينته الموضوع ، ولكن نظراً لمجيء الصفحة على نهايتها يجب أن اخرج من القوس المضلع لأكمل قولي] : صار لي زمان وأنا أريد احارشكم بالكتابة ، ولعلمكم فأن هذه الحرشة ليست عدوانية إنما بدافع المحبة ولو إنها محبة من النوع السينيقي لأني مؤمن بان الإنسان مدفوع بأنانيته لعمل أي شيء مهما كان هذا العمل خيراً حتى في محبته لان المحبة تعود عليه بالإحساس بالفرح ولو في الوقت نفسه (وهذا، وا أسفاه ، دليل على تقلب الإنسان واختياره ما يحلو له) هناك بهجة في الكره ، والحق لعلها أقوى من المحبة . وللألمان في لغتهم كلمة خاصة بهذه الحالة الشعورية شادن فرويدا- أنا لا أحسن الألمانية لكن اعرف أن المقطع الثاني من هذه الكلمة فرويدا كما قرأته في نص " أنشودة الفرح " للشاعر شيلر الذي كتبه لختامية السمفونية التاسعة لبيتهوفن ، طبعاً حسب طلب الموسيقار الأطرش . وفي مجال العواطف المتحكمة بالقلب البشري ، يقول تينيسي وليامز إن أكثر العواطف ثباتا في القلب البشري هي ليست عاطفة الحب ، إذ طالما يتقلب القلب في حبه ، إنما هي عاطفة الغضب .

في الوقت الذي انصرفت فيه عن اكتشاف الدهشة في الكتب - أتى علي حين من الدهر أنقذتني الكتب من اليأس أو على الأقل الحزن وكما تغني وردة الجزائرية "رجعوا لي ابتسامتي" – فاني ما أزال أجد نفسي منجذباً لكتابين أو ثلاثة بالذات : أقرأهم ليس من اجل الفائدة والحكمة ولكن من اجل التسلية واللذة ، مثل طفل عابث يشتهي قطعة آيس كريم ليس للتغذية إنما للذة . ومن ناحية أخرى ، وأنت اكتشفت هذه النقطة ، أصبحت الكتب بالنسبة لي مثل علكة لبان في فم مراهقة تلوكها بغنج وبغددة ثم تنفخها على شكل كرة ثم تقوم بطق الكرة وتعود تلتهمها لتلوكها من جديد وهي بغاية السيطرة على الموقف . عزيزي : هذه الصور والتشبيهات والإشارات إلى المصادر والكتب هي حالة شعورية تصيبني وتكبلني عن الاستمرار في الكتابة وهي تستحوذ علي بالرغم مني ولا املك إلا الخضوع لها وهي في ازدحامها في مخيلتي تذكرني الآن بالشاعر جون ملتن الذي في قصيدته العصماء الفردوس المفقود يستعير صورة تشبيهية من العهد القديم حيث مذكور قدوم جراد بعدد يفوق المليارات بحيث من كثرة عدده قلب رابعة النهار إلى ليل دامس أيام الفرعون ، كذلك ، يقول ملتن ، سقط إبليس وإتباعه بعدد أولئك الجراد من عدن إلى أسفل سافلين .

الكتاب الأول هو الإخوة كارامازوف (قرة مازوف حسب النطق التتري الأصلي) . انه بالنسبة لي أمتع وألذ واضحك كتاب في الدنيا. حينما قرأته ربيع 1990 وكنت في فترة حداد على زوجتي الأولى . قلت لنفسي سأقرأ الأخوة عسى ألقى في تراجيدتهم سلوى لمحنتي الشخصية . لكن ما حدث هو أني ولوحدي بالدار كنت أنفجر ضاحكاً بشكل مسموع وخاصة عند حوار الأب فيودور كارامازوف وحديثه عن الخطاطيف في جهنم ، وبمفارقة ابليسية تموت زوجته الأولى . وهكذا عشت وتحسست محنته كيف انه حينما كان يسكر كان يهرع إلى الشارع ليصيح : " والآن حررت عبدك يا رب ". تالله هاهنا قمة الكوميديا بملابس الحداد ، أما حوارات الأب مع ابنه الأكبر دمتري أمام القس زوسيما فحتى شكسبير الكبير لا يعرف الطريق إلى عظمتها خاصة حينما يصاب الأب زوسيما بالحرج من شجار الأب كارامازوف وابنه دمتري فيقول لهما : " أيها السادة وخاصة أنت أيها الوالد المبجل ، كف عن الكذب و لو قليلاً ".

بعد كارامازوف قرأت دون كيشوت ناشداً الفكاهة والفرفشة إلا أني وجدته كتابا رتيباً مضجراً . إما الكتاب الثاني الذي ما يزال يجذبني فهو محاكمة كافكا . الله ، الله ، أسلوبه في وصفه المزدوج للعالم البرّاني الموضوعي كما هو من جهة ، ومن جهة أخرى للطريقة التي يتحسس بها الشخص هذا العالم ويعيشه ليس كما هو كوجود مطلق بل كخبرة شخصية انطباعية . خلال الرواية أحس بنفوق الروح البشرية حتى تلفظ نفسها الأخير ككلب . والكتاب الثالث هو هكذا تكلم زرادشت لنيتجه . يعجبني لقوته لعنفه لأجمل ساعات جنونه حسب الساهر نقلاً عن قباني . هذا الكتاب الرهيب (رهيب والله رهيب حسب أغنية عبد المجيد) الذي أتصور انه أشرس كتاب (حتى أكثر من كتب الماركيز دي ساد) له روح ذئب جريح يلعق جرحه وهو يعوي في دياجير الليل الذي توقعه نيتجه للبشرية في المستقبل ، في القرن العشرين وما بعده . وهذا العواء هو ليس عواء أَلم مستسلم لكن عواء أَلم متحد . نظر نيتجه في أفق مستقبل البشر فرأى الأفق طافحاً ليس بأشعة الشمس العسجدية بل بالدماء . أصابه الذعر في البداية لكنه سرعان ما قاوم الذعر وسيطر عليه ، وهكذا اخذ يضحك مجلجلاً في الشفق الدموي . تالله هذا الكتاب اعتبره كدواء مقوي للنورستانيا (الوهن العصبي) . من مقولاته : " كن كالبحر المحيط لا يكترث بالزبالة الملقاة عليه ".

في إحدى خبطاتي يوم أمس- كان بريخت يسمي المسرحية التي يجلس ليكتبها " خبطتي الجديدة "- ذكرت لك كيف أن الجهاز العصبي المركزي البشري موصل سيء للسعادة ، وبينما أتغدى اليوم وأنا ألوك اللقمة بفمي كنت ألوك بعقلي ما كتبته لك في الخبطة أعلاه فتذكرت عبارة مدام بوفاري : " إنها مسألة أعصاب". تقول بوفاري هذه العبارة لزوجها بعد أن تبدأ تحس بألم جراء عشقها لحبيبها ليون . حياتنا ومأساتنا هما مسألة أعصاب والإنسان ابن أعصابه . تأوهات هاملت ، آلام فرتر، أحزان جين اير، جنون الملك لير، هلوسات مكبث ، أوهام بطل قصة ادكار الان بو في قصة " الخنفساء الذهبية "، غثيان بطل سارتر، كلها مسالة أعصاب . الجهاز العصبي المركزي البشري معطوب من الأصل مثلما تشتري جهاز كهربائي فيه تماس كهربائي من المصنع وهو لا يصلح للعمل . لكن بينما بإمكاننا أن نرجع الجهاز الكهربائي ونستبدله بجديد ، لا نستطيع عمل الشيء نفسه بخصوص الجهاز العصبي البشري . أو كالولادة بإعاقة من الدرجة الأولى- ما نملك إلا أن نعيش بها ومعها . إذن الأدب كله هو وصف لحالات مختلفة من المشاعر والمواقف متأتية عن مسالة أعصاب . يقول برانديلو بشكل غير مباشر أو تلقيني في مسرحيته " 6 شخصيات تبحث عن مؤلف أن هناك خط عصبي في الجسم البشري يربط بين منطقة التفكير بالمخ وبين فتحة الشرج ، أي أن أسمى أفكار الإنسان من أدب وفن ومسرح وموسيقى هي مساوية لعملية قضاء الحاجة . لعنة الله عليك يا لويجي على هكذا فكرة . إذن زعيق هاملت : " نكون أو لا نكون تلكم هي المشكلة " ما هو إلا معادل موضوعي لشخص جالس في توالبت يحزق ليفرج كربته . وكذلك جوناثان سويفت في رحلات كلفر يؤكد الموضوع نفسه حينما تشكل بلدية مملكة الأقزام فرقة خاصة من عمالها لرفع فضلات كليفر من المنطقة والتخلص منه في البحر وكأنه نفايات نووية كيمياوية. الإحساس أو الانطباع الذي يحصل لمشاهد مسرحيات صموئيل بيكت هو أن الشخص البيكتي هو رجل محصور ولا يلقى تواليت بقضي حاجته فيه . شخصيات بيكت عليها نوع من ضغط أو كرب أو حرج أو محنة من هو محصور ولا يجد مكاناً ملائماً يفرغ محنته . وفعلاً كان بيكت طيلة حياته يعاني من قبض مزمن (إمساك) . وفلاديمير في في انتظار كودو تحصره البولة ويضع يده على موقع مثانته ويستنجد فيعلمه رفيقه استراكون أين التواليت . في نهاية مسرحية جون اوزبورن غربي السويس يتحدث بطل المسرحية حديثاً طويلاً (وهو أصلاً طبيب يعمل بالتحليلات المختبرية) ويقول من جملة ما يقول: " كل شيء في لندن هو براز ، حياتنا ، أعمالنا ، كلنا براز ، مثلنا ، أخلاقنا ، إمبراطوريتنا كلها براز وآخر كلمة ستبقى في اللغة الانكليزية هي كلمة براز ... ". كلام طويل مازلت اسمع صداه والممثل السير رالف ريتشاردسن يلقيه على خشبة مسرح الاولدفيك بلندن خريف 1972. أرجو المعذرة على هذه التفاصيل بهكذا موضوع غير محبذ . دخلت كلمة شت إلى وسائل الإعلام الانكليزية أواخر الستينات والآن نسمعها بشكل عادي في حوارات الأفلام وحتى المسلسلات العائلية وتبعتها كلمة فك التي سمعتها يوم أمس تخرج من فم بطلة فيلم قطارات الموت إعادتها حوالي ثلاث مرات على زعيم العصابة . حوالي سنة 1908 حين استعمل برنارد شو كلمة بلودي في مسرحيته بكماليون ثارت عليه الصحافة والكنيسة والحكومة مع أن هذه الكلمة لا تعني أكثر من لعين أو شيء من هذا القبيل . أعود وأقول لا حياء في العلم ومن حقنا كي نوضح فكرة ما إن نسمي الأشياء بأسمائها، من دون أن نخدش الحشمة أو نخل بالذوق . وهناك قانون طبيعي يجب أن نتقبله وهو جزء من دورة الحياة . لقد بدأت هذه الأسطر بعبارة ألوك اللقمة فكما أن اللقمة هي بالأخير تكون الفضلات فهكذا بدأت كتابتي بطعام وانتهت بالذهاب للتواليت. وقديما قبل أكثر من أربعين سنة كان عندنا في المحلة رجل سينيقي قال ذات مرة : " ما الإنسان إلاّ بالوعة وتواليت".

ما رافق سبرنك شارون إلى غرفة نومها .

خارج لوس انجليس وفي مزرعة سافن موفي التي تعج بالذباب وكان فيها ديكور مهجور لتمثيل احد الأفلام ، كان هناك ثمة ذئب منهمك بعمله : انه جارلز مانسن ، وهو سجين سابق والأب الروحي الكبير للأسرة التي كانت تسكن في تلك المزرعة . كان مانسن يضمر لتيري ميلجر كراهية وعداوة ، وكان يعرف أن ميلجر لم يعد يسكن في المنزل في شارع سيئيلو ، لكنه مع ذلك اصدر الأوامر أن يذهب أربعة من أفراد الأسرة لقتل كل من يجدونه هناك .

وفي عمق الليل وعلى الطريق المؤدية إلى منطقة بينيديكت كانيون كان يسوق السيارة جارلز " تيكس" واتسن البالغ من العمر 23 سنة ومعه يركب سوزان اتكنز البالغة 21 سنة وباتريشيا كرينونيكل البالغة 21 سنة ولندا كاسبيان البالغة 20 سنة وكانوا مسلحين بالسكاكين والمسدسات .

ولدى وصولهم المنزل قطعوا أسلاك الهاتف وقفزوا من فوق السور ودخلوا المنزل ، ولكنهم فجأة اندهشوا بأضواء ساطعة لسيارة كان يقودها ستيف بيرنت البالغ 18 سنة وهو صديق خادم المنزل المدعو وليام كاريستون والذي كان يعيش في غرفة خارج المنزل . أوقفوا سيارة بيرنت وأطلقوا على سائقها أربع رصاصات تركوه ورأسه ملقى على المقود . دخل القتلة الأربعة المنزل حيث كان الجميع نياماً .

فز فرايكاوسكي من نومته ليجد مقتحمي المنزل واقفين عند رأسه وسألهم وقد تملكته الدهشة عما كان يجري فأجابه

مقابلة


مقابلة أجرتها جمعية المترجمين العرب الدولية

- هل يمكن لكم أن تعرفوا قراءنا على شخصكم الكريم ؟

- صديق بكر توفيق ( آل حسين أغا أغوان ) من مواليد الموصل ، العراق سنة 1944 ، أستاذ جامعي منذ 1968 وحتى 2000 إذ منذ ذلك التاريخ اعمل بوظيفة مترجم متفرغ . اختصاصي العلمي الدقيق هو المسرحية الحديثة مع انه على مدى سنوات تدريسي الممتدة عبر ما يربو على الربع قرن من الزمن قمت بتدريس الأدب الانكليزي من بيوولف أول عمل أدبي في تاريخ الأدب الانكليزي يعود إلى نفس الفترة الموازية تاريخيا للهجرة النبوية وحتى مسرحية توم ستوبارد موت روزنكرانتز وكيلدنستيرن المقدمة في المسرح سنة نكسة حزيران (يونيو) 1967 . علاوة على كوني أستاذ جامعي فأنا ناقد مسرحي ولقد كتبت العديد من نقود العروض المسرحية في بغداد ، وكنت عضوا دائما بلجنة اختيار النصوص المسرحية لمهرجان منتدى الشباب المسرحي ببغداد حتى سنة مغادرتي العراق في 1995 . كما واني قمت بتدريس طلبة الدراسات العليا بأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد ، وكان من جملة طلبة الدكتوراه عبد الستار عبد ثابت البيضاني عميد أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة البصرة حاليا ، ومن طلبة الماجستير كانت الفنانة الكبيرة شذى سالم التي تمت موافقتي على إشرافي على أطروحتها في موضوع لغة الحوار المسرحي لكن هجرتي من العراق حالت دون ذلك.



- هل من نبذة سريعة عن ضيفنا الكريم ؟

- مسقط رأسي كان في بلدة برطلة التابعة لقضاء الحمدانية التابع للواء الموصل حيث كان والدي يعمل موظفا حكوميا ، وكان بحكم طبيعة عمله كثيرا ما يتم نقله من بلدة لأخرى . وهكذا قضيت طفولتي وصباي في برطلة ، قرة قوش ، تللسقف ، تلعفر وأخيرا تلكيف . وفي هذه المناطق كان الناس يتحدثون اللغة السريانية ( الكلدانية ) التي تنحدر من الآرامية التي كان يتحدث بها المسيح والنبي إبراهيم ، وحسب المعري في رسالة الغفران تحدث بها آدم أول ما هبط من السماء . ونظرا لنشأتي في بيئة تتحدث السريانية فإنني كنت ( وما زلت ) أتحدث السريانية كأهلها ، بينما في المنزل كنت أتحدث مع أهلي بالعربية . وبإمكان القارئ العزيز أن يكتشف بأنني عشت الترجمة منذ نعومة أظفاري . كما وأن المصدر الرئيسي لثقافتي هو بفضل والدي الذي كان مشتركا بجريدة " الزمان" البغدادية اليومية ومجلة " المصور" المصرية الأسبوعية ، كما وكان في المنزل عندنا جهاز راديو في أوائل الخمسينات في حين كان من النادر أن تجد عند الناس جهاز راديو . في سنة 1956 اشترى والدي مسجلة صوت وكانت اختراعا حديثا لا يتجاوز تاريخه عشر سنوات ، وان صموئيل بيكت صاحب مسرحية في انتظار كودو لم يكتشف جهاز مسجلة الصوت إلاّ سنة 1957 ، وهكذا ونحن في تلكيف ، القرية الفلاحية شمال الموصل اكتشفنا مسجلة الصوت قبل صموئيل بيكت وهو الذي كان يعيش في باريس عاصمة الحضارة والفن والثقافة في العالم . كان لوالدتي اثر عميق في ثقافتي فهي من جهة كانت تعلمني اللغة الانكليزية بالمنزل كمتابعة لدروس اللغة الانكليزية التي كنت أتلقاها في المدرسة ، كما وأنها كانت تقرأ على مسامعي أخبار ممثلي هوليوود المنشورة في الصحافة العربية ، وحتى وقت متأخر كانت والدتي تبلغني بأخبار ممثلي هوليوود ، فمنها سمعت لأول مرة خبر وفاة الممثل برت لانكستر سنة 1994 . وبمجال الأدب العالمي منها سمعت لأول مرة وأنا في سن ما قبل المدرسة قصة رجل يقرض شخصا آخرا مبلغا من المال لقاء قطع جزء من لحم جسمه في حالة لا يسدد المدان المبلغ في موعده المقرر، وكذلك منها سمعت قصة ذلك الذي يسافر مرة إلى جزيرة الأقزام ومرة أخرى إلى جزيرة العمالقة.



- هل لك أن تحدثنا عن حياتك ودراستك؟

- تخرجت من الثانوية الشرقية ، القسم العلمي ، بالموصل سنة 1964 وذهبت للدراسة بقسم اللغة الانكليزية ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، ولم انخرط بدراسة العلوم نظرا لضعفي فيها ، بينما كانت درجتي باللغة الانكليزية هي 92 ويقال أنها كانت أعلى درجة في العراق تلك السنة . عزيزي لا تقل أن الآن الطلبة يأتون بدرجة 99 باللغة الانكليزية ، فهؤلاء نتاج التدريس الخصوصي والتدريس الخصوصي يشحن الطالب المعاصر بالمعلومات التلقينية الببغائية ويذهب الطالب ويعطي على الورق ما حملّه إياه الشحن المؤقت وبعدها تختفي المعلومات في الأثير كما تختفي الساحرات من أمام أنظار مكبث . في زماننا كان الذي يحصل على معدل 75 في الامتحان الوزاري كانت الحكومة ترسله في بعثة إلى بريطانيا أو أمريكا . الفضل في اتقاني اللغة الانكليزية يعود إلى ممارستي خارج قاعة الدراسة وكذلك مساعدة أمي لي في المنزل في إتقان اللغة الانكليزية التي كنت أتعلمها في قاعة الدراسة . كنت من هواة السينما الأمريكية وهكذا كنت أشاهد الأفلام الأمريكية المعروضة في الموصل وبعد نهاية الفلم كنت أحاول تقليد برت لانكستر ، روبرت تايلور ، ايرول فلين ، مارلون براندو ، مونتكمري كلفت وآخرين في تمثيلهم مع محاولة إلقاء ما قاموا به من حوار . وبعدها وقعت في هوى برنامج امرح مع الأنغام وهو برنامج طلبات المستمعين من الأغاني الغربية كان يقدمه غسان خليل صباغ من إذاعة صوت أمريكا صندوق البريد 301 بيروت . ثم جاء صديقي العزيز الحميم هرمز حنا داؤود الاثوري الذي علمني مراسلة الممثلين في هوليوود وأعطاني عناوين كرك دوكلاس ، ستيورت كرينجر ، آفا كاردنر ، روبرت متشم ، جاك بلانس ، ريتا هيورث ، تيرون باور وآخرين وكنت اكتب لهم الرسائل ويرسلون لي تصاويرهم الموقعة من منازلهم في أحياء بفرلي هلز وبيل اير أو مقار أعمالهم في ستوديوهات مترو كولدوين ماير في مدينة كلفر ، كولومبيا في شارع كاور ، بارامونت بشارع ماراثون ومن وكالة شارع سنست بولفارد إلي عنواني في تلكيف .



- هــل تتكرم بإعطائنا نبذة سريعة عن حياتك في مجال الترجمة وانجازاتك ؟

- منذ كنت في المدرسة المتوسطة كنت اصدر جريدة اكتبها بيدي أسميتها دنيا الفن وكنت انشر فيها إخبار ممثلي وأفلام هوليوود وكنت استقي معلوماتي من المجلات والصحف العربية والعراقية ، ثم تطورت وأصبحت استقيها من المجلات الأمريكية بان أترجمها للعربية من مجلات مثل : فوتوبلاي ، موشن بكجرز ، موفي لاند وأخرى .

- ما هي مواهبك وهل من هوايات لا زلت تمارسها حتى الآن ؟

- المراسلة على رأسها ، علاوة على ما مذكور كما أعلاه بشأن مراسلاتي مع ممثلي هوليوود ، ففي السنين التالية ، وبعد أن تطورت انكليزيتي أرسلت صورتي وعنواني بمحلة السرجخانة بالموصل إلى مجلة تين سكرين بهوليوود ، وبعد فترة تم نشرهما وتلقيت ما يربو على الستمائة رسالة ( 4 من بنين والبقية من بنات أمريكيات ) وأرسلت بعضهن وولد واحد من حي برونكس بنيويورك يدعى انجيلو كارسيا تبين فيما بعد أن أخاه الأصغر هو الممثل الهوليوودي الحالي آندي كارسيا . بمسجد الشيخ أبي النصر بالموصل حيث كنت التقي بأصدقائي طالبوني أن أعطيهم عناوين ، لكي يقوموا بالمراسلة وهذا فعلا ما حدث وكنت أعينهم على الكتابة باللغة الانكليزية . مرت الأيام والسنين واقلعنا عن المراسلة ، وإذا بأحد الأيام التقي بالصدفة ببغداد بأحدهم وهو يونس حمدي الصفار الذي كان قد تخرج من كلية الهندسة وقال لي يونس: " صديق ، راح تصل الأمريكية إلى بغداد " . استفسرت :" أي أمريكية ؟ " أوضح قائلا : " كاترين التي أعطيتني عنوانها قبل 7 سنين". وفعلا وصلت الأمريكية كاترين ليس فقط إلى بغداد لكن الموصل أيضا ، وتزوجها يونس حسب الشرع الإسلامي وبعدها سمعت من والده أن يونس غادر العراق في 1971 ولم يعد . وكلما كان يراني المرحوم حمدي أبو يونس كان يبادرني معاتبا : " يا ابن أغوان أنت الذي أخذت مني ابني يونس " .





- هل تمارس هوايات خاصة تحب أن تطلعنا عليها ؟

- هذه الأيام أمارس التأمل الذي هو بمستويين ، الأول : تحليل مجريات وطبيعة الأمور ومحاولة التوصل إلى تفسيرات وتخريجات عن مكونات ومسببات ، وشأني بذلك كشأن بيير بطل رواية تولستوي الحرب والسلام الذي يريد أن يعرف لماذا هنالك فصول أربعة في السنة ، وماذا ينجم عن زواج الناس ، ولماذا يذهب الناس للحروب ، وما الفرق بين الحياة والموت ، ولماذا هناك شر في قلب البشر ...الخ ، ولكن من ناحية أخرى فشأني شأن المركيز دي ساد إذ ما أن اكتشف ما اعتقد أنها حقيقة ، سرعان ما ابدأ اشك في صحتها . والمستوى الثاني للتأمل هو الذكريات ولعل الغريب في الأمر أني أحب واشتاق لأيام المحن والعذاب أكثر منها لأيام الفرفشة والانشراح ، فأنا أحن لأيام حرب الخليج حينما كنت بالموصل في الفترة 17 كانون ثاني ( يناير ) – 28 شباط (فبراير) 1991 ، وشأني بذلك شأن المحاربين الانكليز الذين كانوا يحنون للخنادق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى . من جملة تحليلاتي للموقف أن الإنسان بطبيعته يميل لحياة المخاطر والمجابهة أكثر منها لحياة الأمان والاستقرار ، ولهذا أوصى الله بالجهاد . والحقيقة هذا طرح استشفيته أيام كنت أقوم بتدريس مسرحية بريخت الأم شجاعة على طلبة جامعة الموصل سنة 1979 عشية حرب الخليج .

- ما هي أنواع الكتب التي تجذبك وتجد متعة في قراءتها ؟

- منذ قرأت مقتطفات عن حياة عزرا باوند في 1970 وإذا بي انجذب لكتب السير الذاتية وما يتفرع عنها من كتابات الخواطر والمذكرات والمقابلات واليوميات والمراسلات ، ولقد اكتشفت – ولعل هذا جزء من إدلاء دلوي في بئر الاتجاهات النقدية والدراسات الثقافية لما بعد الحداثة – أن في ملتي واعتقادي تنقسم الكتابة إلى نوعين ، الأول : الكتابة " الإنشائية " والثاني : الكتابة " المحادثية " ، كما وان هناك نوعان من الشعر ، الأول : شعر " القصائد " والثاني شعر " خارج القصائد " . ففي كتابات السيرة الذاتية وما يتفرغ منها اعثر على ضالتي : الكتابة المحادثية حيث أحس بان بين الكاتب وبيني علاقة حميمة وكأنما نحن في مقهى نتحدث من القلب للقلب ونحن نشرب الشاي بشارع حلب بالموصل وهذا مكاني الأثير ، بينما في الكتابات " الإنشائية " أحس بالكاتب وكأنه يلقي محاضرة أنا مجبر عليها وإلاّ احتسبوني غائبا . كذلك أنا مبتعد عن شعر " القصائد " حيث الكلام المنظوم المقفى اللهم إلاّ إذا كانت القصيدة " محادثية " . وأحب الشعر " خارج القصائد " الذي أجده في مقال صحفي أو أغنية أو حديث في مقابلة أو في صورة أو لقطة أو مشهد في فلم سينمائي وأحيانا أجد أعظم الشعر في صمت الموناليزا وكذلك أحس الشعر في تأملاتي الشخصية .

- ما هي المحاور الأساسية التي كتبت عنها ، والتي لا تزال ترى نفسك تستمتع بالكتابة عنها ؟

- السيرة الذاتية والمقابلات الصحفية ولقد كتبت عن حيوات عزرا باوند ، برنارد شو ، صموئيل بيكت ، تينيسي وليامز ، المركيز دي ساد ، نيتجه ، آل كابوني ، جارلز مانسن وآخرين ، وكما تلاحظ أنا معجب بالمتذمرين المشوشرين المشاغبين اللامنتظمين اللامؤسساتيين اللاتابعين الخارجين اللامنتمين .

- ما هي أهم الدوريات التي نشرت فيها ؟

- أنا كسول خامل فاشل بالنشر المنظم وكما يقول برنارد شو : " لست قادرا على كتابة موضوع منظم واحد ". وبرنارد شو كتب لمدة سبعين سنة بمعدل خمس صفحات يوميا . وكذلك شأني شأن بيكت الذي صرح ذات يوم قائلا : " لا استطيع كتابة مقدمة لمسرحياتي"، وهو الذي كتب عنه كل من هب ودب المقدمات والدراسات لمسرحياته . أنا اكتب حسب هوى نفسي ليس من اجل النشر إنما كما قال تينيسي وليامز :" أنا لا اكتب لأحد إنما اكتب لنفسي". والدافع الآخر للكتابة هو الواجب . حينما جاءني في ذات مرة رئيس القسم بالجامعة المستنصرية المرحوم عبد الوهاب الوكيل واستدعاني خارج قاعة الصف الذي كنت القي محاضرتي وقال لي بنبرة تهديد أخوية رقيقة لطيفة نافعة لي : " إن لم تكتب بحثا وتنشره في دورية الجامعة سوف تحجب عنك الترقية العلمية التي تستحقها عما قريب ". وهكذا تراني جلست في وقتها وكتبت البحث المطلوب . وأنا الآن اكتب هذه الأسطر لان من "الواجب" علي أن اكتبها في هذه المقابلة . عندي كتابات غير منشورة تربو على الـ 4000 أربعة آلاف صفحة ، مثل تينيسي وليامز كتبتها لنفسي ولو أن تينيسي يختلف عني في انه نشرها وجعلها تقدم على خشب المسرح وشاشة السينما ، ومع ذلك نشرت في الدوريات التربية والعلم ، آداب المستنصرية ، مجلات الأقلام ، الطليعة الأدبية وعدد من الصحف .

- يلاحظ في مسارك التعليمي كما في انتاجاتك تنوعا كبيرا ومرورا من حقل معرفي لآخر ، ما السبب في ذلك ؟ هل يعود ذلك إلى رغبة مقصودة في تعديد خلفيات تكوينك وتنويعها أم انه محاولة دائمة للبحث عن ذات لا تجد نفسها أبدا ؟

- يقول ت س اليوت بمطلع إحدى قصائده : " أنا لا اعرف الكثير عن الآلهة لكني اعرف أن النهر اله عظيم اسمر". إن حقلي هو اللغة الانكليزية وآدابها وتخصصي الدقيق هو المسرحية العالمية الحديثة من ابسن إلى هارولد بنتر الذي أنا اعرف مسرحياته قبل أن ينال نوبل قبل بضعة أسابيع ، ولكن نظرا لسمعتي عن أني ملم ومحيط ومطلع فإن مجالس الأقسام تختارني في تدريس الأنواع المختلفة من المواد . مثال سريع جدا جدا : في إحدى المرات وكانت بداية الفصل الدراسي الثاني وأنا على أساس أقوم بتدريس مساق في النقد المسرحي على طلبة الماجستير بالأكاديمية ببغداد وإذا أتفاجأ بأن المادة المعطاة لي هي الأدب العالمي الحديث وهذه مسألة لم تضايقني إنما أثارت فضولي ، فذهبت للأستاذ الكبير سامي عبد الحميد عميد الدراسات العليا مستفسرا فأجابني ضاحكا ضحكته المعهودة التي سبق وان سمعناه يطلقها وهو يمثل الملك لير أو الخال فانيا قائلا : " لقد اكتشفنا سعة اطلاعك على الأدب العالمي فقررنا هذه المادة لتقوم أنت بتدريسها ". وأعطيت المادة التي غطت أدب : بروست ، كافكا ، طاغور ، جويس ، فوكنر ، محفوظ ، السياب ، شولوخوف .. في مراسلة مؤخرا مع طالبي السابق للدكتوراه والذي هو حاليا عميد أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة البصرة الدكتور عبد الستار عبد ثابت البيضاني يقول لي فيها انه ما يزال يحتفظ ويرجع إلى محاضراتي التي كل كلمة قلتها دوَّنها بطريقة الاختزال التي كان يجيدها ، حتى انه دَوَّن أمثالي وتشبيهاتي وقفشاتي وحدوتاتي .

- ما محل الترجمة من الإعراب داخل كل هذا ؟

- كما ذكرت أعلاه فأنا ولدت في القرى السريانية وفي فمي ملعقة الترجمة ، إذ كنت أتحدث العربية مع أهلي داخل المنزل وأتحدث السريانية مع أصدقائي السريان في المحاليل ، إضافة إلى الجريدة اليدوية دنيا الفن التي كنت أحررها وعدد قرائها ثلاثة هم سعود عزو كاتي التلكيفي ونجيب احمد الموصلي وأنا .

- كيف بدأت مهنتك كمترجم ؟

- أعلاه هي الجذور وفيما بعد أخذت اكتب في جريدة الحدباء الموصلية وفي الصفحة المخصصة للمسرح بجريدة القادسية البغدادية وهي صفحة أسبوعية كان يحررها العزيز شفيق المهدي المشهور بإخراج " مكبث " بهندام الكراتيه . وفي عدد السبت 13 كانون الثاني(يناير) 1990 ظهر في تلك الصفحة تأبيني لصموئيل بيكت الذي كان قد توفى ودفن سرا يوم 22 كانون الأول (ديسمبر ) 1989 . والآن هذا التأبين محفوظ في أرشيف بيكت التابع لمؤسسة بيكت الدولية في مكتبة جامعة ريدنك البريطانية ويعتبر هو التأبين العربي المعتمد لصموئيل بيكت .

- كيف بدأت الترجمة ، وهل هي هواية أم أنها وصلت مستوى المهنة ؟

- كما أعلاه .

- ما هي أهم مصادر تكوينك الثقافي ؟

- فتحت عيني على الدنيا وكان في بيتنا تصل جريدة الزمان اليومية البغدادية ومجلة المصور الأسبوعية القاهرية ، وكان عندنا جهاز راديو سمعت عبره من جملة ما سمعت قيام اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر بثورة على الملك فاروق الذي كثيرا ما كنت اقرأ في المصور عنه وعن زوجته ناريمان . وبعد ذلك كانت مجلات السينما الأمريكية وبعدها مجلات الهلال ، المختار ، وفي سنوات النضج مجلات الفكر العاصر ، المجلة ، المسرح في سنوات المرحوم رشاد رشدي . وفي سنوات الجامعة والدراسات العليا كنت اقرأ الدوريات البريطانية والأمريكية .

- من الكتب الدينية ، فعلى رأس كل الكتب وهو كتاب كل الكتب ، القرآن الكريم وبعده الأحاديث النبوية وكتابات الإمام علي .

- ومن الكتب الأدبية أول كتاب في العالم قاطبة وحتى قبل التوراة ( وحتى انه اثر في التوراة حسب استنتاجات المؤرخين الأجانب ) وهو ملحمة كلكامش ، ثم ألف ليلة وليلة وأغاني الأصفهاني وديوان أبي نؤاس ، وبعدهم : كتاب نيتجه هكذا تكلم زرادشت ، رواية دوستوييفسكي الإخوة كارامازوف ( الذي اعتبره كتابا في الأدب العربي لروعة ترجمة سامي الدروبي له ) ، محاكمة كافكا ، مسرحية تينيسي وليامز فجأة في الصيف الماضي ، مسرحية صموئيل بيكت لعبة النهاية .

- لكل عالم ومفكر وأديب مصادر أسهمت في تكوين خلفيته الثقافية العامة من جهة ، وتنمية وتطور ملكاته في مجال تخصصه ، فما هي مصادر ومناهل المعرفة التي كان لها اكبر الأثر في تكوين خلفيتك الثقافية العامة وأيضا خلفيتك العلمية في مجال تخصصك الأكاديمي ؟!

- المرحوم الدكتور فخري قسطندي الذي علمنا مسرحية ابسن هيدا كابلر ومسرحية جيخوف بستان الكرز بجامعة بغداد هو الذي جعلني أقرر أني سأتخصص بالمسرحية الحديثة .

- ما هي المصادر التي أسهمت في تكوين خلفيتك الثقافية العامة وتنميتها وتطويرها ، فضلا عن الدراسة الجامعية ؟

- الكتب المذكورة بعضها أعلاه ، إضافة إلى الأفلام الرصينة سيما أفلام المخرج اليا كازان .

- من هم ابرز الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم وتفتخر بهم ، ولماذا ؟

- المرحوم الأستاذ عبد الوهاب الوكيل الذي سقانا أول جرعة حليب من ثدي بقرة الأدب الانكليزي ، وكان ذلك في بيوولف أول عمل أدبي انكليزي .

- المرحوم الدكتور فخري قسطندي المذكور أعلاه ، وفي لقاء معه بمحض الصدفة في تموز (يوليو) 1969 بفندق أمية بشارع 26 يوليو بالقاهرة أخذني بمساء نفس اليوم إلى مسرح الحكيم ( الجمهورية سابقا ) لمشاهدة فرافير يوسف إدريس تمثيل توفيق الدقن وعبد السلام محمد .

- من الأجانب : ولسن البريطاني الذي حبب إلي أدباء العصر الاوغسطي الانكليزي الذين يعود إلي أساليبهم النثرية الفضل في تكوين أسلوبي في الكتابة ، وكذلك الأستاذ بيمس الذي درسنا ملحمة ملتن الفردوس المفقود والدكتور ابهاوس الذي أخذت عنده مساق التراجيديا والرومانس في مسرحيات شكسبير المتأخرة .





- من هم ابرز الأساتذة الذين تتلمذوا على يديك وتفتخر بهم ولماذا ؟

- عدنان خالد في جامعة العين حاليا ، أكرم جواد في اسبانيا حاليا ، فينوس محمود خضر الحكيم في تلفزيون قطر ، شذى سالم بطلة فلم القادسية إخراج صلاح أبو سيف ، لؤي حقي شاعر القصر ، سهى محمد جرجيس الخفاف رئيسة قسم الترجمة بجامعة الموصل حاليا .

- هل اقتصر اختصاصك على الترجمة في مجال معين ؟

- معظم مواضيعي الأثيرة لدى هي بمجال السيرة الذاتية والمسرحية الحديثة وأفلام هوليوود في خمسينات القرن العشرين ، ودعني أسرك باني لا أترجم إلا المواد التي أحس أني أنا التي كتبتها وليس كتابها الحقيقة . في ملتي واعتقادي المهم في العملية الكتابية ليس المؤلف إنما القارئ ، فالكاتب لا يعدو أن يكون أكثر من خباز وان من يأكل الخبز ويتلذذ به إنما هو القارئ . كان من عادة سقراط أن يستوقف بعض الشعراء على قارعة الطريق في السوق ويسألهم عن معنى بعض أجزائها وكانوا لا يستطيعون الإجابة فيأخذ هو بشرح قصائدهم لهم . كان المتنبي يقول لمن يسألونه عن شعره : " اذهبوا اسألوا بن جني عني فهو أدرى مني بقصائدي".